كورونا.. لماذا يستهدف بشكل أكبر الأميركيين من أصول أفريقية؟

أميركيون سود في طابور للحصول على طعام
أميركيون من أصول أفريقية يقفون في طابور للحصول على الطعام بإحدى المدن الأميركية (الجزيرة)

محمد المنشاوي-واشنطن

استدعى انتشار فيروس كورونا بنسب مرتفعة في صفوف الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية ذكريات أليمة في أذهان الملايين من هذه الفئة المجتمعية، ترتبط بكونها في مقدمة ضحايا الكوارث التي تحل بالولايات المتحدة، كما تسلط أزمة كورونا الضوء على واقع الظروف المعيشية والصحية للأميركيين من أصول أفريقية.

فقبل خمسة عشر عاما، كشف إعصار كاترينا الذي ضرب جنوبي الولايات المتحدة في صيف عام 2005 أن التفرقة والعنصرية تجاه السود لم تنتهيا بعد، وتسببت الفيضانات حينذاك في إغراق 80% من ولاية لويزيانا، واختفت سلطة الدولة، وهو ما أدى إلى موجة من الأنشطة الغوغائية والفوضى العارمة، ووقوع حالات واسعة من السرقة والنهب.

وقضى في تلك الكارثة ما يقرب من عشرة آلاف شخص، أغلبهم من الأفارقة الأميركيين الفقراء، ممن لم يمتلكوا ما يكفي من المال للفرار وترك منازلهم.

ودفعت الصور المريعة التي بثتها شاشات التلفزيون عن الدمار الذي أحدثه إعصار كاترينا نقاشا شائكا حول مسألة لون الإنسان في الولايات المتحدة، بعد أن اتضح بأن معظم الضحايا من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية.

            مناطق الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية لا تتمتع بجودة الخدمات ذاتها المتاحة في المناطق الأخرى (الجزيرة)
            مناطق الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية لا تتمتع بجودة الخدمات ذاتها المتاحة في المناطق الأخرى (الجزيرة)

ولاية لويزيانا
ومع انتشار جائحة كورونا هذه الأيام، تجدد النقاش حول هذه الفئة من المجتمع الأميركي، إذ نشرت تقارير إخبارية أن 70% من حالات وفيات الفيروس المستجد في ولاية لويزيانا هم من ذوي البشرة السوداء، على الرغم من أنهم يمثلون ثلث سكان الولاية فقط، وتعد لويزيانا إحدى أكثر الولايات المتضررة بالمرض في الجنوب الأميركي.

ودفعت تلك النسب وغيرها للواجهة موضوع غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وما يترتب عليها من ضعف الرعاية الصحية لدى الأميركيين من أصول أفريقية، مقارنة بنظرائهم من الأميركيين البيض في مختلف الولايات.

وقد دقت كلمات الجراح العام للولايات المتحدة الأدميرال جيروم أدمز في لقاءات تلفزيونية ناقوس الخطر عن الأوضاع الصحية للأميركيين من أصول أفريقية، إذ قال أدمز "كأميركي أسود أعاني من ارتفاع في ضغط الدم ومن مرض في القلب، ولقد أمضيت أسبوعا في العناية المركزة بسبب مشكلة في القلب. كما أعاني من الربو وقد أصاب بمرض السكري".

وأضاف المتحدث نفسه "هذا ما يعنيه النشأة في بيئة فقيرة في أميركا، أنا معرض مثل الكثير من الأميركيين السود لخطر أكبر في مواجهة كوفيد-19".

عرضة للأمراض
وتفيد إحصاءات أميركية رسمية بأن فئة المواطنين من أصول أفريقية أكثر عرضة لأمراض السكري والقلب والرئتين، وهو ما يزيد من احتمالية الوفاة عقب الإصابة بفيروس كورونا.

ويوضح الأستاذ المساعد بكلية الطب التابعة لجامعة جون هوبكنز خالد الشامي في تصريح للجزيرة نت أن مخاطر ونسب تعرض الأميركيين من أصول أفريقية للإصابة والوفاة بسبب كورونا أكبر من مثيلاتها عند بقية الأميركيين، وأضاف الشامي "ربما يكون الارتفاع في نسب التعرض راجعا إلى عدم توافر رعاية صحية جيد للأميركيين السود، إضافة إلى أسباب بيولوجية وجينية ترتبط بهم".

وذكر الجراح العام للولايات المتحدة أن المعطيات الأولية عن حالات كورونا في البلاد تفيد بأن 40% من وفيات كورونا هي لأميركيين من أصول أفريقية، والذين تبلغ نسبتهم في صفوف المصابين 33%، في حين لا تتجاوز نسبتهم من عموم سكان الولايات المتحدة 13.4%.

عامل الفقر
ويمثل الفقر عنصرا إضافيا ومهما في فهم أسباب ارتفاع نسبة الإصابة والوفيات بكورونا لدى الأميركيين من أصول أفريقية، إذ يرجع الأمر حسب ناتان بولدوين وهو أميركي من الفئة المذكورة يعيش في شمال ولاية فيرجينيا إلى "عدم توفر الموارد المالية التي تُمكن الكثير من الأميركيين السود من البقاء بمنازلهم لتفادي الإصابة بالفيروس".

ويشير بولدوين في تصريح للجزيرة إلى أن محطات مترو الأنفاق في مناطق الأميركيين البيض شبه فارغة من الركاب، في حين الصورة معاكسة في مناطق الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية.

وتزيد طبيعة وظائف الكثير من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية من احتمال تعرضهم لفيروس كورونا، إذ يمثلون نسبة كبيرة من هيئات التمريض، وسائقي سيارات الأجرة، وعمال النظافة، والباعة في محلات البقالة.

الرعاية الصحية
بلغ عدد الأميركيين من أصول أفريقية العام الماضي 44 مليونا، أي 13.4% من سكان البلاد طبقا لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي، ويعيش 20% من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية تحت خط الفقر، في حين تبلغ النسبة 10% فقط في صفوف الأميركيين البيض.

وينتج عن أوضاع الفقر تراجع مستوى الخدمات المحلية في قطاعي التعليم والصحة، إذ إن الإنفاق عليهما من لدى السلطات المختصة يكون مصدره الأساسي الضرائب العقارية.

ويسكن أغلبية الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية بمناطق تتميز بانخفاض القيمة الإيجارية للشقق والبيوت فيها، ما ينتج عنه ضعف الإيرادات الضرائبية للسلطات المحلية، وبالتالي ينعكس ذلك على مستوى الخدمات الصحية المقدمة، فمناطق الأميركيين الأفارقة تعاني من قلة المستشفيات والأطباء، وضعف مستوى الوحدات الصحية الموجودة.

كما أن التباعد الاجتماعي المفروض لمواجهة انتشار كورونا هو أمر أكثر تعقيدا في الأحياء الفقيرة للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، حيث تكون مساحة المنازل أصغر والكثافة السكانية أكبر، ويعرف عن هذه الفئة ظاهرة سكن العائلة الممتدة، إذ يسكن الأجداد مع الأبناء والأحفاد في حالات كثيرة.

المصدر : الجزيرة