في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. أي فاعلية لحراك القانونيين الدوليين؟

جانب من المؤتمر الذي عقد عن بعد بعنوان "فلسطين والقانون الدولي.. الفاعلية والأفق" (الجزيرة)

إسطنبول- أحيا العالم أول أمس الاثنين اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والذي يتزامن مع الذكرى الـ74 لإصدار الأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 قرارا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية.

وبهذه المناسبة عقدت منظمة "القانون من أجل فلسطين" -ومقرها جنيف- مؤتمرا دوليا إلكترونيا بعنوان "فلسطين والقانون الدولي.. الفاعلية والأفق" بالشراكة مع كل من جامعة بيرزيت والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وكلتاهما في فلسطين.

وناقش المجتمعون في المؤتمر -الذي شهد حضورا وجاهيا مكثفا في الجامعات الفلسطينية- مسار القضية الفلسطينية في أدبيات القانوني الدولي، وفي المسار العملي الذي خطته فلسطين منذ انضمام منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة عام 1947، وصولا إلى ترقية وضعها لدولة مراقب غير عضو في المنظمة الأممية، وانتهاء بمسار رفع قضايا لدى المحكمة الجنائية الدولية.

وشارك في المؤتمر عدد كبير من الشخصيات القانونية والدبلوماسية التي عملت في مجال القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، ومن بينها مجموعة من المقررين الخواص للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية، ومنهم جون دوغارد، وريتشارد فولك، ومايكل لينك.

والتقت الجزيرة نت عددا من الحقوقيين وخبراء القانون الدولي المشاركين المؤتمر للحديث عن واقع القضية الفلسطينية وآفاقها في ظل المتغيرات السياسية محليا وإقليميا، وطرحت عليهم الأسئلة التالية:

لماذا العمل القانوني والتضامني الدولي مع القضية الفلسطينية مهم؟ وهل له تأثير؟

يقول إحسان عادل مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين إنه على الرغم من كل المآخذ والانتقادات على القانون الدولي وعلاقة الأمم المتحدة أساسا بمشكلة فلسطين فإن تلك المنظومة أثبتت في الواقع نجاعتها في العديد من الحالات وإن كانت بالطبع ليست كافية على الإطلاق ولا تتوافق مع المسؤولية القانونية والأخلاقية المنوطة بهذه المنظومة.

عادل: منذ العام 2000 حصلت انتصارات عديدة لفلسطين عبر منظومة القانون الدولي رغم المآخذ على هذا القانون (الجزيرة)

ويضيف عادل أنه على أرض الواقع استطاعت منظمة التحرير الانضواء ضمن مظلة الأمم المتحدة، في وقت كانت فيه المنظمة لا تزال تتبنى الكفاح المسلح في كل أدبياتها، ومكّن توجه الأمم المتحدة لمحاربة الاستعمار -خصوصا في سبعينيات القرن الماضي- منظمة التحرير من التمدد وتعزيز حضورها، وبالتالي حضور فلسطين كقضية شعب يسعى للتحرر.

ومنذ العام 2000 حصلت انتصارات عديدة لفلسطين عبر منظومة القانون الدولي، كحكم محكمة العدل الدولية ضد جدار الفصل الإسرائيلي، وترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة إلى دولة مراقب غير عضو، الأمر الذي مكنها من الانضمام إلى مئات الاتفاقيات، وعلى رأسها الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والتي أدت ولا تزال إلى حدوث أزمة كبرى بالنسبة للعديد من دول الغرب، والتي لا ترغب برؤية فلسطين تقاضي مسؤولين إسرائيليين في المحكمة.

فضلا عن ذلك، نالت قضية فلسطين العدالة على مستويات قضائية إقليمية ومحلية، كقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان برفض تجريم حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس" (BDS)، وقرار المحكمة عينها بخصوص بضائع المستوطنات الإسرائيلية، وغيرهما.

من ناحية أخرى، تكمن مشكلة عدم فاعلية القانون الدولي -كما يؤمل- لنواحٍ ذاتية متعلقة بالقانون نفسه من جهة، باعتباره وضع بشكل أساسي من قبل الدول الأقوى في العالم، مما يمكنها من الاستمرار في الهيمنة، ولأسباب متعلقة بالفلسطينيين أنفسهم من ناحية أخرى، حيث لا يزال التعامل مع القانون الدولي وأدواته موسميا لا إستراتيجيا، وغالبا محل اجتهادات فردية وليس جهدا جماعيا منظما.

