عبر انتفاضة رقمية.. هكذا أحيا الفلسطينيون يوم الأرض

طفلة فلسطينية ترفع العلم الفلسطيني من شباك نافذة منزلهم بمدينة نابلس- الضفة الغربية
طفلة ترفع العلم الفلسطيني من شباك نافذة منزلها في مدينة نابلس (الجزيرة)
عاطف دغلس-نابلس
 
في منزله بمدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، يُواصل القيادي الفلسطيني سليمان فحماوي آخر تحضيراته لإحياء فعاليات الذكرى 44 ليوم الأرض الفلسطيني.
 
وعبر العالم الافتراضي وتحت وسم "#خليك_في_البيت"، أطلق الفلسطينيون -اليوم الاثنين، في مختلف مناطق وجودهم في الضفة الغربية والقدس وغزة والداخل المحتل- فعالياتهم المتنوعة لإحياء يوم الأرض، منعا للإصابة بفيروس كورونا.
 
تنتاب فحماوي رئيس جمعية الدفاع عن المهجرين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، غصة وهو يضع اللمسات الأخيرة رفقة نظرائه من القيادات والشخصيات الفاعلة، فهذه المرة الأولى التي يُحيون فيها فعالياتهم "رقميا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس بمسيرات ومظاهرات على أرض الواقع.
 
سيكون الخيار "صعبا" أمام الناشط فحماوي كالفلسطينيين جميعا، فمسيراتهم الجماهيرية سيحل مكانها في الخامسة من مساء اليوم فعالية لرفع العلم الفلسطيني عبر الشرفات والنوافذ، وستصدح حناجرهم بصوت واحد على وقع أغنية "موطني".
خالد منصور القيادي في المقاومة الشعبية أثناء تصديه لجنود الاحتلال في إحدى الفعاليات بنابلس (الجزيرة)
خالد منصور القيادي في المقاومة الشعبية أثناء تصديه لجنود الاحتلال في إحدى الفعاليات بنابلس (الجزيرة)

الرسالة

وسيترك لكل شخص آلية التضامن وإحياء الذكرى "رقميا" بالشكل الذي يراه، سواء برفع العلم الفلسطيني في الصور الشخصية أو إقرانه بصور "السلفي"، وإطلاق الوسوم المختلفة لإحياء الذكرى.
 
يقول فحماوي للجزيرة نت والحزن يظهر في نبرات صوته إن هذا أقل ما يمكنهم فعله تضامنا مع أرضهم، وهو "أضعف الإيمان" في ظل الحجر الصحي والإغلاق الذي تفرضه إسرائيل منعا لانتشار فيروس كورونا.
 
ويرى أن إحياءهم ليوم الأرض بأي شكل يؤكد وحدة الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وهو رسالة واحدة من أكثر من مليون وستمئة ألف فلسطيني لإسرائيل وأذرعها الأمنية، أنهم "شعب واحد صامد فوق ما تبقى من أرضه وإعادة ما صودر منها".
 
وكي لا يجعلوه يوما عابرا، سينطلق الفلسطينيون في الداخل، إذا ما أتيح لهم التنقل وعبر مجموعة لا تزيد على عشرة أشخاص، لوضع أكاليل الزهور على نصب الشهداء الذين ارتقوا في يوم الأرض ودفاعا عنها، في المدن والبلدات الرئيسية، ولا سيما عرَّابة البطّوف وسخنين ودير حنا وغيرها من البلدات.
 
دوار الشهداء وسط نابلس حيث يشهد سنويا فعاليات يوم الأرض، خال من الناس بفعل حظر كورونا (الجزيرة)
دوار الشهداء وسط نابلس حيث يشهد سنويا فعاليات يوم الأرض، خال من الناس بفعل حظر كورونا (الجزيرة)

الغاء الفعاليات

وألغيت فعاليات وأنشطة اعتاد الفلسطينيون على تنظيمها إحياء ليوم الأرض، كإطلاق المسيرات للأراضي المهجرة والمهددة بالمصادرة لتعزيز التواصل معها والتظاهر بمناطق الاحتكاك والمواجهة مع الاحتلال، كالحواجز العسكرية والمستوطنات وجدار الفصل.
 
وأوقفت كذلك أنشطة غير منهجية في المدارس والجامعات وندوات تثقيفية وسياسية وأخرى أرجئت لقادم الأيام، ونفذ بعضها بشكل فردي وليس جماعي، كزراعة الأشجار ودعم صمود المواطنين داخل أراضيهم المهددة، واستعيض عن كل تلك الأنشطة بفعاليات إلكترونية لا تقل أهمية وتحت وسوم #خليك_بالبيت و#يوم_الأرض و#ارفع علمك.
 
تعود أحداث يوم الأرض لعام 1976، وهو يوم رفض فيه الفلسطينيون داخل الخط الأخضر تكرار سيناريو نكبتهم عام 1948 بمصادرة دولة الاحتلال أرضهم عنوة وعبر قوانين عنصرية، فهب الآلاف مدافعين عن أرضهم واستشهد 13 فلسطينيا في الداخل، ثم امتد نطاق المواجهات للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. 
شبان يجلسون أسفل سارية علم فلسطيني رفع فوق أراضيهم التي هددها الاحتلال بالمصادرة في بلدة بيتا جنوب نابلس  (الجزيرة)
شبان يجلسون أسفل سارية علم فلسطيني رفع فوق أراضيهم التي هددها الاحتلال بالمصادرة في بلدة بيتا جنوب نابلس  (الجزيرة)

عالمان

وهذا الحراك والاحتكاك المباشر مع الاحتلال -وفق عضو لجنة التنسيق الفصائلي في مدينة نابلس بالضفة الغربية عماد اشتيوي- لن يتوقف، وسيتواصل عبر المقاومة الشعبية بكل أشكالها، خاصة في المناطق التي يتهددها الاستيطان، ولا سيما الأغوار الفلسطينية.
 
ويقول اشتيوي للجزيرة نت إن هذا لا يلغي تصدي الفلسطينيين "فرديا وضمن آليات السلامة العامة" لهجمات المستوطنين الذين اخترقوا حظر التجوال، واستغلوا غياب المواطنين وصعَّدوا هجماتهم.
 
ويضيف اشتيوي: لكن، وبفعل ظروف كورونا، سينتفض الفلسطينيون في السابعة مساء "إلكترونيا" بشعارات موحدة ليوم الأرض، وستعلو الأعلام أسطح المنازل وعبر النوافذ وفوق "مراكز الطوارئ" التي أعدت لمعالجة المصابين بكورونا، فضلا عن بيانات القوى والفصائل التي تتوحد رسالتها "في التمسك بالأرض وبالثوابت الفلسطينية".
 
وسيعزز رسالة هذه الفصائل المؤتمر الصحفي المزمع عقده ظهر اليوم في مدينة غزة إحياء ليوم الأرض، بعد أن ألغيت فعالية "مسيرات العودة"، وسيتم وفق بيان للهيئة الوطنية لمسيرات العودة ومواجهة الصفقة وقف حركة السير خمس دقاق في القطاع، يليها إطلاق حملة تعقيم عامة للشوارع هناك.
 
ولا تُخلِّد ذكرى يوم الأرض لمناسبة عابرة، بل تُذكر الفلسطينيين في الداخل المحتل بأن ما تبقى لهم من 93% من أراضيهم قبل احتلالها عام 1948، لم يعد يتجاوز 3.5%، أي حوالي 700 ألف دونم (الدونم يعدل ألف متر مربع) فقط.
 
وهو الظلم ذاته الذي تجرَّعه الفلسطينيون -ولا يزالون- في المناطق المحتلة عام 1967، والذي لن يبقي لهم من 22% مما اتفق عليه في أوسلو سوى 10% أو أكثر بقليل من أراضيهم بالضفة الغربية المقدرة بـ5654 كيلومترا مربعا، ولا سيما في ظل عمليات الضم والتوسع التي تمارسها إسرائيل إسقاطا لصفقة القرن.

كل الأرض
لهذا فإن إسرائيل وبكل ممارساتها العنصرية المتمثلة بتهويد الأرض وتهجير أصحابها، تعيد الفلسطينيين -كما يقول السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي- لحل "الدولة الواحدة"، والتي ستكون دولة الفلسطينيين الديمقراطية لكل أهلها.
 
ويقول البرغوثي للجزيرة نت إن مصادرة الأرض وأخذ ملكيتها هي مجرد أوراق ستتغير عندما يتغير ميزان القوى، وأن توحد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأماكن وجوده لإحياء يوم الأرض، يجب أن يكون "نبراسا لإعادة توحيد كل الطاقات الفلسطينية، بهدف بناء إستراتيجية وطنية بديلة لما فشل ولتغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني".
 
ورغم شعوره "السيئ" بغياب هذه الفعاليات ليوم الأرض، فإن القيادي فحماوي يرى أن "المحنة" ستتحول إلى "منحة" عبر منصات التواصل الاجتماعي بتوحدها وعظيم أثرها، والشعور ذاته دفع خالد منصور أحد أبرز قيادات المقاومة الشعبية بالضفة الغربية للبدء منذ ساعات مساء أمس، بنشر صوره ومشاركاته السابقة بيوم الأرض عبر صفحته على فيسبوك، وكتب قائلا: "طول ما الروح في الجسد ما راح نترك البلد". 
المصدر : الجزيرة