بعد موافقة مشروطة.. هل انحرف الرئيس التونسي بمبادرة "الحوار الوطني"؟

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد أعلن قبوله "المشروط" رعاية مبادرة للحوار الوطني كان قد تقدم بها اتحاد الشغل (الجزيرة)

بعد صمت استمر نحو شهر أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أخيرا قبوله "المشروط" رعاية مبادرة للحوار الوطني كان قد تقدم بها اتحاد الشغل، بهدف إخراج البلاد من أزمتها الاجتماعية والسياسية.

ويرى مراقبون أن وضع قيس سعيد شروطا للحوار سلفا خلق بدوره أزمة جديدة، وضاعف منسوب الشك بين الأطراف المعنية بهذا الحوار، وتساؤلات عن النوايا الحقيقية للرئيس خشية انحرافه بالمبادرة خدمة لمشروعه السياسي.

إشراك الشباب

وكان الرئيس سعيد قد عبّر منذ أيام في أثناء استقباله الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، عن "قبوله إجراء حوار لتصحيح مسار الثورة التي تم الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ 10 سنوات"، حسب نص البيان.

وأكد في السياق ذاته "وجوب إشراك ممثلين عن الشباب من كل جهات الجمهورية في هذا الحوار، وفق معايير تُحدّد لاحقا".

ولا يبدي القيادي بحركة النهضة محمد بن سالم أي مانع تجاه دعوة سعيد لإشراك الشباب في مسار الحوار الوطني، لكنه عبّر بالمقابل -في حديثه للجزيرة نت- عن حيرته إزاء فئة الشباب المستهدف، وإن كانوا فقط ممن دعموه في الانتخابات.

وحثّ بن سالم الرئيس على ضرورة "إشراك الفئات الشبابية كافة بجميع خلفياتها السياسية والمدنية، بعيدا عن منطق الانتقاء والإقصاء بوصفه رئيسا لكل التونسيين وليس لشقّ بعينه".

ولا يخفي الرئيس قيس سعيد منذ حملته الانتخابية الرئاسية رفضه المنظومة السياسية والحزبية، محملا إياها مسؤولية الأزمات التي تعيشها البلاد، مقابل تبنّيه مشروع "الحكم المحلي"، وتثمين دور "التنسيقيات الجهوية" التي يقودها الشباب والتي اضطلعت بدور مفصلي في وصوله إلى سدة الحكم.

شرط الغنوشي

وعلى الرغم من ترحيب رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، بقبول رئيس الجمهورية مبادرة الحوار وإشراك الشباب فيها، فإنه شدد أثناء لقائه أمين عام اتحاد الشغل على "ضرورة أن يكون ذلك ضمن هياكل ومنظمات ناشطة وفاعلة على الساحة على غرار هياكل الشباب الطلابي".

وذهب الباحث في القانون الدستوري، رابح خرايفي، إلى القول -في حديثه للجزيرة نت- إن اشتراط الرئيس قيس سعيد مشاركة الشباب في الحوار الوطني وربطها بتحقيق أهداف الثورة يُعد "انحرافا واضحا بمبادرة اتحاد الشغل".

انحراف بالحوار الوطني

وأشار إلى أن شرط سعيد إشراك الشباب في الحوار الوطني يخفي رغبة ضمنية في مكافأة شباب الجهات الداخلية، والتنسيقيات المحلية التي أسهمت في وصوله إلى سدة الحكم، ولا تزال تدين له بالولاء.

ولفت بالمقابل إلى أن ردّ الغنوشي لم يتأخر حين اقترح بدوره إشراك المنظمات الطلابية "في إشارة ضمنية إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة، المحسوب على حركة النهضة"، وفق قوله.

ورأى الخرايفي أن شرط الرئيس أقرب إلى التعجيز منه إلى الرغبة الحقيقية في إدارة حوار وطني حقيقي، وأنه وضع منظمة اتحاد الشغل صاحبة المبادرة في موقف محرج.

إحراج اتحاد الشغل

ورفض الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل، سامي الطاهري، التعليق على موقف رئيس الجمهورية من مبادرة المنظمة الشغيلة، والشروط التي وضعها، مؤكدا -في حديثه للجزيرة نت- أن المكتب التنفيذي سيجتمع الأسبوع الحالي ويحدّد موقفه.

وثمّن القيادي بحركة الشعب أسامة عويدات -في تصريح إعلامي- قبول رئيس الجمهورية رعاية الحوار الوطني وإشراك الشباب فيه، لكنه تساءل عن الآليات التي سيُعتمد عليها في اختيار هذه الفئة، وعن عامل الوقت في ظل وضع محتقن لا يقبل الانتظار.

ورأى المحلل السياسي بولبابة سالم -في تصريح للجزيرة نت- أن الرئيس قيس سعيد قام بتعويم مبادرة اتحاد الشغل حين اشترط إشراك الشباب من دون تحديد معايير الاختيار.

وذكر أن شرط الرئيس بعد صمت استمر أسابيع قد يكون صادما للمنظمة الشغيلة التي وضعت بدورها معايير وشروطا منذ عرضها المبادرة على الرئيس.

يشار إلى أن مبادرة اتحاد الشغل تضمّنت أطروحات سياسية واقتصادية للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، ومن أهم بنودها إرساء "هيئة حكماء" من مختلف الاختصاصات تقودها شخصيات وطنية مستقلّة، وتوكل لها مهمة إدارة الحوار.

المصدر : الجزيرة