العار والإهمال والرفض.. ثلاثية النكد تطارد مرضى كورونا بمصر

الخروج من المستشفى ليس مثل دخولها للمشتبه بإصابته بكورونا. (تصوير خاص ـ القاهرة ـ ابريل 2020 )
معاناة مرضى كورونا بمصر لا تقتصر على ألم المرض فقط، بل تمتد إلى النبذ الاجتماعي والإهمال في المستشفيات الحكومية (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

حينما شعرت المصرية الشابة ندى ببعض أعراض الإصابة بفيروس كورونا، لم يرعبها ذلك بقدر رعبها من أن تموت منبوذة موصومة بأنها ضحية كورونا، كما حدث مع بعض الحالات من قبل، "فتظل عائلتها مطاردة بهذا العار"، حسب تعبيرها. 

لم تجرب ندى الاتصال برقم الطوارئ الذي خصصته وزارة الصحة للإبلاغ عن حالات الاشتباه في الفيروس، فقد قرأت على مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا فائدة من الاتصال به، فضلا عن انزعاجها من فكرة أن يتم حملها أمام الجيران في سيارة إسعاف في ما يشبه الموكب الصحي البوليسي.

توافقت الشابة المصرية مع زوجها على الانتقال إلى المستشفى في تكتم، وأثناء الخروج من المنزل؛ جاهدت ندى طويلا كي تكتم سعالها، حتى لا ينتبه الجيران.

في أول مستشفى خاص توجها إليه، أخبرهما موظف الاستقبال أنهم لا يستقبلون حالات الأمراض الصدرية والتنفسية، ونصحهما بالتوجه إلى مستشفى الحميات الحكومية في منطقة إمبابة (شمال محافظة الجيزة)، وهو مع حدث أيضا في مستشفى أخرى.

وجد زوج ندى نفسه قريبا من مستشفى حكومي من النوع الذي يقدم خدماته مقابل أجر، فغامر بالدخول، وهناك استقبله موظف الأمن بلا كمامة ولا قفازات، وبلا قلق أيضا، لكن وسط ريبة بقية المرضى من سعال زوجته.

لم تمض دقائق حتى جاء طبيب شاب يضع كمامة ويرتدي قفازا، وسأل عن الأعراض ثم طلب أشعة على الصدر، وتحليل دم كامل، بيّنت أن متاعب الزوجة مجرد متاعب صدرية عادية، ووصف لها أدوية للصدر وتعافت بعدها، حسب حديثه للجزيرة نت.

يأتي هذا في وقت تقول فيه وزارة الصحة المصرية إن الكثير من الحالات المتوفاة بسبب كورونا تصل للمستشفيات متأخرة بعد تدهور شديد في الجهاز التنفسي، وهو ما يرجعه البعض إلى خشية الوصم الاجتماعي، فضلا عن عدم قيام الدولة بتوسعة نطاق الفحص، مع تدهور أوضاع المستشفيات الحكومية المنوط بها استقطاب الحالات المصابة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية مساء أمس الأحد ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا إلى 3144 حالة، منهم 732 تم شفاؤهم وخرجوا من مستشفيات العزل، و 239 وفاة. 


تجارب أخرى
أما سما، فقد شعرت بأهم أعراض كورونا، وهو ارتفاع درجة حرارتها بلا توقف، رغم استعمالها خوافض معروفة بقوة مفعولها وسرعة تأثيرها.

خشيت السيدة المصرية في البداية من التوجه لمستشفى الحميات لأسباب ندى نفسها، فتوجهت إلى طبيب أمراض باطنية أوصى لها بأدوية أخرى، ثم نصحها بالتوجه إلى مستشفى الحميات في حال استمرار الحرارة في الارتفاع.

لم تفلح الأدوية الجديدة في خفض الحرارة التي تخطت الأربعين، فحاولت الاتصال برقم الطوارئ، لكنها لم تتلق أي رد، كما قالت للجزيرة نت.

تحاملت سما على نفسها، وتوجهت إلى مستشفى حميات إمبابة، وخارج المستشفى وجدت مئات الأهالي ينتظرون ذويهم، وخطت نحو باب المستشفى بوهن واضح تطاردها نظرات الريبة من الأهالي، الذين افترشوا الأرض، وبعضهم بلا كمامات.

وبعد ذهابها للمستشفى تبين أن الأمر مجرد التهاب رئوي عادي تعافت منه بالأدوية، لكن سما ظلت ملاحقة بريبة أقاربها في حقيقة متاعبها، وحرصوا على الاحتفاظ بمسافة كبيرة بينهم وبينها عند اللقاءات، رغم تأكيداتها أن متاعبها لا علاقة لها بفيروس كورونا.

والأسبوع الماضي قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية إن وصمة العار الاجتماعية من كورونا تنتشر أسرع من الفيروس في مصر، ويقول التقرير إن كثيرا من المتعافين على مختلف ألوانهم وأطيافهم لن يُقروا بإصابتهم بالمرض خشية نبذهم.

وذكرت الصحيفة أن وصمة العار تلك المتزايدة من الإصابة بفيروس كورونا يمكن أن تترك أثرا طويل الأمد على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن وصمة العار هذه هي أحد أعراض فشل الحكومة في إيصال رسالتها، وهو ما يجعل البلاد الآن في أمس الحاجة إلى علماء النفس الاجتماعيين.

شهادة الأطباء
الجزيرة نت التقت طبيبين في القاهرة، تحدثا عن تفاصيل العمل اليومي بالمستشفيات الخاصة، فيما يخص مواجهة فيروس كورونا.

يقول الطبيب عمر إن هناك تعليمات من إدارة المستشفى بعدم استقبال أي حالات اشتباه بكورونا، مع نصح أصحابها بالتوجه لمستشفى الحميات ابتداء مهما كانت الأعراض غير مؤكدة.

ويلفت عمر إلى أن التعليمات لا تخص مستشفاه فقط، ولكن معظم المستشفيات تتبع التعليمات نفسها، خشية انتشار العدوى والاضطرار إلى غلق المستشفى، مضيفا أن "المسألة هنا تتعلق بخوف أصحابها من فقدان الربح نتيجة الإغلاق".

واتعظت إدارات المستشفيات الخاصة مما جرى لمستشفى تابع لإحدى جامعات أكتوبر (غرب القاهرة)، عندما استقبل حالة مشتبها في إصابته بكورونا، وتبين اختلاطها بـ22 من طاقم المستشفى، فجرى تنفيذ حجر صحي عليهم جميعا، مع ظهور أعراض على بعضهم، مما دفع المرضى للعزوف عنها.

أما الطبيب محمود الذي يعمل بمستشفى خاص، فيقول إن الوزارة تشدد على ضرورة استقبال المرضى المشتبه فيهم في أقسام الطوارئ تحت ضوابط مشددة، تخفيفا للضغط على مستشفيات الحميات، ويشير إلى أن كثيرا من الحالات المشتبه فيها لا تعدو كونها حالات التهابات رئوية، ويموت منها الآلاف سنويا بأكثر من ضحايا كورونا، مؤكدا أنه تجري يوميا فحوص على مئتي حالة التهاب رئوي في المتوسط.

ويوضح محمود أن الوزارة عممت "بروتوكولات" الفحص، التي تتضمن إجراء أشعة على الصدر وتحليل دم، وتظهر مؤشرات معينة تبين طبيعة الحالة.


شكوى الإهمال
يختلف الوضع في القرى عن العاصمة القاهرة، حيث استغاث أهالى بعض القرى بوزارة الصحة عقب فشل المصابين وذويهم في التواصل مع رقم الطوارئ.

ومع فشل محاولات بعض المشتبه بإصاباتهم الاتصال برقم الطواري، يضطر البعض للاستعانة بمعارف يوصلون شكاواهم لوزارة الصحة.

وشكا أهالي عدة قرى من عدم استجابة الحكومة بتوفير سيارات إسعاف للحالات، إذ أعيدت حالات مشتبه فيها من المستشفيات بدعوى أن الأمر لا يعدو كونه حالة نفسية وليست إصابة بكورونا، مثل قرية صفط تراب بالمحلة (شمال) وقرية الخرس بالشرقية (شرق الدلتا).

وبلغت نسبة الوفيات الكلية بمصر 7.5% من المصابين، وهي نسبة مرتفعة بالنسبة للمعدل العالمي، وبرر رئيس مكافحة العدوى بوزارة الصحة حسام حسني ارتفاع نسبة الوفيات بكثرة أصحاب الأمراض المزمنة.

وخلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، طالب ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور بتكثيف الكشف عن الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس، لافتا إلى وجود حالات توفيت قبل الذهاب إلى المستشفى.

كما دعا ممثل الصحة العالمية إلى ضرورة اتخاذ السلطات المصرية إجراءات أكثر صرامة بمواجهة تفشي فيروس كورونا في البلاد.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي