منع البناء بمناطق "ب".. إسرائيل تبسط هيمنتها على الأرض

عاطف دغلس-الضفة الغربية/ترمسعيا

على مرمى حجر من أرضه، وقف الحاج نائل الكوك (أبو غسان) تنتابه الحسرة وهو يشاهد عمالا يقلمون أشجار العنب المزروعة رغما عنه في أرضه التي غُصبت منه بالقوة، وتحولت بين ليلة وضحاها لمزارع للمستوطنين يفلحونها ويجوبونها شرقا وغربا.

في بلدة ترمسعيا (وسط الضفة الغربية)، حيث ينحدر أبو غسان تتسارع وتيرة الاستيطان وتتسارع معها آخر قرارات وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينت، التي وصفت بأنها "سابقة خطيرة" بمنع الفلسطينيين من أي بناء أو تأهيل لأراضيهم في المناطق المصنفة "ب"، وفق اتفاق أوسلو، وتتبع إداريا السلطة الفلسطينية.

تحطمت آمال الحاج أبو غسان، وأوقف حلمه ببناء سكني أو استثماري في أرضه، فقد استولى المستوطنون على أرض ثانية له قبل سنوات، مستغلين غيابه عنها وسفره لأشهر قليلة، وقاموا بضمها لمستوطنة شيلو الجاثمة منذ أكثر من ثلاثة عقود فوق ترمسعيا والقرى المجاورة.

شعرنا بغصة تختلج صدر الحاج السبعيني أبو غسان وهو يقودنا لأرضه المصادَرة، ثم أخذ يسرد اعتداء مجموعة من المستوطنين وجنود الاحتلال حين هاجموه فيها قبل ست سنوات، وأرغموه على القول خلال التحقيق معه أنه جاء ليفعل أي شيء إلا أن يقول "إنه كان في زيارة لأرضه".

والآن وبعد سنوات من المصادرة الأولى، يأتي الإنذار مبكرا لأبي غسان ويمنعه وآخرين من القيام بأية مشروع في أرض السهل شرقي البلدة، بادعاء قربها من مناطق أمنية (المستوطنات).

حصار مطبق
يقول أبو غسان بنبرة تعكس قهرا وقلة الحيلة إن قرار بينت ربما يستهدف مباشرة ستة دونمات (الدونم يعدل ألف متر مربع) من أرضه في السهل، لكن خطره يحدق بـ150 دونما يملكها في مناطق "ب"، وهو ما ترجمه المستوطنون فعليا وزحفوا نحو الأرض بتشييدهم بؤرة جديدة امتدادا لمستوطنة "شيلو"، وصعّدوا هجماتهم ضد الأهالي.

‪البؤرة الجديدة التي شيدها المستوطنون فوق أراضي السهل الشرقي في ترمسعيا والتي تهدد مناطق
‪البؤرة الجديدة التي شيدها المستوطنون فوق أراضي السهل الشرقي في ترمسعيا والتي تهدد مناطق "ب" بالكامل‬ (الجزيرة)

وينص قرار الوزير بينت الذي نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن البناء في المنطقة "المتاخمة" للمستوطنات بغض النظر عن مسمياتها "ج" أو "ب" يُهدد أمن الجيش الذي "يفتقد للموارد المالية والبشرية لمواجهة التحديات الأمنية المستجدة"، فضلا عن أن توسع البناء الفلسطيني في نظره معناه السيطرة على الأرض.

عام 1976 شيَّد الاحتلال أولى مستوطناته وتدعى "شيلو" فوق أراضي ترمسعيا والقرى المجاورة، ثم أتبعها بأربع مستوطنات وبؤر استيطانية يقطنها غلاة المستوطنين.

تتوسع تلك المستوطنات -حسب سعيد طالب رئيس مجلس بلدي ترمسعيا- كل يوم في حين يُقيدون هم بمخطط هيكلي مساحته 3700 دونم من أصل مساحة القرية الإجمالية البالغة 18 ألف دونم.

