لجنة التحقيق الوطنية في أحلك أيامها.. "فض الاعتصام" بالسودان على طريق التدويل

منظمة أسر "شهداء ثورة ديسمبر" بدأت خطوات باتجاه تدويل قضية فض الاعتصام (الجزيرة نت)

من مقرها المطل على شارع البلدية والواقع داخل محيط الاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم، تباشر منظمة أسر "شهداء ثورة ديسمبر" نشاطها الذي بات يتركز على تدويل قضية فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران 2019.

ورغم تنامي فرضية تورط كتائب الظل "أنصار للنظام السابق" في جرائم القتل التي رافقت عملية فض الاعتصام، تشير المنظمة إلى أن المجلس العسكري -حينهاـ كان هو الآمر بالفض من على شرفات مقر القيادة على بعد نحو 300 متر من مبنى المنظمة.

وأضحى قادة المجلس العسكري شركاء لائتلاف قوى "الحرية والتغيير" في الحكومة الانتقالية التي تدير البلاد الآن بموجب اتفاق وقع بعد شهرين من مجزرة فض الاعتصام.

وتتولد ملامح تدويل قضية فض الاعتصام حال لم تتوفر القدرة والرغبة من الحكومة في جلب المتورطين بانتهاكات القتل والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري، في تحدٍ شبيه بقضية الرئيس المعزول عمر البشير مع المحكمة الجنائية الدولية.

منظمة شهداء أسر شهداء ديسمبر تقول إن المجلس العسكري آنذاك كان هو الآمر بفض الاعتصام (الجزيرة)
منظمة أسر "شهداء ديسمبر" تقول إن المجلس العسكري آنذاك كان الآمر بفض الاعتصام (الجزيرة)

حائط صد
وتبدو لجنة التحقيق الوطنية -في أحداث فض الاعتصام أمام مقار الجيش في الخرطوم والولايات- حائط صد وحيد لدرء تدويل قضية فض الاعتصام، لكنها تفتقد السند والدعم اللازمين من الحكومة.

وجاءت استقالة المحامي أحمد الطاهر النور -وهو قاض سابق- من عضوية اللجنة هذا الشهر، لتلفت الانتباه لحجم المشكلات التي تعاني منها لجنة التحقيق للحد الذي يهدد بعدم إنجازها مهمة تقديم المتورطين للعدالة.

ويقول عضو اللجنة المستقيل للجزيرة نت إن الإمكانيات المتاحة للجنة مقارنة بحجم العمل المطلوب إنجازه لن تمكنها من إصدار تقرير في الزمن المحدد.

وحتى قبيل الاستقالة، يقول الطاهر إن اللجنة ظلت تعمل بلا مقر عندما طلبت منهم السلطات إخلاء مقر مؤقت في مبنى الخطوط الجوية السودانية لأسباب أمنية، وعليه كانت اللجنة تمارس نشاطها من المكتب الخاص برئيسها أديب.

يدٌ قصيرة
وبعد الاستقالة خصصت السلطات شقتين في بناية بضاحية كافوري بالخرطوم بحري، لكن ما زالت لجنة التحقيق بدون ميزانيات تمكنها من السفر لمدن بالولايات شهدت عمليات متزامنة لفض اعتصامات أمام مقار الجيش، بحسب الطاهر.

وتتفاقم معاناة اللجنة وهي تفتقد التقنيات اللازمة لعرض 120 مقطع فيديو وثقت لفض الاعتصام، أغلبها التقطت عبر الهواتف الذكية، بغية طباعة صور فوتوغرافية من هذه المقاطع ربما كانت مهمة في تحديد الجناة من العسكريين.

ويقول الطاهر إن هذه التقنيات غير متوفرة بالسودان، وتم طلبها من الاتحاد الأفريقي بموجب الوثيقة الدستورية التي أتاحت للجنة التحقيق طلب العون الفني الأفريقي.

ويشير إلى أن توفر هذه المعينات مفصلي لإعداد تبويب وتقارير حول مقاطع الفيديو، فضلا عن عمل ضخم متعلق بحوالي 7 آلاف صفحة لتحريات أجرتها النيابة مع 3 آلاف شاهد.

وتتكون لجنة التحقيق المشكلة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من سبعة أعضاء، ألحق بهم وكيلا نيابة ومحاسب وكاتب وموظف حاسوب، تخدمهم سيارة واحدة.

منظمة شهداء أسر شهداء ديسمبر تقول إن المجلس العسكري آنذاك كان هو الآمر بفض الاعتصام (الجزيرة)
يقع مقر المنظمة داخل محيط الاعتصام أمام قيادة الجيش بالعاصمة (الجزيرة نت)

مساعي التدويل
في المقابل لا تبدو منظمة أسر "شهداء ثورة ديسمبر" مشغولة بلجنة "أديب" إذ تعتبر ابتداء أن تشكيلها معيب، وعليه بدأت خطوات في اتجاه التدويل.

