بوصلتهم القدس والأقصى.. هكذا يعزز العدوان الإسرائيلي الهوية الوطنية لفلسطينيي 48

الاحتجاجات بالداخل الفلسطيني وإسنادهم للقدس والتضامن مع أهالي الشيخ جراح، هي الرد على كل من اعتقد بوجود قوى سياسية عربية من الداخل داعمة ومساندة ومؤيدة لأي حكومة إسرائيلية، فالهبة الشعبية بددت الوهم بأن فلسطينيي 48 يمكن أن يتأسرلوا

مسيرة احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ببلدة جلجولية في المثلث (الجزيرة)

في الطريق إلى المسجد الكبير والكنيسة المجاورة له في مدينة اللد بالداخل الفلسطيني، استشهد الشاب موسى حسونة (31 عاما)، برصاص مستوطن، خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة نصرة للقدس والأقصى، ورفضا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

في اللد، استذكرت مشاهد 73 عاما من النكبة التي تجلت فصولها باستشهاد حسونة على طريق المسجد الكبير، حيث ارتكبت العصابات الصهيونية بمثل هذه الفترة من عام 1948، مجزرة بحق السكان، ووصل عدد الضحايا من المدينة إلى 250 قتيلا.

بين وقع القمع وصوت الرصاص في موقع استشهاد الشاب حسونة يعاد للذاكرة مجددا توطين المستوطنين اليهود ممن تم إخلاؤهم من مستوطنات "غلاف غزة" بموجب خطة فك الارتباط من عام 2005، حيث تم توطين آلاف منهم في الأحياء العربية في يافا، واللد والرملة، علما أن جميعهم يحملون أجندة توراتية ودينية متطرفة، تغذي وتربي الأجيال اليهودية لقتل العرب.

استشهاد حسونة أشعل اللد والعشرات من بلدات الداخل بمواجهات ليلية مع قوات الشرطة الإسرائيلية، التي قمعت أي تجمهر وحركات شعبية مناصرة للقدس وداعمة للشيخ جراح ومنددة بالعدوان العسكري على قطاع غزة، فالداخل الفلسطيني يعتبر الرئة التي تتنفس بها القدس التي عزلت عن امتدادها في الضفة.

حواجز على شارع مؤد للقدس تمنع مركبات فلسطينيي 48 من التوجه للأقصى (الجزيرة)

ضمائر ومشاعر

يقول المحامي والمختص بشؤون القدس خالد زبارقة، إن المعادلة الأساس لقراءة مشهد الاحتجاجات والحراك الشعبي، أن المجتمع العربي بالداخل جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، يفرح لفرحه ويتألم لألمه.

ويعتقد زبارقة، وهو من سكان مدينة اللد التي استشهد ابنها موسى حسونة، برصاص مستوطن، أن "الظلم الذي مارسته إسرائيل بمختلف أذرعها والتحدي الكبير لمشاعر المسلمين في رمضان أيقظ الضمائر والوعي وحرّك المشاعر وعزز من الهوية الوطنية والدينية لدى نفوس الشباب".

وبالتالي يجزم زبارقة في حديثه للجزيرة نت، بأن التضامن مع الكل الفلسطيني من خلال الاعتصام بباب العامود، والشيخ جراح، والنفير للقدس، والاعتكاف والرباط بالأقصى، بمثابة ردة فعل طبيعية للداخل الفلسطيني، الذي بقي وجدانه متعلقا بقضاياه المصيرية، إذ يلتحم مع ذاته برفضه للظلم الذي حاولت إسرائيل فرضه على الشعب الفلسطيني.

ويؤكد زبارقة "دورنا كفلسطينيي الداخل، دور في غاية الأهمية لنصرة القدس والأقصى، بسبب القدرة على التحرك الأسرع والأوسع، والدور والزخم الشعبي والبشري، والقدرة على دعم أهلنا بالقدس، بحيث إن انتماءنا وهويتنا مربوطة بالقدس والأقصى، وهو الخطاب الذي تبنته الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح المحظورة إسرائيليا".

