السيسي من السياسة إلى القوة الغاشمة.. وسيناء تراوح مكانها

رغم إعلانات النصر المتكررة.. استهداف الجنود في سيناء متواصل
"العملية الشاملة سيناء 2018" دخلت عامها الثالث، رغم أن السيسي أمهل الجيش ثلاثة أشهر فقط (الجزيرة)

قبل ست سنوات أذاعت قناة الجزيرة مباشر تسجيلا مصورا لوزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، متحدثا إلى مجموعة من ضباط الجيش المصري حول الإستراتيجية المثلى للتعامل مع أزمة المسلحين في شمال سيناء.

في التسجيل المصور يتحدث السيسي عن خطورة اعتماد الحل الأمني فقط، محذرا من إطلاق النار والتهجير وتدمير المنازل، بما يؤدي إلى خلق عداوات وثأر، وهو ما يشكل خطورة على الأمن القومي، مستشهدا بتجربة جنوب السودان التي آلت إلى الانفصال بسبب التعامل الأمني والسياسي الخاطئ.

مرت السنون، وجرت في النهر مياه كثيرة، ليستمع المصريون للسيسي نفسه لكن وهو رئيس للجمهورية هذه المرة، وهو يطالب باستخدام "القوة الغاشمة" في التعامل مع هجمات المسلحين، مع مهلة ثلاثة أشهر فقط للقضاء على الإرهاب.

ومن الحديث السياسي إلى القوة الغاشمة؛ يبدو أن ملف سيناء -خاصة شمالها- بات الأكثر غموضا في مصر، حيث دخلت "العملية الشاملة سيناء 2018" عامها الثالث، وسط تصاعد هجمات المسلحين، وسقوط ضحايا من أفراد الشرطة والجيش، ومع تحذيرات نشطاء وسياسيين حول عدم إمكانية حل الأزمة في غياب السياسة، وفي ظل القمع الأمني والصوت الواحد.

 
آخر تلك العمليات كانت أمس الخميس، حيث أعلن المتحدث العسكري أن عبوة ناسفة انفجرت بإحدى المركبات المدرعة جنوب مدينة بئر العبد (شمالي سيناء)، مما أسفر عن سقوط ضابط وضابط صف وثمانية جنود بين قتيل وجريح.

وفي حين لم يحدد المتحدث العسكري المصري عدد من قتلوا في التفجير، أفادت صفحة لموقع فيسبوك تتابع التطورات في سيناء بأن القتلى عشرة عسكريين مقابل ثلاثة مصابين، ونشرت الصفحة قائمة بأسماء الضحايا، في حين ذكر ناشطون على مواقع التواصل أن التفجير وقع قبيل الإفطار.

وندد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالهجوم، وقال إن "قوى الشر" تحاول خطف الوطن، مضيفا "لكننا بفضل الله ثم بفضل أبناء مصر وجيشه القوي صامدون بقوة وإيمان، وقادرون أن نحطم آمال تلك النفوس الخبيثة الغادرة".

 
حديث السيسي عن الصمود دفع الكاتب الصحفي جمال سلطان للتساؤل: "هل هذا تعبير لائق؟ هل مصر وجيشها محاصران من شرذمة من عدة مئات من الإرهابيين وفي وضع دفاع؟"
 
تساؤل سلطان يأتي في ظل تأكيدات متتالية أعلنتها السلطات المصرية حول نجاحها في القضاء على الإرهاب، وأن ما تبقى مجرد فلول تنازع أيامها الأخيرة.
 

 
لكن القيادي في حزب "الكرامة" أمين إسكندر لم يتوقف فقط عند حديث السيسي حول الصمود، بل ذهب لانتقاد تغييب السياسة عن أزمة سيناء، مؤكدا أن مصر لن تستطيع المواجهة في غياب الحرية وإغلاق المجال العام.

وتساءل السياسي المعارض: "كيف نواجه الإرهاب ومصر خالية من السياسة والفكر والآراء، لا إعلام، لا أحزاب، لا حوار، سلطة الواحد وفقط؟ كيف نقاوم الإرهاب ومصر في السجن ومقيدة لدرجة الشلل، ومصر بلا تصور ولا مشروع ولا تعليم ولا ثقافة ولا تنمية سوي مشروعات لشركات المقاولات؟"

 
بدوره، قارن مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن بين أعداد ضحايا هجمات المسلحين في عهد السيسي بنظيرتها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كما لفت إلى الضحايا من المدنيين داخل سجون السيسي وخارجها.
 
وسبق أن دعا العديد من السياسيين والكتاب -وبعضهم مؤيد للسلطة- إلى مقاربة سياسية وليست أمنية فقط لحل أزمة سيناء والقضاء على العلميات العسكرية، تشمل التنمية الشاملة ووقف الانتهاكات والتمييز بحق أبناء سيناء.

وفي كلمته خلال افتتاح بعض مشروعات البنية التحتية في أبريل/نيسان الماضي، قال السيسي إن "الدولة أنفقت 600 مليار جنيه (نحو 40 مليار دولار) على تنمية شبه جزيرة سيناء".

لكن رئيس لجنة فض المنازعات بسيناء سابقا حسام فوزي جبر قال إن "المتأمل في وضع سيناء منذ عام 1952 إلى يومنا هذا؛ يجد أن كل ما يقال عن تنمية سيناء إنما هو للترويج الإعلامي، ومجرد عبارات جوفاء لا تعبر عن واقع ملموس".

 
بدوره، حذر الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل من "تصفية بعض المختفين قسريا" بزعم أنهم من المتورطين في الحادث، وأكد أن الحل لتلك الأزمة هو "محاسبة ورحيل من يريد استمرار العنف والقتل بين مكونات شعب واحد واستمرار دائرة الانتقام".

وفي تصريحات سابقة للجزيرة نت، رأى الباحث في الشؤون العسكرية المصرية محمود جمال أن تركيز الجيش على العمليات العسكرية أوجد حاضنة بين أهالي سيناء، مطالبا بتغيير الإستراتيجية الأمنية المتبعة في سيناء، لأنها لم تحقق أي نجاحات، بل على العكس تضاعفت خسائر الجيش، ويقع المزيد من القتلى في صفوف الضباط الذين يشهد لهم بالكفاءة.

 
وشهدت مواقع التواصل حالة من الحزن على ضحايا الحادث، واجتمع كثير من مؤيدي السلطة ومعارضيها على إدانته.

وتداول رواد مواقع التواصل منشورات لاثنين من ضحايا الحادث توضح أنهما كانا معارضين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 
واستشهد مغردون بتلك المنشورات على وجود الكثير من الجنود والضباط غير المؤيدين للسيسي وسياساته، لكنهم مجبرون على الخدمة في الجيش والشرطة.
 

 
جدير بالذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية دعت في مايو/أيار 2019 إلى تحقيق دولي في ما وصفتها بالانتهاكات المتبادلة بين الجيش المصري والمسلحين في شبه جزيرة سيناء، معتبرة أن ما يحدث هناك "نزاع مسلح غير دولي"، وأن بعض الانتهاكات هي "جرائم حرب يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي