عادت لتحلّق قرب عسقلان.. لماذا تخشى إسرائيل الطائرات المسيّرة للمقاومة بغزة؟

خلال معركة "سيف القدس" مايو/أيار الماضي، فاجأت كتائب القسام إسرائيل بطائرة مسيّرة محلية الصنع من طراز "شهاب". واستخدمتها في قصف خزانات نفط إسرائيلية قرب مدينة أسدود، واستهداف منصة لاستخراج الغاز قبالة ساحل عسقلان. كما استهدفت بها حشودا عسكرية عند السياج الأمني المحيط بغزة.

طائرة شهاب
مقاومان فلسطينيان في أثناء تجهيز طائرة مسيّرة من طراز "شهاب" للإطلاق خلال معركة "سيف القدس" (الجزيرة)

القدس المحتلة – في الوقت الذي أرغمت فيه صواريخ المقاومة الفلسطينية الإسرائيليين على الهرب إلى الملاجئ خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، عاش جيش الاحتلال الإسرائيلي حالة من القلق جراء استخدام حركة حماس الطائرات المسيّرة لأغراض هجومية لأول مرة.

وخلال المعركة التي سُمّيت "سيف القدس" مايو/أيار 2021، فاجأت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة "حماس"- الإسرائيليين بطائرة مسيّرة محلية الصنع من طراز "شهاب". واستخدمت في قصف أهداف إسرائيلية من خزانات نفط قرب مدينة أسدود، ومنصة لاستخراج الغاز قبالة ساحل عسقلان. كما استهدفت حشودا عسكرية عند السياج الأمني قبالة غزة.

وعادت مشاهد الطائرات المسيّرة للواجهة مجددا، حين أعلن الاحتلال مؤخرا اعتراض منظومة القبة الحديدية طائرة مسيّرة لحماس فوق البحر قبالة مدينة عسقلان.

وهي الحادثة التي جددت الهواجس الإسرائيلية جراء تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية، والمخاوف من تعاظم قدرات حماس على تطوير سلاح المسيّرات واعتماده إستراتيجية للمناورة واستهدافه العمق الإسرائيلي في أي حرب مستقبلية.

5 - طائرة استطلاع أبابيل التي أطلقتها كتائب القسام ونفذت مهمتها في العمق الاسرائليي
طائرة استطلاع "أبابيل" أطلقتها كتائب القسام ونفذت مهمتها في العمق الإسرائليلي (الجزيرة)

أبابيل وشهاب

استخدمت حماس الطائرات المسيّرة لأول مرة خلال معركة "العصف المأكول" عام 2014، لكن المقاومة وضعت حجر الأساس لدخول الطائرات المسيرة رسميا في عملياتها عام 2012 وذلك بابتكار مسيّرة "أبابيل 1" الاستطلاعية، التي يُسند للمهندس نضال فرحات البدء بتصميمها عام 2003، حيث اغتاله الاحتلال مع طاقم من 5 مهندسين يُقال إنهم طوروا الطراز الأول لهذه الطائرة.

ورغم اغتيالهم، فإن المقاومة الفلسطينية طوّرت "أبابيل 2″، وهي طائرة ذات مهام هجومية. ثم طورت "أبابيل 3" ذات الميزات الهجومية والانتحارية، التي كشفت المقاومة عن أن المهندس التونسي محمد الزواري أشرف على صناعتها، وذلك بعد اغتياله على يد الموساد الإسرائيلي في تونس ديسمبر/كانون الأول 2016.

ودأبت المقاومة بغزة على استخدام المسيرات لمهام استطلاعية واستخباراتية وجمع المعلومات ورصد تحركات جيش الاحتلال والتطورات الميدانية على طول السياج الأمني الفاصل مع غزة، سواء خلال المعارك أو حتى في الأيام العادية، وهو ما مكن المقاومة من معرفة وتوثيق ما يحدث على طول قطاع غزة المحاصر.

صورة من الجو التقطتها طائرة "الزواري" المسيّرة خلال طلعات رصد واستطلاع لأهداف ومواقع إسرائيلية، وسُمّيت بهذا الاسم تيمنا بالشهيد التونسي محمد الزواري الذي أسهم في تطويرها لصالح المقاومة الفلسطينية (الجزيرة)

اختبارات جديدة

يقول الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية في غزة، رفيق أبو هاني، إن الطائرات المسيّرة التي تم تطويرها ذاتيا وبالاستعانة بأدمغة فلسطينية محلية، وأدخلت في الخدمة لأول مرة نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كانت إضافة نوعية للمقاومة خلال المعارك التي خاضتها بالعقد الأخير مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على جبهة غزة، وتجلى ذلك بمعركة "سيف القدس".

وبعد المزاعم الإسرائيلية بشأن اعتراض مسيّرة لحماس في عرض البحر مؤخرا، قال أبو هاني -للجزيرة نت- إن "مخاوف الاحتلال تتركز حول إمكانية نشاط مسيرات المقاومة في العمق الصهيوني، والهواجس من إمكانية استخدامها بمهام تفجيرية لأهداف إسرائيلية".

ويرجح الباحث أن المسيرة، التي اعترضها الاحتلال قبالة بحر غزة قبل أيام، كانت في مهام تجريبية تقوم بها المقاومة لتحديث وتطوير مسيّرة من طراز معين، واختبار مدى فعاليتها وقدرتها على التحليق واختراق المجال الجوي، وأيضا قدرتها التفجيرية.

