ما بعد كورونا.. سور حديدي بين الأغنياء والفقراء ونظام عالمي مشوش
وفي هذا السياق، استعرضت مجلة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية آراء كل من آلان مينك، وهو أحد المبشرين بما يسمى"العولمة السعيدة"، ووزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين، بشأن النتائج المتوقعة لهذه الأزمة.
وفي المقابلة التي أجرتها سارة دانيال، بدأ مينك بالحديث عن الركود المتوقع بعد الوباء، قائلا إن الإجراءات التي اتخذتها الدول والبنوك المركزية قوية بشكل مذهل، وإنه لم يكن من الممكن تصورها قبل ثلاثة أشهر.
وأوضح مينك وهو مستشار سياسي ورجل أعمال أن أوروبا ستكون لديها خطة إنعاش اقتصادية بمجرد أن تخرج من فترة الصدمة هذه، وسيكون الأمر بسيطا جدا، بحيث ستنفق ما بين 10% و15% من الناتج المحلي الإجمالي، بتمويل من البنك المركزي الأوروبي، وهو ما لم تفعله بعد أزمة عام 2008 في حين استعاد الأميركيون به مسار النمو.
التعامل مع الأزمة
وأوضح الوزير أنه يتفق مع مينك في أنها لن تكون مدمرة بالضرورة، على الأقل بالنسبة للبلدان المتقدمة والمنظمة جيدا، مع أن كل شيء سيعتمد على القرارات المتخذة بعد الوباء.
وفيما يتعلق بالجهات التي أدارت الأزمة بشكل أفضل، قال فدرين إنه لا يزال من المبكر الحديث عنها، خاصة أنه لا أحد يعرف إلى متى ستستمر الأزمة، ومتى وكيف نخرج من الحجر، وهل سيكون ذلك على مراحل أم سيستغرق وقتا؟
ومع أن الوزير يميل -كما يقول- إلى أن الديمقراطيات لم تكن سيئة للغاية، فهو يعترف بأن سكان الدول الآسيوية أظهروا انضباطا كبيرا، سواء كانوا يعيشون تحت أنظمة استبدادية أم لا، وأوضح أن مسألة النظام السياسي تستحوذ على الأوروبيين لخشيتهم من أن تظهر القوة الصينية تفوقها في إدارة هذه الأزمة.
وفي تعليقه على الموضوع نفسه، قال مينك إن الدول الديمقراطية تقبلت إجراءات مذهلة من حيث الحرمان من الحريات، ولم تستحوذ عليها الروح الليبرالية السائدة على الديمقراطيات.
ولفت النظر إلى أن هناك حديثا عن التضامن الأوروبي وعن النموذج الآسيوي، ولكن لا أحد يتحدث عن الولايات المتحدة، التي تصرفت –حسب رأيه- في هذه الأزمة مثل دولة من العالم الثالث، ليس فقط بسبب موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشوش، ولكن لأن عشر ولايات منها حتى اليوم ليس فيها حجر.
وعن تجاوب فرنسا مع الوباء، قال مينك إنه لا بد من انتظار أن ينقشع الغبار حتى يتضح ما هو سيئ وما هو جيد من تصرفات الحكومة، إلا أنه "في المجال الاقتصادي الذي أعرفه، رد فعل فرنسا وأوروبا كان جيدا".
ستار حديدي بين الأغنياء والفقراء
وعند سؤاله هل سيؤدي هذا الوباء إلى تصحيح عيوب العولمة والتمويل المفرط للاقتصاد؟ رد مينك بأن هناك أربعة عوامل للعولمة، فأما العولمة الرقمية فستخرج من الوباء وهي أقوى، وأما العولمة المالية فستظل دون تغيير، كما أن رأس المال سوف يتدفق دائما بحرية كما كان، في حين أن عولمة المنتجات وتنقل الحاويات ستستمر ولكن بطريقة محدودة قليلا، لأن البلدان لا تريد بعد الآن أن تعتمد على منتجات معينة ولا على مصدر واحد للإمداد.
أما عولمة البشر، فستكبح بشكل دائم، ولكن العالم الذي يتدفق فيه رأس المال بحرية لن يتغير جذريا، وقد نعود إلى نظام ديمقراطي اجتماعي أكثر، لكن النظام الرأسمالي لن يختفي لأنه لا يوجد بديل.
وفي هذه النقطة، لا يرى فدرين أن الأمور ستعود كما كانت قبل الوباء، ولا أحد يرغب في ذلك، لأن العديد من الأشياء التي يقال إنها "طبيعية" لم تكن كذلك، مشيرا إلى أن الناس أصبحوا مدركين لأخطار العولمة، "أنا أؤمن بعودة معينة إلى الهيكلة الإقليمية للإنتاج لأسباب تتعلق بالسلامة والبيئة".
واتفق الرجلان على أن هذه الأزمة أظهرت الفجوة بين عالم العمل المادي وعالم العمل الرقمي، وإن اختلفا في مكافآتهما، بحيث يرى مينك أن غياب القوى النقابية عن إدارة الأزمة لا يساهم في إعادة تقييم الأجور وتصحيح الخلل، في حين رأى فدرين أن الأزمة أعادت اكتشاف المهن الأساسية والأجور الضعيفة لأمثال الممرضين، وأن عدم تصحيح ذلك سيكون عواقب سياسية.
توازنات جيوسياسية
وأكد الوزير أنه لن يكون هناك حل وسط إستراتيجي بعد الأزمة، ولكن ستكون هناك هدنة مؤقتة بين الولايات المتحدة والصين بسبب تشابك علاقاتهما.
ورغم أن الولايات المتحدة أبدت سأمها من دور شرطي العالم، بشكل بارع مع الرئيس السابق باراك أوباما وبشكل مبتذل مع ترامب، فإن جزءا من العالم لا يزال متشبثا بدور أميركا وقيمها المسيحية، فإن هذا الوباء قضى على آخر تلك الأوهام.
وفي هذا الموضوع، أبدى مينك تفاؤله لاعتقاده أن الوباء غير نظرة ألمانيا تجاه الصين على المستويين الكلي والجزئي، وأصبحت تدرك الحاجة إلى منع الصينيين من التسوق في المجال الاقتصادي الأوروبي.
وختم فدرين بأن فكرة إعادة إطلاق الثنائي الفرنسي الألماني غير فعالة، إلا إذا دخل حزب الخضر واقعيا للمشاركة في السلطة بألمانيا، فإن ذلك قد يكون مناسبة لانتعاش جديد.