ولذلك فالمطلوب -حسب إحسان عادل- هو وجود عمل قانوني منظم من أجل العدالة في فلسطين، للاستفادة من كل الطاقات في العالم ومراكمة التجربة والبناء عليها، وهذا ما يسعى إليه مؤتمر "فلسطين والقانون الدولي.. الفاعلية والأفق"، إذ يمثل فرصة ممتازة من أجل التفاكر والنهوض والقيام بدور محوري ومنظم وواع من أجل العدالة في فلسطين، والتشبيك مع كل المهتمين لخلق قاعدة لاستنهاض الطاقات، وتوجيهها لخدمة القضية والإنسان والعدالة في هذا العالم انطلاقا من القانون الدولي.

وإذا كان القانون الدولي في نظر البعض لا يُحدث نتائج ملموسة فهو على الأقل -وهو قطعا أكثر من هذا الأقل- يجلب حالة تضامن وتعاطف دوليين، ويحدث أزمة شرعية لأفعال المحتل الإسرائيلي، وهو ما تتكأ عليه حركات وحراكات عالمية -مثل حركة مقاطعة إسرائيل- من أجل تعزيز دعوتها إلى مقاطعة الاحتلال، لإحداث ضغط حقيقي يغير الوقائع على الأرض.

ما هو المطلوب من أنصار القضية الفلسطينية في البعد القانوني لدفع القضية إلى واجهة الاهتمام الفاعل دوليا؟

ترى مسؤولة برنامج القضية الفلسطينية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية فرانشيسكا ألبانيز أن المطلوب هو من المجتمع الدولي ككل، وليس فقط من مؤيدي القضية الفلسطينية.

وتضيف أن معالجة الواقع في فلسطين تعني أولا وقبل كل شيء التراجع عن النموذج الاستعماري الاستيطاني الذي عفا عليه الزمن وغير المبرر، والذي تحول من خلال ممارسات الاحتلال الذي طال أمده في التاريخ الحديث إلى شكل صارم من أشكال الفصل العنصري واضطهاد الناس وحتى المدافعين عنهم، وفي الوقت نفسه سلب أراضيهم ومواردهم.

ألبانيز: بجب أن يوظف المحامون الأطر القانونية وإطار حقوق الإنسان لمناصرة القضية الفلسطينية (الجزيرة)

وتقول ألبانيز إنه ينبغي أن يكون القانون الدولي هو الأساس لفضح هذا الواقع الاحتلالي، ومعالجته في المحاكم وفي المنتديات الدولية، وفي المجال الدبلوماسي، وكذلك في المجال الخاص.

وعلى مستوى الجهد العلمي لأنصار القضية الفلسطينية يجب أن يوظف المحامون الأطر القانونية للاستيطان والفصل العنصري جنبا إلى جنب مع إطار حقوق الإنسان بالطبع في عملهم، سواء في الأوساط الأكاديمية أو في المحاكم.

ويجب على أولئك الذين يعملون في المحاكم في الغرب وحيثما توجد ولاية قضائية ذات صلة التفكير في رفع قضايا ضد مهندسي الوضع غير القانوني في فلسطين والمسؤولين عنه، بمن في ذلك المستوطنون.

وتنبه المتحدثة نفسها إلى أنه يتوجب على أولئك الذين يعملون في مجال المناصرة أن يركزوا وبقوة على المساءلة، وتطبيق التدابير العقابية التي يسمح بها القانون الدولي، كالتدابير الدبلوماسية والتجارية إلى العقوبات الأكثر شمولا.

ويجب على جميع المحامين في العالم التأكد من أن زملاءهم الذين يعملون كمدافعين عن حقوق الإنسان في فلسطين لا يتم استهدافهم ومحاربتهم بسبب مدافعتهم عن العدالة في فلسطين.

وعلى العاملين في الدول العربية الكشف عن خطر التطبيع مع إسرائيل، وضرورة حماية الفلسطينيين الذين تجعلهم أوضاعهم غير المستقرة معرضين للخطر في الدول العربية على وجه الخصوص.

