أحزاب مصر الورقية في مهب الريح.. وأي جدوى من الباقين؟

البرلمان يمدد حالة الطوارئ بمصر وبرلماني مصري يطالب بإصلاحات دستورية
انتقادات وسخرية تشهدها مواقع التواصل من دور الأحزاب وأدائها داخل البرلمان (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

أكثر من مئة حزب لا يعرف كثير من المصريين أغلبها، ولا يرون جدوى لها، ويطالب مشتغلون بالعمل السياسي في مصر بدمجها معا في عدد أقل وأقوى، وهو ما اقترحه الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة.

يقول الطالب الجامعي هيثم إنه لا يسمع إلا عن حزب "مستقبل وطن" من خلال أنشطته الخيرية، التي تثير السخرية على وسائل التواصل، حيث يقوم بتوزيع مواد غذائية وأغطية (بطاطين) على الفقراء، وذلك بهدف حشدهم للفعاليات التي تريدها السلطة.

بدورها، تؤكد المعلمة الشابة صفاء أنها لا تعرف سوى "حزب مستقبل وطن"، الذي تقف سيارة تابعة له في الميادين لبيع اللحوم الرخيصة للمواطنين، علاوة على حزب يسمى "حماة الوطن" تعرفه لأن عينيها تقع أحيانا على لافتة له على مقربة من منزلها.

يتفق الاثنان على أنهما لا يشعران بأي دور سياسي للأحزاب، عكس ما كانت عليه الحال عقب ثورة يناير، حيث كان الزخم السياسي في ذروته، وهناك معارك على الأرض بين مسؤولي تلك الأحزاب وتنافس كبير، أما الآن فوجود هذه الأحزاب مثل عدمها، ولن يشعر أحد إذا اختفت من سطح الحياة السياسية بمصر.


تهديد حكومي
ومنذ الانقلاب العسكري في صيف 2013، انعدم الدور السياسي لمعظم الأحزاب المصرية، حيث تم حل حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، كما تواجه الأحزاب الإسلامية الأخرى ضغوطا متعددة، منها دعاوى قضائية تطالب بحلها.
 
وتدريجيا أصبحت باقي الأحزاب مجرد "أحزاب ورقية"، وهو مصطلح يستخدمه المصريون منذ عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، لوصف الأحزاب منعدمة التأثير، التي يقتصر دورها على التواجد القانوني عبر الأوراق والمخاطبات الرسمية.

لكن هناك 18 حزبا منها على نحو خاص باتت تحت مقصلة التهديد بالحل؛ ففي خطاب صادر من لجنة شؤون الأحزاب، جاء فيه ضرورة إخطار قيادات 18 حزبا بملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن هذه الأحزاب وأنشطتها.

من بين الملاحظات الواردة خلو منصب الرئيس ببعض الأحزاب، وانتهاء ولاية الرئيس لأحزاب أخرى، ووجود نزاعات في عدد منها، مما يستدعي أهمية تقنين أوضاعها، لا سيما في ما يتعلق بانعدام وجود ميزانيات لدى أحزاب أخرى تبين قيمة حجم مواردها المالية ونفقاتها.

وطالبت اللجنة بضرورة تقديم هذه الأحزاب ردودا قانونية من خلال رؤسائها لسد الفراغ القانوني طبقا لقانون الأحزاب.


قلق الأحزاب
ويتخوف سياسيون منتمون لهذه الأحزاب من أن يكون ذلك خطوة في سبيل التخلص منها، تمهيدا لخطوات أخرى في الحياة السياسية.

وقال رئيس حزب "مصر 2000" رمضان الأقصري إن تقرير جهاز المحاسبات المبني عليه قرار اللجنة "مشكوك فيه"، فهو لا يوضح بشكل مفصل الأسباب التي استند إليها، علاوة على أنه "غير مُلمّ بواقع الحال، ويهدف إلى إثارة البلبلة والتشكيك في الأحزاب القائمة بقوة الدستور والقانون".

