قمة بوتين بايدن.. من التفاؤل الحذر إلى هستيريا ما قبل الحرب

U.S. President Joe Biden holds secure video call with Russia's President Vladimir Putin from the White House in Washington
قمة بايدن وبوتين عبر تقنية الاتصال المرئي تناولت قضايا عدة أبرزها أوكرانيا (رويترز)

واشنطن/موسكو- لأكثر من ساعتين استمر اللقاء الافتراضي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، والذي تناول الوضع حول أوكرانيا وتحرك حلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقا والاستقرار الإستراتيجي والقضايا الثنائية، بالإضافة إلى ملف الأمن الإقليمي، بما في ذلك الوضع في أفغانستان.

ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن بوتين قوله إن المحادثات مع بايدن أول أمس الثلاثاء كانت بنّاءة ومفتوحة وإيجابية، معربا عن أمله في أن يكون لدى الجانب الأميركي التقييم ذاته.

وانقسم الخبراء الروس والأميركيون في تقييم نتائج القمة، إلا أنهم اتفقوا على أن نجاحها أو إخفاقها يتوقف على ما تشهده الأسابيع القادمة من تحركات وتطورات على طول الحدود الروسية الأوكرانية.

واقعية بدون انسجام

اعتبر المحلل السياسي الروسي بوريس ميزخوف أن محادثات بوتين-بايدن أظهرت أن كليهما سياسي واقعي يدرك مسؤوليته عن الوضع الأمني في العالم، وفي عدم إغراق أوروبا في صراع عسكري، لكن لم يكن هناك "تناغم" بينهما.

ويوضح ميزخوف أنه "كان من المرجح أن تُظهر المحادثات عمق الخلافات أكثر من الكشف عن أرضية مشتركة لمقاربة الأزمة الأوكرانية. فالنزاع القائم بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا ذهب بهما إلى مدى بعيد من التشدد، بحيث لن يكون من السهولة على أي من الطرفين الانحراف عن وجهة نظره".

في حين اعتبر دانيال باير زميل برنامج الدراسات الأوروبية بمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي -في حديث مع الجزيرة نت- أنه "من السهل تصنيف القمة على أنها دبلوماسية ذكية وجيدة التنفيذ من قبل الرئيس بايدن. فقد نسق مع الحلفاء والشركاء الرئيسيين بما في ذلك أوكرانيا قبل وبعد القمة، وأدلى ببيان واضح مفاده أن الولايات المتحدة وحلفاءها متحدون في انزعاجهم من احتمال غزو روسي جديد، وعرض تجديد المشاركة الدبلوماسية باعتبارها عاملا غير حاسم حتى في الوقت الذي وجه فيه رسالة حول العواقب المحتملة الخطيرة".

في نفس الوقت، يلفت المحلل الروسي إلى أن تأكيد روسيا على أنها تنقل قواتها داخل أراضيها وليس بهدف تهديد أحد من شأنه أن يعطي التهديدات الموجة إليها صفة "الديماغوجية" على الطريقة الأميركية، إذ لا يعتبر تحرك القوات الروسية ضمن حدودها مبررا لدخول دول جديدة إلى الناتو، أو للاتهامات بالتحضير لعمل عسكري ضد أوكرانيا.

تفاؤل حذر

من جانبه، اعتبر ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي أن من غير المرجح أن تصبح تفاصيل المحادثة بين الرئيسين مكشوفة تماما لعامة الناس إلا أن تبادل "الرسائل" التي ظهر في الحديث بين الزعيمين يبعث على الأمل في أن تهدأ التوترات وتتراجع الحملة السياسية والإعلامية الغربية المعادية لروسيا.

في حين اعتبر أندرو لوسين خبير الشؤون الخارجية بمركز السياسات والإستراتيجية بواشنطن -في حديث مع الجزيرة نت- أن الرئيس بوتين يطالب بإعادة ضبط حدود النظام الأمني الأوروبي بحيث يحترم الغرب مناطق نفوذ روسيا على طول حدودها. ومن خلال تصعيد المخاوف من الغزو، تمكن بوتين من إجبار الولايات المتحدة وحلف الناتو على رفع تكلفة السلام والاستقرار في أوروبا. وتعتمد روسيا على التهديد الموثوق بالغزو للإشارة إلى المدى الذي ترغب في الذهاب إليه لتحقيق مصالحها الإستراتيجية.

ومع عدم الإعلان -سواء من جانب البيت الأبيض أو الكرملين- عن نتائج مباشرة للقمة، أشار باير إلى عدم معرفة الدوائر الأميركية أو الغربية "بكيفية عمل دماغ الرئيس بوتين أو حساباته، لكن من الواضح أن واشنطن وحلفاءها لديهم القدرة على فرض عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسي وعلى الدائرة الداخلية من المقربين من الرئيس بوتين، ومن خلال ما سمعناه حتى الآن، يبدو أن بايدن نقل إلى بوتين أن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لاتخاذ خطوات تتجاوز ما تم القيام به في عام 2014".

هستيريا ما قبل الحرب

وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه في حين أن روسيا هي بالتأكيد قوة عسكرية كبرى، فمن المرجح أن تتكبد قواتها خسائر كبيرة في الأرواح إذا قامت بعمل عسكري حقيقي على الأرض. وفي حديث مع الجزيرة نت، قال ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد "بروكينغز" (Brookings) إنه "سيكون هناك الكثير من الدماء الروسية وليس فقط الدم الأوكراني إذا قرر بوتين اتخاذ القرار المؤسف بغزو شرق أوكرانيا، وأتصور أن أمهات الجنود الروس القتلى بلا داع تعد عاملا مهما داخل روسيا، ويدخل في حسابات بوتين".

من جهة أخرى، أشار رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي إلى أن ما وصفها بـ"هستيريا ما قبل الحرب الأوكرانية" جاءت بعد إخفاق الولايات المتحدة في أفغانستان، وحاجة بايدن "الماسة" بعد ذلك إلى رفع شعبيته كقائد منع نشوب حرب جديدة، لم تكن موسكو تنوي بالتأكيد أن تبدأ بها.

واعتبر بايفر أن الرئيس جو بايدن قام بما يجب القيام به، و"حدد التكاليف التي ستقع على عاتق موسكو إذا هاجم الجيش الروسي أوكرانيا، كما عرض حلا دبلوماسيا لنزع فتيل الأزمة، ونحن بحاجة لنرى كيف يستجيب الروس". وقال بايفر "هناك أمران يجب مراقبتهما؛ هل يخفف الكرملين من حدة الخطاب شديد العدائية الذي تبناه خلال الأيام الأخيرة؟ والأهم من ذلك هل تعود القوات الروسية القريبة من أوكرانيا إلى مواقعها السابقة"؟.

في حين خلص سلوتسكي إلى أنه على الرغم من أن نتائج القمة تعطي بشكل عام أسبابا للتفاؤل الحذر، فإنه لا أحد يتوقع حصول معجزات، فالكثير من التناقضات الحادة بين البلدين تراكمت لفترة طويلة جدا.

إلا أن ستيف بايفر يشير إلى أن واشنطن تأمل "أن تقنع وسائل الضغط الأميركية الرئيس بوتين -الذي ربما لم يقرر بعد ما سيفعله- بأن تكاليف العمل العسكري مرتفعة للغاية".

المصدر : الجزيرة