على خطى رائد صلاح.. إسرائيل تنتقم من كمال الخطيب وتتهمه بـ"الإرهاب"

الشيخ كمال خطيب خلال تمديد اعتقال للمرة الرابعة بمحكمة الناصرة، حيث قدمت ضده لائحة اتهام بدعم "الإرهاب"
الشيخ كمال الخطيب في محكمة الناصرة (الجزيرة)

في إجراء انتقامي للمؤسسة الإسرائيلية قدمت النيابة العامة لائحة اتهام ضد القيادي الإسلامي الشيخ كمال الخطيب بذريعة "التحريض على العنف ودعم الإرهاب"، وذلك عقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلدات الداخل الفلسطيني تصديا لاعتداءات مستوطنين على أهالي اللد ويافا، وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإسنادا للقدس والأقصى وأهالي حي الشيخ جراح.

ويحاكم الشيخ الخطيب بتهم "التحريض على العنف"، و"التحريض على الإرهاب"، و"التماهي مع الإرهاب" استنادا إلى منشورات وتغريدات وتصريحات له على شبكات التواصل الاجتماعي تتعلق بالاحتجاجات التي شهدها الداخل الفلسطيني، والاعتداءات الإسرائيلية على القدس والأقصى.

وتطالب النيابة العامة الإسرائيلية بالإبقاء عليه رهن الاعتقال حتى الانتهاء من الإجراءات القانونية، وذلك بعد أن أسقطت من لائحة الاتهام بند "إشغال منصب في منظمة إرهابية".

وتأتي محاكمة الشيخ الخطيب والاعتقالات الجماعية بصفوف فلسطينيي 48 في سياق الملاحقة السياسية لنشطاء وقيادات القوى الوطنية والقومية والإسلامية، في الوقت الذي يقضي رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح عقوبة العزل الانفرادي بالسجون الإسرائيلية لمدة 17 شهرا بعد إدانته بـ"التحريض على العنف والإرهاب" عقب الهبة الشعبية التي أفشلت مخطط الاحتلال وأجبرته على إزالة البوابات الإلكترونية في العام 2017 قبالة أبواب المسجد الأقصى.

ملاحقة صلاح والخطيب

وتلاحق المؤسسة الإسرائيلية الشيخ صلاح منذ العام 1981، حيث اعتقل وفرضت عليه الإقامة الجبرية بذريعة الانتماء إلى منظمة "أسرة الجهاد".

رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح ونائبة الشيخ كمال خطيب
رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح (يمين) ونائبه الشيخ كمال الخطيب (الجزيرة-أرشيف)

وخلال توليه منصب رئيس بلدية أم الفحم من عام 1989 حتى 2001 تم تجديد ملاحقته بعد أن أطلق مهرجان "الأقصى في خطر"، وإقامة مشروع "البيارق" والجمعيات الخيرية للتواصل مع القدس وتعزيز صمود أهلها.

وشكلت انتفاضة القدس والأقصى في العام 2003 مرحلة جديدة من ملاحقة الشيخ صلاح بفرض الإقامة الجبرية عليه، ومنعه من دخول القدس والضفة الغربية المحتلتين، حيث تم في مايو/أيار 2003 اعتقاله مع قادة من الحركة الإسلامية وسجنهم لفترات تتراوح بين 20 و30 شهرا بتهمة تبييض الأموال لصالح حركة حماس.

ورغم إبعاده عن القدس والأقصى فإن محكمة إسرائيلية قضت في العام 2010 بسجن الشيخ صلاح لمدة 5 أشهر بزعم التحريض من خلال خطابه في وادي الجوز على إثر هدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي تل باب المغاربة بالعام 2007.

كما اعتقل الشيخ صلاح في العام 2011 لمدة شهرين بذريعة وجوده في القدس، واعتقل بنفس العام لعدة أشهر في بريطانيا عقب شكاوى قدمتها ضده منظمات صهيونية داعمة لإسرائيل.

وفي العام 2013 قضت محكمة إسرائيلية بسجنه لمدة 8 أشهر بذريعة التحريض على العنف والكراهية.

ملاحقة المشروع الإسلامي

واستعرض القيادي الإسلامي الدكتور سليمان إغبارية الملاحقة السياسية للقيادات الوطنية والإسلامية بالداخل الفلسطيني، مشيرا إلى أن عام 1996 شكل منعطفا تصعيديا من قبل المخابرات الإسرائيلية التي أطلقت حملتها ضد الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح حينما حسمت الموقف ورفضت المشاركة في انتخابات الكنيست، كما رفضت أن تكون جزءا من الدائرة السياسية التي سعت المؤسسة الإسرائيلية لرسمها وتحديدها لفلسطينيي 48.

طاقم الدفاع عن الشيخ خطيب بقاعة المحكمة بالناصرة يعاين لائحة الاتهام.
فريق الدفاع عن الشيخ الخطيب في قاعة المحكمة بالناصرة (الجزيرة)

وأوضح إغبارية في حديثه للجزيرة نت أن المؤسسة الإسرائيلية وبعد فشلها بالقدس والأقصى والعدوان على غزة تريد الانتقام ورد الاعتبار لنفسها عبر الاعتقالات الجماعية في الداخل الفلسطيني ومحاكمة الشيخ الخطيب.

وأكد أن المشروع الإسلامي -كما القوى الوطنية المتمسكة بالثوابت- تعرض إلى الملاحقة والتحقيقات وسجن للقيادات تحت مسميات "التحريض على العنف"، و"دعم الإرهاب"، و"التماهي مع منظمات إرهابية"، وذلك سعيا لترويع وإرهاب الجماهير العربية في الداخل وعزلها عن القضية الفلسطينية وإبعادها عن القدس والأقصى.

التصدي للمخططات الإسرائيلية

وأشار إلى أن الحركة الإسلامية ومؤسساتها وقياداتها تعرضت منذ العام 1998 للملاحقة والتضييق والسجن ضمن 5 حملات مكثفة على مدار عقدين من الزمن.

وأفضت ممارسات المؤسسة الإسرائيلية إلى حظر الحركة الإسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وإغلاق 17 مؤسسة وجمعية تابعة لها، وسجن الشيخ صلاح في مارس/آذار 2020 لمدة 17 شهرا، فيما اعتقل الشيخ الخطيب في مايو/أيار الجاري، ويحاكم بذريعة "دعم الإرهاب".

وعن خلفية الملاحقة الإسرائيلية للمشروع الإسلامي وحظره، يقول إغبارية إن "عام 1996 كانت المحطة الأولى من الملاحقة بعد رفضنا الانصهار بالمشروع السياسي الإسرائيلي من خلال العمل البرلماني، وتصدينا للدائرة السياسية التي تحددها المؤسسة الإسرائيلية وأذرع مخابراتها".

وعليه، يقول إغبارية "نواصل دفع الثمن عن التمسك بالثوابت والتصدي للمخططات الإسرائيلية، ورغم ذلك سنواصل مسيرتنا من أجل القدس والأقصى والمشروع الإسلامي، حيث لن تردعنا الاعتقالات ولن يرهبنا القمع والملاحقات ولن تثنينا المحاكمات، وسيبقى صوتنا للحق عاليا رغم سياسة تكميم الأفواه".

مواجهات في الضفة الغربية بين فلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي (الأوروبية)

هبة شعبية عفوية

وأوضح إغبارية أن المؤسسة الإسرائيلية ظنت أنه بحظر الحركة الإسلامية ستحجب طرحها وخطابها وستنحرف بوصلة فلسطينيي 48 الوطنية والقومية والدينية عن القدس، لكن أتى الرد من النشء الفلسطيني في الداخل والقدس للمرة الثانية عقب هبة باب الأسباط، والذي أطلق انتفاضة باب العامود نصرة للقدس والأقصى وإسنادا لأهالي حي الشيخ جراح.

ويعتقد أن هذا الجيل -الذي يتصدى لاعتداءات عصابات المستوطنين ولممارسات المؤسسة الإسرائيلية وأطلق الهبة الشعبية العفوية- لم يعايش انتفاضة القدس والأقصى بالعام 2000، حيث ولد وترعرع ونشأ تحت الظلم الإسرائيلي والاضطهاد والتمييز والعنصرية، وأثبت مجددا لإسرائيل والعالم بأسره أن القدس والأقصى خط أحمر.