وأخيرا، يجب على أولئك الذين يعملون مع هيئات الهجرة في الغرب التأكد من أن الفلسطينيين الهاربين من الشرق الأوسط يتمتعون بالحماية الكافية بصفتهم لاجئين أولا وقبل كل شيء، وبصفتهم أشخاص لا يزالون محرومين من حقهم في تقرير المصير.

إلى أي حد لا تزال القضية الفلسطينية مركزية أو محط اهتمام في العالم؟ وما هي انعكاسات ذلك على سعي الفلسطينيين لنيل الحرية والعدالة؟

يعتقد أرضي إمسيس أستاذ القانون المساعد بجامعة كوينز وعضو لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن الحرب في اليمن (2019-2021) ورئيس التحرير السابق للكتاب السنوي لفلسطين والقانون الدولي أن فلسطين لا تزال موضع اهتمام كبير من قبل المجتمع الدولي، ولا تزال الأمم المتحدة تؤكد "مسؤوليتها الدائمة عن قضية فلسطين حتى يتم حلها من جميع جوانبها وفقا للقانون الدولي".

إمسيس: من الخطأ الاعتقاد بأن قلق المجتمع الدولي وحده يمكن أن يوفر الحرية لفلسطين (الجزيرة)

واستدل إمسيس على أن فلسطين لا تزال مصدر قلق مركزي للمجتمع الدولي بصدور العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، والآلية التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان للتحقيق، والرأي القضائي لمحكمة العدل الدولية، والتحقيق الجاري من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

غير أن الأكاديمي يلفت الانتباه إلى أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذا القلق وهذه المؤسسات يمكن أن يوفرا الحرية لفلسطين بمفردها، بل يجب على المجتمع المدني العالمي أن يواصل تسليط الضوء على محنة فلسطين بهدف تهيئة الظروف للتغيير السياسي الهادف، وبما يتماشى مع القانون والعدالة الدوليين.

ما هي سيناريوهات مستقبل القضية في المستقبل القريب؟

يذهب علاء الترتير -وهو محلل سياسات في شبكة السياسات الفلسطينية- إلى أنه "في ظل تكلس النظام السياسي الفلسطيني وتجذر السلطوية القمعية وترسخ التشرذم الفلسطيني الداخلي، ناهيك عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري فإن استمرار ديناميات الوضع القائم البائس هو السيناريو الأكثر احتمالا في المستقبل القريب".

ويضيف الترتير أن الانتقال إلى سيناريوهات مستقبلية أخرى يجعل الفلسطينيين أقرب إلى حريتهم وحقهم في تقرير مصيرهم، ويتطلب الانخراط بحوار وطني جاد وشامل وجامع يؤسس لمرحلة جديدة من الفكر والفعل السياسي الفلسطيني، ويسعى إلى فرز قيادة فلسطينية شرعية ديمقراطية فعالة مسؤولة ومستجيبة للجماهير وتخضع لمحاسبتها، على أن تسعى هذه الجماهير بدورها إلى خلخلة علاقات القوة القائمة والإطار العام لنظام الحوكمة السائد.

الترتير: دون إحداث تغييرات جوهرية بميزان القوى القائم في الداخل الفلسطيني فإن الوضع الراهن السيئ سيستمر (الجزيرة)

ويشدد المتحدث نفسه على أنه من دون إحداث تغييرات جوهرية بميزان القوى القائم ومن دون نهضة فلسطينية مستدامة تسعى إلى إبراز جذور الضعف الفلسطيني فإن الوضع القائم سيستمر في التجذر والترسخ، وكلما ترسخ هذا الوضع الراهن أكثر أصبحت مسيرة الحرية للفلسطينيين أقسى وأطول.

وحسب محلل السياسات في شبكة السياسات الفلسطينية، فإن قائمة الفعل والمتطلبات الاستباقية المطلوبة من الفلسطينيين طويلة ومضنية، وأي سيناريو مستقبلي مغاير لما هو قائم حاليا يتطلب بالضرورة فعلا قياديا بديلا برؤية استشرافية بعيدة الأمد وبأدوات سياسية آنية فعالة، حتى لا يجد الفلسطينيين أنفسهم مرغمين على قبول سيناريوهات مستقبلية أكثر بؤسا مما هو قائم الآن.

المصدر : الجزيرة