ويعتقد أن المقاومة ماضية في تطوير وتحديث ترسانتها العسكرية وسلاح الطائرات المسيرة، مؤكدا أن حماس مستمرة بالاستعانة بخبرات وقدرات تقنية وهندسية محلية في تطوير المسيرات بالتوازي مع توسيع القدرة الصاروخية للمقاومة.

استهداف من دون خسائر

وعن أهمية هذه الطائرات المسيرة، يقول الباحث من غزة إن "لديها ميزات التحليق العالي بشكل كبير وفعال لعشرات الكيلومترات بالعمق الإسرائيلي، وهذا ما تخشاه تل أبيب".

كما أن الطائرات المسيرة تمنح المقاومة -حسب ما يضيف- القدرة على المناورة خلال المعركة، وكذلك على القصف والضرب بالعمق الإسرائيلي، واستهداف منشآت ومواقع أمنية وعسكرية وحاويات النفط والغاز في الجنوب، من دون الاعتماد فقط على الأنفاق الهجومية التي يستهدفها الاحتلال ويفجرها.

ويعتقد الباحث أن المقاومة تتطلع لتحويل المسيّرات من تكتيك إلى إستراتيجية جوهرية في ترسانتها، لتكون بمنزلة آليات حيوية ذات فاعلية كبيرة بالمناورة بدون الاستعانة بقدرات بشرية كبيرة وتعريض عناصر المقاومة للخطر والاستهداف، مثلما كان في شبكة الأنفاق.

هل هي طائرة إيرانية؟

وتزعم إسرائيل أن الطائرة المسيرة التي تم اعتراضها مؤخرا "إيرانية"، ويقول الاحتلال إن إيران ماضية بالتموضع العسكري في غزة.

لكن الباحث الفلسطيني أبو هاني يقول إن "إسرائيل تتعمد إقحام إيران بموضوع المقاومة في غزة؛ بهدف حرف الأنظار عن المسار الجوهري للصراع"، معتقدا أن "تل أبيب -من خلال التهويل واستعمال الفزاعة الإيرانية- تسعى إلى شرعنة شن حرب أكثر ضراوة على غزة، وإحداث شرخ بين المقاومة الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية المختلفة مع إيران".

ويقول الباحث إن حركة حماس لم تتوقف عن تطوير قدراتها العسكرية بمختلف المجالات، واعتمدت إستراتيجية التصنيع الذاتي، وليس من جهات خارج الحدود الفلسطينية، إلا في الجانب التقني واللوجستي.

طائرات "شهاب" محلية الصنع التي أدخلتها كتائب القسام الخدمة خلال معركة سيف القدس (الجزيرة)

تحدي أنظمة الدفاع الإسرائيلية

وفي الجانب الإسرائيلي، حيث تتسع الهواجس من مسيّرات المقاومة، تعتقد الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ليران أنتيبي، وهي مشرفة على برنامج "التقنيات المتقدمة والأمن القومي"، أن "الحملة" العسكرية الأخيرة على قطاع غزة شكلت محطة فارقة بكل ما يتعلق بسلاح الطائرات المسيرة الذي بحوزة حماس.

وتقول أنتيبي إن التطوير المتواصل للطائرات المسيرة في غزة وضع إسرائيل "أمام تحديات أمنية متعددة قبالة إستراتيجية الفصائل باستهداف العمق الإسرائيلي، عبر استخدام عدد كبير من المعدات والآليات العسكرية في الوقت ذاته، وهو ما سيحسّن قدرتها على تحدي أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية".

وبحسب الباحثة، ففي الحرب الأخيرة، ظهر تعاظم القدرة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، حيث حاولت حماس ضرب العمق الإسرائيلي بطائرات مسيرة مزودة بمتفجرات، أحبطها الجيش الإسرائيلي من الناحية الفنية، لكنه لم يمنعها.

جهوزية غير كافية

وترى الباحثة الإسرائيلية أن استخدام حماس لمسيرات المتفجرة خلال الحرب الأخيرة يؤكد أنها شهدت تطورا غير مسبوق، وهو ما يؤرق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تتطلع لتزويد جيشها بمنظومات تكنولوجية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاعتراض المسيّرات.

وحسب أنتيبي، اعترض الاحتلال خلال الحرب الأخيرة 4 طائرات مسيرة متفجرة اخترقت الأجواء وعبرت العمق الإسرائيلي. كما اعترض أخرى بوسائل سرية، في حين عثر على مسيّرات متفجرة تم تفكيكها على طول السياج الأمني بالجانب الإسرائيلي.

تقول الباحثة إن تقنيات الطائرات المسيرة أصبحت في متناول "المنظمات الإرهابية والمليشيات" وحتى جيوش الدول غير القوية عسكريا وتكنولوجيا. و"يرجع ذلك جزئيا إلى تكلفتها البسيطة وسهولة تشغيلها، ودخول جهات تصنيع جديدة إلى الساحة، بما في ذلك إيران، التي تزود بعض المنظمات بمثل هذه التقنيات".

لكن أنتيبي تعتقد أن جهوزية الجيش الإسرائيلي وتحديث التعديلات -التي تسمح باعتراض الطائرات المسيرة باستخدام نظام القبة الحديدية- غير كافية.

المصدر : الجزيرة