ولفت الأقصري إلى أنه تواصل مع بعض قادة الأحزاب السياسية المذكورة في التقرير، وجرى التوافق على أن جهاز المحاسبات لا علاقة له برئاسة الحزب، وإنما ينصب عمله فقط على فحص ميزانية الحزب القائم طبقا للدستور، سواء كان متنازعا على رئاسته أم لا.

وانتقد الأقصري إغفال التقرير حالة كل الأحزاب المصرية، البالغ عددها 104 أحزاب، والاكتفاء فقط باستهداف 18 منها، كأنها وحدها هي المخالفة، رغم وجود أحزاب أخرى غير واردة بالتقرير، وعليها نزاعات قديمة، وأخرى غادرها رؤساؤها من دون بديل.


إجراء تقليدي
قيادي سابق بحزب الأحرار -وهو أحد الأحزاب المستهدفة بقرار لجنة شؤون الأحزاب ومن أقدم الأحزاب- يرى أن هذا القرار تقليدي، حيث يصدر كل حين من لجنة الأحزاب قرار بشأن الأحزاب التي تعاني من أزمات داخلية، ولا يمثل أي قلق على الحياة السياسية.

وقال القيادي للجزيرة نت إن مأساة حزب الأحرار تمتد إلى ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث نشأت نزاعات عديدة على رئاسته بين قياداته عقب وفاة مؤسسه مصطفى كامل مراد.

وأكد القيادي -الذي رفض ذكر اسمه- أن الحياة السياسية في مصر تعاني من الركود والجمود عموما، بسبب "خنق السلطة للمجال العام، مما يجعل العمل الحزبي بلا فاعلية، في ظل عزوف الجماهير عنها، لأنها تدرك أن كل هذه الأحزاب لن تستطيع الخروج عن الدور المرسوم لها من السلطة، والمقصلة في انتظار من يحاول ممارسة السياسة بجدية".

 
ويتفق مع الرأي السابق مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، مؤكدا أن خطاب اللجنة روتيني ولن يسفر إلا عن بقاء الوضع على ما هو عليه، رغم أن بعض الأحزاب المذكورة في قرار اللجنة لديها نواب في البرلمان، مثل حزب المؤتمر، والحزب العربي الناصري، وحزب التجمع.

ويستبعد حمدان في حديثه للجزيرة نت سوء نية السلطة تجاه الأحزاب بهدف إلغائها أو دمجها، فالقانون ينص على أن أحد أدوار لجنة الأحزاب يختص بتلقي ملاحظات من جهاز المحاسبات، ويرسل المخالفات للحزب.

ولفت حمدان إلى أن رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ليست مسألة سياسية، بل اعتيادية ودورية، حيث يذهب مندوبه كل فترة للمقرات الرئيسية لهذه الأحزاب، وفي حالة هذه الأحزاب لا يجد المندوبون أحدا في هذه المقرات غالبا، لوجود نزاعات على رئاستها، أو لعدم اختيار رئيس جديد لها.

حصار الأحزاب
ويؤكد المتحدث أن لجنة شؤون الأحزاب لا تستطيع إجبار أي حزب على حل نفسه أو الاندماج، ولكن قرار اللجنة غالبا يكون باستمرار تجميد النشاط لحين توفيق الأوضاع بعقد مؤتمر عام، أو قيام الأمانة العامة للحزب بالاستجابة لملاحظات الجهاز.

وغير خاف على أحد سبب حالة الجمود الفعلية التي تعاني منها بقية الأحزاب، لأسباب معروفة للكافة -حسب رأي حمدان- في إشارة إلى حالة الحصار التي تعاني منها الأحزاب الراغبة في إبداء نشاط، وخوف الأعضاء من تعرضهم لما تعرض له سياسيون حاولوا القيام بأنشطة لا ترضى عنها السلطة، كما في حالة "تحالف الأمل" الذي اعتقل أعضاؤه، ومعظمهم أعضاء في أحزاب رسمية عندما حاولوا السعي لتكوين تحالف سياسي استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة