علماء بريطانيا غاضبون.. "لو أصغى لنا جونسون لما دخل العناية المركزة"

Britain's Prime Minister Boris Johnson visits a laboratory at the Public Health England National Infection Service in Colindale, north London, Britain, March 1, 2020. REUTERS/Henry Nicholls TPX IMAGES OF THE DAY
جونسون خلا زيارته مختبرا طبيا شمالي لندن الشهر الماضي (رويترز)

الجزيرة نت-لندن

وجدت الحكومة البريطانية نفسها في موقف لا تحسد عليه، وهي تواجه الانتقادات المتزايدة لطريقة تعاملها في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19.

وزادت حدة الضغط بعد أن انبرى عدد من العلماء والأطباء البريطانيين، للتعبير عن غضبهم من تباطؤ التحرك الحكومي للحد من انتشار الوباء، خصوصا بعد تسجيل بريطانيا مستويات قياسية في عدد الوفيات اليومية.

وجاء خروج عدد من العلماء المختصين في الأوبئة لانتقاد الحكومة البريطانية، التي كانت تحتمي دائما خلف مبرر "تنفيذ توصيات العلم والعلماء"، في إشارة للجنة العلمية الحكومية التي تضم عددا من كبار الأطباء، والتي يقودها السير باتريك فالانس، وهو أول من صرح بأن استراتيجية الحكومة هي تنفيذ سياسة "مناعة القطيع" قبل التراجع عن هذا القرار.

ويخشى عدد من العلماء البارزين في المملكة المتحدة أن تحملهم حكومة بلادهم كمشجب مسؤولية سوء تدبيرها للأزمة، خصوصا بعد صدور دراسة عن معهد القياسات الصحية والتقييم الذي توقع أن يكون الوضع في بريطانيا الأسوأ في كل أوروبا وأن يودي الوباء بحياة 66 ألف شخص.

ليس باسم العلم
ومن بين المسؤولين الصحيين السابقين في بريطانيا الذين خرجوا لتفنيد تصريحات الحكومة القائلة بأنها تتبع تعليمات العلماء، السير دافيد كينغ الذي شغل منصب المستشار العلمي للحكومة خلال الفترة ما بين 2000 و2007.

وأكد كينغ أن الحكومة فشلت في التعامل بشكل سريع مع الوباء، وأن تحركاتها كانت بطيئة جدا، وهو ما أدى لارتفاع عدد الوفيات في البلاد.

لندنيون بأحد شوارع العاصمة الشهر الماضي (الأناضول)
لندنيون بأحد شوارع العاصمة الشهر الماضي (الأناضول)

ويرى الخبير في الأوبئة أنه كان على الحكومة البريطانية أن تعلن حجرا صحيا شاملا مباشرة بعد إعلان تفشي الوباء في الصين، وكشف أنه أشرف بنفسه على تقديم تقرير للحكومة سنة 2006 يخبر فيه أنه في حال ظهور أي فيروس في العالم، فإن مدة انتشاره في بقية الدول هو ثلاثة أشهر، مستغربا من عدم تحرك الحكومة بسرعة رغم كل التوصيات العلمية التي كانت تقدم لها.

واستغرب المستشار العلمي الحكومي السابق، كيف أن الحكومة البريطانية لم تفعّل توصيات اللجان العلمية السابقة، ليخلص إلى أن كل يوم تأخرت فيه بريطانيا باتخاذ إجراءات العزل والحجر الصحي "تسبب في ارتفاع عدد الوفيات".

وتتزايد المطالب على الحكومة للكشف عن الأسماء التي تضمها المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ المعروفة باسم "سيج" والمكلفة بتقديم التوجيهات والتوصيات للحكومة، فمنذ بداية الأزمة لم يظهر إلا رئيسها السير باتريك فالانس.

واعتبر جون أشتون وهو مدير جهوي لقطاع الصحة العامة في بريطانيا، أن الحكومة تتعامل مع بعض علماء الأوبئة مثل "نصف آلهة"، معتبرا أنه يجب الاستماع لجميع التخصصات الطبية وعدم الاقتصار على عدد محدود من العلماء الذين ما زالت هويتهم غير معروفة وسرية.

وبلغة جازمة، تؤكد هيلين وارد وهي بروفيسورة الصحة العامة في جامعة "إمبريال كوليج"، أن الحكومة لم تطبق أبدا ما يقوله العلم.

وفي مقال مطول لها في صحيفة "غارديان"، تقول العالمة البريطانية إن طيلة 11 يوما من الشهر الماضي، تجاهلت الحكومة أفضل التوصيات الحكومية وإن رئيس الوزراء بوريس جونسون كان يمكن أن ينقذ نفسه من العناية المركزة لو طبق التوصيات العلمية.

وتستنكر وارد على السياسيين بصفة عامة والحكومة بصفة خاصة، كيف أنهم رفضوا الاستماع أو التحرك بناء على توصياتهم التي تقول إنه يجب تطبيق الحجر الصحي بشكل مبكر، وبعد ذلك توسيع شبكة الاختبارات، ثم متابعة الحالات المختلطة بالمصابين، وأخيرا العزل، "لكن السياسيين قرروا أنهم يعرفون أفضل منا".

وحسب الأرقام المتوفرة لدى جامعة "إمبريال كوليدج" فإن 1% فقط من المصابين كان سيلقى حفته لو أن الحكومة أغلقت للبلاد كليا يوم 12 من الشهر الماضي، وليس يوم 23، وهو ما دفع بريتشارد هورتون الباحث الطبي ورئيس تحرير صحيفة "لانسيت" الطبية المرموقة، لوصف تعامل بريطانيا مع وباء كورونا بكونه "فشلا جماعيا" من السياسيين ومن الذين يقدمون لهم الاستشارة.

وأمام كل هذه الانتقادات، لم يجد فالانس بدا من الإقرار بأن الحكومة كانت ناجعة في البداية في التعامل مع الأزمة، قبل أن تتراجع الأمور بسبب ضعف أعداد الفحص اليومي، وهذا راجع لفشل الصفقة التي عقدتها الحكومة البريطانية مع شركة صينية لاقتناء مليوني جهاز فحص سريع بقيمة 20 مليون دولار، وتبين أنها أجهزة غير فعالة.

تشديد أكثر
ورغم إعلان الحكومة تمديد الحجر الصحي لثلاثة أسابيع أخرى، فإن نسبة البريطانيين المطالبين بإجراءات أكثر صرامة في تزايد مستمر.

وحسب موقع الاستطلاعات الأكبر في المملكة المتحدة "يو كوف"، فإن 46% من البريطانيين يرون أن الإجراءات المفروضة حاليا من حكومة بلادهم غير كافية ويطالبون بإجراءات أكثر صرامة.

وهذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها نسبة المطالبين بتشديد إجراءات العزل، خصوصا بعد أن عبر أكثر من 60% بأنهم لن يشعروا بالأمان في حال اضطروا للخروج للعمل أو الشارع، إلا في آخر شهر يناير/كانون الثاني المقبل، في المقابل صرح 9% من المستجوبين أنهم تعودوا على حياة الحجر الصحي وليس لديهم أي مشكل في التأقلم مع الحياة الجديدة.

هذا التغيير في المزاج الشعبي البريطاني الذي كان يرى في السابق أن إجراءات الحكومة تعتبر كافية، مرده الارتفاع المستمر في عدد الوفيات بسبب كورونا، وأيضا ضعف أعداد الاختبارات اليومية.

المصدر : الجزيرة