بعد أزمة كورونا.. مصريون يستعدون للهبوط الاضطراري نحو الفقر

عمالة
عمال اليومية من أكثر الفئات تضررا في مصر بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا (الجزيرة)

محمد عبد الله-القاهرة

ضرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الفقراء في مصر بشدة، وترك الوباء ملايين المصريين من أصحاب الأعمال اليومية الحرة أو الأعمال المؤقتة دون أي تغطية من جانب السلطة، وذلك نتيجة توقف الاقتصاد وفقدانهم فرص العمل.

ورغم تكرار الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الماضية تصريحاته بأن مصر تمضي في الطريق الصحيح وأنه يراعي مصالح الطبقات الدنيا، يتوقع خبراء اقتصاديون ومؤسسات دولية أن يكون الفقراء هم الفئة الأكثر تضررا من جائحة فيروس كورونا المستجد وخاصة في الدول النامية، وأن تتسع دائرة الفقر في تلك البلدان وتجتذب إليها المزيد من الطبقات الأعلى كالطبقات المتوسطة.

وجاءت أزمة كورونا قبل أن يتعافى الفقراء في مصر من آثار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته قبل ثلاث سنوات بمساعدة صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد اقتراضها 12 مليار دولار، وتضمن: تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود والطاقة، مما ترتب عليه مضاعفة الأسعار وانخفاض قيمة المدخرات للنصف.

وفي أول إحصاء لعدد الفقراء في مصر بعد عام واحد من تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، كشف الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) عن ارتفاع الفقر في مصر بنسبة 4.7% ليصل إلى 32.5%، مقارنة بنحو 27.8% في 2015، في أكبر زيادة من نوعها.

إلا أن تقديرات البنك الدولي لنسبة الفقر كانت نحو ضعفي الرقم الحكومي المعلن، إذ أصدر بيانا في مايو/أيار 2019، قال فيه إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر، نتيجة تأثر الطبقات المتوسطة (الأهم في مصر) بإجراءات الإصلاح الاقتصادي.

ومنذ يوليو/تموز 2014، يدعو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المصريين في أكثر من مناسبة، إلى تحمل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، ويصفها بالدواء المرّ الذي لا مفر من شربه، وذلك عقب سلسلة من القرارات المتعلقة برفع أسعار الطاقة والوقود.

لكن المثير أن السيسي لا يتوقف رغم ذلك عن الإنفاق على مشروعات مثيرة للجدل، منها إنشاء تفريعة جديدة لقناة السويس وعاصمة إدارية في الصحراء شرق القاهرة، فضلا عن قصور رئاسية لا داعي لها في بلد يعيش شعبه هذا المستوى من الفقر.

مخاوف عالمية
وقالت الأمم المتحدة -في دراسة حديثة- إن "فيروس كورونا المستجد يهدد معيشة نحو 1.25 مليار عامل"، محذّرة من أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية.

كما حذرت منظمة أوكسفام الخيرية -ومقرها بريطانيا- من أن أزمة فيروس كورونا قد تلقي بنصف مليار شخص في العالم في براثن الفقر.

وتوقعت المنظمة حدوث زيادة في نسبة تتراوح بين 6% و8% في معدلات الفقر، مقارنة بمستويات عام 2018، في ظل الإغلاق الاقتصادي من جانب الحكومات للحد من تفشي وباء كورونا.

وفي دراسة جديدة، حذرت منظّمة العمل الدولية من أن تفشي فيروس كورونا المستجد، سيخفّض في الفصل الثاني من عام 2020 ساعات العمل عالميا بنسبة 6.7%، أي بما يوازي 195 مليون عامل بدوام كامل.

الهبوط الاضطراري للفقر
"في الوقت الذي كان يفترض أن يجني فيه المصريون ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي التي وعدت بها حكومتهم ومنها جذب الاستثمارات، فاجأت أزمة كورونا الجميع، وهربت الاستثمارات، ولم يبق سوى الدواء المر وكورونا"، هذا ما قاله رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة أحمد خزيم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح خزيم أن نسبة كبيرة من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي -أكثر من 40% من الاقتصاد المصري- سيتأثرون بشكل عنيف ما بين ضياع وهلاك مدخرات، وبالتالي فإن نحو نصف العمالة التي يحتويها ذلك الاقتصاد غير الرسمي سوف تهبط تلقائيا إلى طبقة الفقراء.

ومضى قائلا "أيا كانت الإجراءات الاحترازية التي سوف تتخذها كل دولة على حدة بحسب قدرتها الاقتصادية للتخفيف من حدة السقوط في الفقر، فإنها لن تتمكن من مد يد العون لتلك الطبقة الهاوية"، مشددا على أنه على الرغم من أهمية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية والبنك المركزي لدعم بعض القطاعات، فإنها غير كافية.

وطالب خزيم بالحفاظ على وجود الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لأن خروجها من السوق سيشكل كارثة، ويجب عدم التعلل بأن دعمها سيؤثر على خزينة الدولة لأن ذلك سيؤدي إلى اتساع طبقة الفقر على المدى القصير والمتوسط والطويل.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله "نحن أمام موجة جديدة من الفقر البالغ نحو 60% وفق الكثير من الدراسات والتقارير الدولية، وهو قابل للزيادة خاصة أن الإجراءات الحكومية لاحتواء المتضررين ضعيفة، وبالتالي نحن بحاجة للتكاتف لتقليل أثر الجائحة السلبي".

ورهن في حديثه للجزيرة نت توقف الأثر الاقتصادي لانتشار فيروس كورونا على الاقتصاد المصري، على طول الفترة الزمنية المتعلقة بالسيطرة على انتشار المرض.

وذهب ذكر الله إلى القول إن "تداعيات الوباء ستكشف حقيقة مزاعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي كان يهدف إلى رفع الدعم بالأساس، وتقليل المصروفات، وزيادة الضرائب، بدلا من الاهتمام برفع مستوى معيشة المصريين. بالتالي لم تكن الطبقات المتوسطة والفقيرة مستعدة أو قادرة على مواجهة جائحة كورونا وتداعياتها، فمن لم يسقط في الفقر بسبب برنامج صندوق النقد وبقي على الحافة، سيسقط بسبب كورونا".

المصدر : الجزيرة