فلسطينيو 48 يتدفقون على المسجد الأقصى رغم إجراءات الاحتلال المعيقة للوصول للقدس (الجزيرة)

الهوية والوعي

ويشير المحامي المختص بقضايا القدس إلى أنه في الآونة الأخيرة شهد الداخل الفلسطيني حركات جماهيرية وشعبية متدرجة في غالبية البلدات العربية، رفضا لظلم وتمييز وعنصرية المؤسسة الإسرائيلية، وأن "هذه الأحداث تؤسس إلى مرحلة جديدة ومحطة فارقة في نضال فلسطينيي 48".

وعلى الرغم من هذه الظروف، يستبعد زبارقة أن تشعل هذه الأحداث انتفاضة ثالثة، مؤكدا أن الحديث يدور عن هبة شعبية عفوية نيابة عن الكل الفلسطيني، وقد تتطور مستقبلا لتكون انتفاضة شعبية رفضا للظلم وسلب الحقوق.

وضمن سياسات العبث بالوعي والكينونة الفلسطينية التي بها قضايا وملفات جامعة، استشهد زبارقة بالدورات الانتخابية الأربع للكنيست بالعامين الماضيين، قائلا "هذه الانتخابات لم تكن عادية، بل هي مشروع أسرلة وصهر الوعي، وعليه هذه المظاهرات والحركات الشعبية أتت لتؤكد أن الداخل الفلسطيني لم ولن يقتنع بالأسرلة بل ويرفضها ويتمسك بهويته الفلسطينية العروبية والوطنية والدينية".

اعتقالات واسعة في أوساط فلسطينيي 48 خلال الاحتجاجات ببلدات الداخل الفلسطيني (الجزيرة)

انتفاضة ومقاومة

الطرح ذاته يتبناه، الباحث السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، الذي قال إن "ما يحصل من حراك شعبي واحتجاجات ومسيرات تضامنية، يؤكد أن ما حصل بالفترة الأخيرة بالحلبة السياسية التي تميزت بنوع من الغزل السياسي بين الأحزاب اليهودية والأحزاب العربية، كانت حالة مؤقتة، وكان من المتوقع أن تنتهي عند الإطاحة برئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو".

ويقول شلحت للجزيرة نت، حالة الغزل السياسي تبددت بالاحتجاجات التي شهدتها بلدات الداخل والقدس وحي الشيخ جراح، "فلم يكن بالأفق أي حديث عن هبة شعبية أو مقاومة فلسطينية، وذلك بسبب جائحة كورونا والأوضاع الإقليمية، ولم يتوقع أحد أن تحصل الهبة الشعبية الفلسطينية".

وقفة تضامنية لنصرة القدس والأقصى بمدخل مدينة طمرة بالجليل (الجزيرة)

ويشير إلى أن الهبات الشعبية بالداخل المساندة للقدس والمتضامنة مع أهالي الشيخ جراح، تؤكد أن القضية الفلسطينية تبقى الجوهر للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، عندما يتم الاعتداء عليه وتعرضه للظلم وتدنيس رموزه المقدسة.

ويوضح شلحت أن الاحتجاجات بالداخل الفلسطيني وإسنادهم للقدس والتضامن مع أهالي الشيخ جراح، هي الرد على كل من اعتقد بوجود قوى سياسية عربية من الداخل داعمة ومساندة ومؤيدة لأي حكومة إسرائيلية، فالهبة الشعبية بددت الوهم بأن فلسطينيي 48 يمكن أن يتأسرلوا بل إن ارتباطهم بالقضية الفلسطينية عضوي، كما أن هويتهم الوطنية والفلسطينية والقومية، لا يمكن أن تكون موضع شك تحت أي ظرف كان.

المصدر : الجزيرة