ويقول كشة عبد السلام نائب الأمين العام للمنظمة للجزيرة نت إنهم بدؤوا بالفعل مساعي لتدويل القضية بالتنسيق مع هيئة محامي دارفور التي لديها أصلا مذكرة لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع بدارفور.

ويؤكد كشة -الذي فقد ابنه "عبد السلام" في أحداث فض الاعتصام- أنهم انتظروا كثيرا بلا طائل، كما أن القانون الوطني غير مواكب للجرائم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.

ويتابع "جرائم فض الاعتصام ترقى لجرائم ضد الإنسانية مكانها لاهاي وليس محاكم السودان".

وفي منحى متصل بالبيروقراطية التي يعاني منها ذوو الضحايا، يقول عبد الله سليمان والد "الشهيد مجاهد" -الذي سقط ضمن ثمانية آخرين في احتجاجات بالقضارف (شرقي البلاد) يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2019- إنه لم يتسلم حتى الآن شهادة وفاة لابنه.

ويذكر إن ابنه البالغ من العمر 21 عاما أصيب بعيار ناري في رأسه أدى لمقتله في الحال، لكن كل مساعيه لاستخراج شهادة وفاة تثبت ذلك باءت بالفشل بين المستشفى والنيابات.

لعبة التسوية
وعلى لسان مدثر محمد طه رئيس اللجنة القانونية لمنظمة "أسر الشهداء" ونائبه أبو بكر عطاي، فإن لجنة التحقيق التي يترأسها أديب معيبة منذ تشكيلها.

ويوضح المحاميان أن تشكيل اللجنة بقرار من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك جعلها سياسية وليس قانونية، وكان الأولى أن يشكل لجنة بهذه الأهمية النائب العام ويتولى رئاستها بنفسه.

وبموجب طريقة تشكيل اللجنة، يعتبر مدثر ونائبه أنه سيتم تسليم النتائج لرئيس الوزراء تمهيدا لتسوية لا تذهب "بالمجرمين" للعدالة، لذلك هناك لعب على الزمن وتباطؤ في إجراءات رفع الحصانات، وهو نهج طالما اتبعه النظام السابق في جرائم ارتكبها عسكريون، حسب وصفهما.

ويقترح المحاميان محاكم خاصة تشمل كل قضايا القتل والانتهاكات التي صاحبت الثورة وليس ضحايا فض الاعتصام فقط، وبحسب قولهما فإن أغلبية أسر الضحايا فتحت بلاغات لدى النائب العام بعيدا عن لجنة التحقيق، وبعد حظر كورونا ستبدأ محاكم خاصة بهذه القضايا.

عبد الله سليمان (يسار) والد الشهيد "مجاهد" الذي سقط في احتجاجات بالقضارف، لم يتسلم حتى الآن شهادة وفاة لابنه (الجزيرة نت)
عبد الله سليمان (يسار) والد "الشهيد" مجاهد الذي سقط باحتجاجات القضارف لم يتسلم حتى الآن شهادة الوفاة (الجزيرة نت)

محاذير التدويل
من جهته، قال طارق كانديك المحامي والقيادي بتحالف قوى "الحرية والتغيير" للجزيرة نت إنه ليس من أنصار التدويل لأنه "خيار غير جيد" وأضاف أنه وبغض النظر عن صحة التدويل أو خطئه فإنه ينطوي على محاذير.

وتابع أنه لا بد من انتظار تقرير لجنة التحقيق ومن ثم الحكم عليه مع منح اللجنة الزمن الكافي، مبينا أن المحكمة الجنائية الدولية احتاجت خمس سنوات من أبريل/نيسان 2002 وحتى يوليو/تموز 2007 لإعداد قضية علي كوشيب.

وأضاف كانديك أن السودانيين والناشطين منهم على وجه الخصوص مطالبون بدعم لجنة التحقيق حتى تنجز مهامها، ولتأسيس دولة القانون القادرة على الردع العام والخاص.

وإلى حين صدور تقرير لجنة التحقيق، تبقى الأعين داخل السودان وخارجه تركز على قضية فض الاعتصام مما يقتضي صدور نتائج للتحقيق تتطابق مع صحيح القانون وتكفل مثول متهمين أمام المحاكم وفق بينات مبدئية، وفقا للطاهر عضو اللجنة المستقيل.

وفي الذكرى الأولى لفض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران الحالي، نبهت الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الحكومة السودانية إلى ضرورة تقديم المسؤولين عن فض الاعتصام إلى العدالة.

المصدر : الجزيرة