الانتخابات الأميركية.. مواجهة بين ترامب والديمقراطيين بسبب "تسييس" التصويت عبر البريد

Demonstrators march to the condo of Postmaster General Louis DeJoy, to protest against changes in the postal service, in Washington
مظاهرة خرجت قبل يومين بواشنطن ضد التغييرات في خدمة البرد، والتي يخشون أن تؤثر على التصويت في الانتخابات المقبلة (رويترز)

تشهد الولايات المتحدة جدلا محتدما حول الاقتراع بالبريد المقرر اللجوء إليه على نطاق واسع للحد من أخطار تفشي فيروس كورونا في مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية القادمة والتشريعية، لكن الرئيس دونالد ترامب يعترض على هذا الطرح.

ويرى ترامب أن "التصويت عبر البريد أثبت فشله في عدد من الولايات، بعضها مزور، ويريد الديمقراطيون الاستفادة من كوفيد-19 لتمرير الانتخابات عبر البريد".

ودفع ذلك رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أمس الأحد إلى دعوة أعضاء المجلس إلى قطع عطلتهم الصيفية والعودة خلال أيام إلى واشنطن لعقد جلسة للتصويت على مشروع قرار يهدف إلى حماية خدمة البريد.

وقالت بيلوسي في خطاب لها نشرته على تويتر إن مشروع القرار يمنع إدارة خدمة البريد من تنفيذ تغييرات تمس الخدمات التي كانت سارية مع بداية هذا العام.

وأوضحت أن قرارها يأتي بعد الحملة التي يقوم بها ترامب "لتخريب" الانتخابات من خلال التلاعب في خدمة البريد، وحرمان الناخبين من حق التصويت، وفق تعبيرها.

وشددت بيلوسي على أن خدمة البريد هي أحد أعمدة الديمقراطية الأميركية وضرورية لتوفير الخدمات المهمة، بما فيها التصويت الغيابي لملايين الأميركيين.

وتدخل المرشح الديمقراطي جو بايدن، منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، على خط الأزمة؛ منددا بموقف البيت الأبيض من التصويت بالبريد.

وقال بايدن في تغريدة على تويتر "يواصل الرئيس ترامب مهاجمة هيئة البريد الأميركية، والآن لا يحصل مئات الآلاف من المحاربين القدامى على أدويتهم المنقذة للحياة في الوقت المحدد. إنه حقير.. أعدكم بأنني كرئيس لن أضع السياسة أبدا على رعاية قدامى المحاربين في أمتنا".

epa08608315 A USPS mailbox sits in front of a Post Office in Los Angeles, California, USA, 16 August 2020. According to media reports, House Speaker Nancy Pelosi announced she was calling the House of Representatives back into session to vote on a Postal Service bill as controversy rises over mail-in voting in the upcoming US elections, scheduled 03 November 2020. EPA-EFE/CHRISTIAN MONTERROSA
صندوق بريدي في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية (الأوروبية)

التصويت بالبريد
في ظل تسجيل المزيد من الإصابات بفيروس كورونا، وعدم التوصل للقاح أو علاج فعال للمرض، وافقت 46 ولاية حتى الآن على السماح بالتوسع في التصويت عبر البريد.

ووفق أحدث الإحصاءات التي ينشرها موقع ورلد ميتر، ارتفعت الإصابات بكورونا في الولايات المتحدة إلى 5 ملايين و575 ألفا، في حين تجاوزت الوفيات 173 ألفا.

ولم يلعب الانتماء الحزبي لحكام الولايات أي دور في قضية السماح باستخدام التصويت البريدي، وبين تلك الولايات 24 ولاية يرأسها حاكم ديمقراطي، في حين يرأس 22 ولاية حاكم جمهوري.

ويصر ترامب على أن خطط بعض الولايات للتصويت من خلال إرسال بطاقة اقتراع إلى كل ناخب هو تمهيد لما وصفها بكارثة، ويرى أن ذلك سيؤدي إلى الفوضى، ويلقي بظلال من الشك على نتائج الانتخابات المقبلة، وربما يؤخر إعلان نتائجها.

ويتهم الديمقراطيون ترامب بتعيين لويس ديجوي رئيسا جديدا لهيئة البريد بهدف المساعدة في عرقلة التصويت بالبريد.

U.S. Expats Vote In Democratic Primaries
أميركيون يدلون بأصواتهم في مارس/آذار الماضي بمركز اقتراع بألمانيا خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي (غيتي)

أسئلة وشكوك
تولى لويس ديجوي إدارة هيئة البريد الفدرالية قبل شهرين، ويعرف بقربة الشديد من ترامب، كما أنه تبرع بالمال لحملته في انتخابات الرئاسة السابقة.

ويثير ذلك الكثير من الشكوك حول أهدافه من خطة التغيير التي تبناها فور وصوله لمنصبه، والتي تركزت على خفض التكاليف بإلغاء ساعات العمل الإضافي، وتقليص أسطول نقل البريد، وهو ما أدى إلى تأخير تسليم البريد، كما فرض ديجوي حظرا على أي تعيينات جديدة بالهيئة.

ويتخوف الديمقراطيون من أن يؤثر تقليص النفقات في هيئة البريد على عملية فرز الأصوات، خاصة مع توقع ارتفاع غير مسبوق في حجم البريد. إلا أن ديجوي يؤكد أن هيئة البريد لها القدرة على توصيل كل بريد الانتخابات بأمان وفي الوقت المناسب وفق المعايير المطلوبة.

وطالب كبار نواب الكونغرس الديمقراطيين من المفتش العام لهيئة البريد التحقيق في التعديلات التي أجراها ديجوي، وجاء في دعوة الديمقراطيين أنه "بالنظر إلى القلق بشأن تأثير سياسات إدارة ترامب على نوعية وفاعلية مصلحة البريد، نطالبكم بإجراء تدقيق في جميع التغييرات التي قررها ديجوي ومسؤولون آخرون في إدارة ترامب خلال عام 2020".

ويرفض لويس ديجوي كل الاتهامات، ونفى أن يكون اتخذ أي قرار لمصلحة ترامب، مؤكدا أن هيئة البريد لا تؤخر وصول بريد الانتخابات ولا أي بريد آخر.

جدير بالذكر أن هيئة البريد تضم 497 ألف موظف وعامل في الولايات المتحدة، وهناك أكثر من 31 ألف مكتب بريد بمتوسط 614 مكتب لكل ولاية، إضافة إلى 142 ألف صندوق بريد، بمتوسط 2784 صندوق بريد لكل ولاية.

وحققت الهيئة العام الماضي مداخل بقيمة 71 مليار دولار، في مقابل نفقات بلغت 80 مليار دولار، أي أن هناك عجزا بلغ 9 مليارات دولار. وأعلنت وزارة الخزانة منح هيئة البريد قرضا مقداره 10 مليارات دولار.


حجج ترامب

خلال العقود الأخيرة، لم يعترض أي مرشح ممن خسروا الانتخابات الرئاسية على نتيجة الانتخابات بسبب التصويت بالبريد، ولم يقدم أي مرشح سابق على اتهام هيئة البريد بترجيح كفة حزب على آخر.

كما مارس ملايين الناخبين الأميركيين حقهم في الاقتراع باستخدام البريد خلال كل الانتخابات الماضية منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1860.

وفي انتخابات 2016، التي فاز بها ترامب، ناهزت نسبة المصوتين ممن اقترعوا دون الذهاب بأنفسهم لمراكز الاقتراع 40% من إجمالي الناخبين، أو ما مقداره 57.2 مليون ناخب.

ويدعم أغلبية الأميركيين فكرة التصويت بالبريد، خاصة وسط حالة انتشار فيروس كورونا. وطبقا لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في يونيو/حزيران الماضي، فقد عبر 65% من الأميركيين عن دعم خيار التصويت المبكر أو التصويت الغيابي بالبريد، وطالبوا بضرورة توفره لكل ناخب من دون اشتراط السلطات تقديمه وثائق تدعم سبب الحاجة لهذا النوع من الاقتراع.

إلا أن الرئيس ترامب يركز على حالة الاستثناء التي شهدتها الانتخابات التمهيدية، والتي اعتمد فيها على الاقتراع البريدي.

إذ كشفت تجربة كثافة التصويت بالبريد في الانتخابات التمهيدية بولاية نيويورك عن تأخير طويل في إعلان نتائج بعض الدوائر الانتخابية لمقاعد في سباق مجلس النواب امتدت لأسابيع بسبب عدم الانتهاء من عمليات عد البطاقات البريدية.

وصوّت في انتخابات مدينة نيويورك هذا العام 400 ألف شخص بالبريد، في حين كان الرقم في انتخابات 2016 لا يزيد على 23 ألف شخص، أي أن هناك زيادة مقدراها 17 ضعفا.

وقبل 80 يوما من الانتخابات، أصبح في مقدور 160 مليون ناخب الاقتراع عن طريق الخدمة البريدية، لكن يبقى ما قد يتخذه الكونغرس أو البيت الأبيض مجهولا في معركة قد يحسمها القضاء الأميركي.

المصدر : الجزيرة