ولأن فلسطينيي 48 يؤكدون تمسكهم بالهوية الوطنية والقومية والعروبية وأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني يشكك القيادي الإسلامي إغبارية بنجاعة وجدوى الممارسات والقمع الإسرائيلي، مؤكدا أن النشء الفلسطيني سيُفشل كافة المخططات الإسرائيلية.

ويجزم أن الداخل الفلسطيني يوجد في مرحلة مفصلية تلزم كافة القيادات والأحزاب والحركات والفعاليات السياسية بصياغة مشروع وطني وحدوي، ووضع برنامج عملي يمكن من القيام بخطوات جريئة لمواجهة انتهاكات المؤسسة الإسرائيلية.

صهينة الوعي العربي

هذا الطرح الذي استعرضه إغبارية يتوافق مع مواقف المحامي خالد زبارقة من طاقم الدفاع عن الشيخ الخطيب، والذي ترافع أيضا عن الشيخ صلاح.

ويجزم زبارقة بأن المؤسسة الإسرائيلية التي لاحقت الشيخ صلاح وزجت به في السجون وسلبته حريته لدفاعه عن القدس والأقصى تكرر التجربة ذاتها مع الشيخ الخطيب الذي كان له دور ريادي في الحشد الشعبي لنصرة القدس والأقصى خلال شهر رمضان تصديا لاعتداءات واقتحامات الاحتلال الذي يصدر فشله وأزماته الداخلية على الشيخ الخطيب وفلسطينيي 48.

الشيخ كمال خطيب خلال تمديد اعتقال للمرة الرابعة بمحكمة الناصرة، حيث قدمت ضده لائحة اتهام بدعم "الإرهاب"
الشيخ كمال الخطيب في محكمة الناصرة يواجه تهمة "دعم الإرهاب" (الجزيرة)

وأكد زبارقة للجزيرة نت أن اعتقال الشيخ الخطيب يندرج ضمن حملة الاعتقالات التي شنتها الشرطة الإسرائيلية في بلدات الداخل الفلسطيني والمتواصلة للأسبوع الثالث على التوالي، إذ طالت أكثر من 1900 شاب وشابة من فلسطينيي 48.

ومن ضمن المعتقلين قيادات محلية من أحزاب وأطر وفعاليات سياسية وشعبية ووطنية، وذلك في محاولة لردعهم وثنيهم عن المشاركة في الاحتجاجات المناصرة للقدس والأقصى، والفعاليات النضالية المنددة باعتداءات عصابات المستوطنين.

وأوضح المحامي أن إسرائيل ظنت بعد أن حظرت الحركة الإسلامية، ووجود أحزاب عربية أبدت استعدادا للانخراط بالمشروع السياسي الصهيوني، وكذلك التوقيع على "اتفاقيات أبراهام" والتطبيع مع أنظمة عربية وإسلامية أنها جاهزة للتغول في القدس والانقضاض على الأقصى لتنفيذ مخططاتها التهويدية في ساحات الحرم، لكنها تفاجأت من حجم الالتفاف الشعبي الفلسطيني مع القدس والأقصى وحي الشيخ جراح، وعليه تقوم في هذه المرحلة بملاحقة ومعاقبة كل من كان له دور في هذه النهضة الفكرية والانتفاضة السلمية وكل من يحمل لواء الثوابت والهوية الوطنية والدينية.

اعتقال الشيخ الخطيب ومحاكمته على تغريدات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي -يقول زبارقة- يؤكدان أن إسرائيل تعتبر الشيخ الخطيب -الذي يحمل لواء الثوابت والهوية- عائقا أمام محاولات المؤسسة الإسرائيلية احتلال الوعي العربي والرواية والفلسطينية.

وتابع "وعليه رأت إسرائيل في الشيخ الخطيب وغيره ممن يتصدون للقمع والاعتداءات والممارسات العنصرية والاضطهادية خطرا على مشاريعها ومخططاتها لصهينة الوعي والعقل العربي، بحيث يتم توظيف القانون الإسرائيلي كأداة للقمع الفكري والديني وسلب الحريات والحقوق".

المصدر : الجزيرة