وتقسم ترمسعيا إلى مناطق "ب"، وتتبع إداريا السلطة الفلسطينية، وتقدر مساحتها بـ11 ألف دونم، ولكنهم كبلدية لا يملكون صلاحيات كاملة فيها، كمنح تراخيص بناء أو غيره إلا للأراضي الواقعة ضمن المخطط الهيكلي، و"ج" وتتبع إداريا وأمنيا للاحتلال وتزيد على سبعة آلاف دونم.

وباعتبار أن مناطق "ب" هي الدائرة الضيقة التي يمكن للفلسطينيين التحرك فيها، فإن قرار الوزير بينت سيضيق الخناق عليهم، ويقطع اتصالهم بأرضهم تمهيدا لضمها للمستوطنات.

‪على مقربة من أرضه وقف الحاج أبو غسان يتحسر وهو ينظر إلى حالها بعد الاستيطان عليها‬  (الجزيرة)
‪على مقربة من أرضه وقف الحاج أبو غسان يتحسر وهو ينظر إلى حالها بعد الاستيطان عليها‬  (الجزيرة)

ويقول طالب للجزيرة نت -مشيرا بيده لمخطط قريته على الخارطة- إن الاحتلال بدأ بأراضي السهل البالغة ثلاثة آلاف دونم، تقسم مناصفة بين "ب" و"ج"، ويضيف أن الاحتلال يحظر البناء تلقائيا في "ج"، وجاء الآن دور "ب"، وهو ما يعني أن الخطر يهدد المنشآت البعيدة عن المستوطنات، وإن كانت مصنفة ضمن مناطق "ب"

تصريح مسبق
في تقسيماتها وفق اتفاقية أوسلو الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1993 تحولت أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية لـ"أ"، وتقدر بنحو 18%، والخاضعة إداريا وأمنيا للسلطة الفلسطينية و"ب"، والبالغة 22%، وخاضعة إداريا للسلطة وأمنيا للاحتلال، في حين أبقت إسرائيل على 62% من الأراضي ضمن مناطق "ج"، لكنها في الواقع تستبيح كل شيء دون رادع.

وعلى مقربة من ترمسعيا تواجه بلدة قريوت (جنوب نابلس) ومزارعوها حظرا إسرائيليا يمنعهم من الوصول لأراضيهم المصنفة "ب" ويعمل على تحويلها لمنطقة "تنسيق أمني" أي أن دخولها يتطلب إذنا مسبقا من جيش الاحتلال.

ويقول بشار القريوتي الناشط ضد الاستيطان في قريوت للجزيرة نت إن الجنود الإسرائيليين وحراس أمن المستوطنات وتنفيذا لقرار بينت طردوا المزارعين من أرضهم قبل يومين.

وإذا طُبق قرار الاحتلال في قريوت، فإن أكثر من سبعمئة دونم مصنفة "ب" ستضم 19 ألف دونم –من أصل مساحة القرية البالغة 22 ألف دونم- تصنف بأنها "ج" الخاضعة لسيطرة الاحتلال، وبالتالي لن يتبقى إلا أقل من ألفي دونم، هو "مخطط القرية الهيكلي".

‪حسب قرار وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينت ربما تتوسع التهديدات وتطول مناطق
‪حسب قرار وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينت ربما تتوسع التهديدات وتطول مناطق "ب" خارج المخطط الهيكلي وتنذرها بوقف البناء أو الهدم‬ (الجزيرة)

لا يملك الفلسطيني في مواجهة هذه القرارات إلا التصدي لها مباشرة وإثبات وجوده فيها بإعمارها بكل الأشكال ثم التقدم بشكاوى للجهات المعنية رفضا لقرار الاحتلال.

تفريغ الأرض
في رأي الخبير الفلسطيني في قضايا الاستيطان صلاح الخواجا فإن قرار بينت هدفه الحد من التوسع العمراني الفلسطيني، خاصة في مناطق "ب" القريبة من الاستيطان والجدار، وبالتالي التضييق على الفلسطينيين ومحاصرتهم.

واعتبر الخواجا في حديثه للجزيرة نت أن ذلك "تجاوز" لاتفاقية أوسلو وضرب بعرض الحائط لبنودها إداريا وأمنيا، وإفراط في استباحة مناطق "أ" التي يواصل اقتحامها والهدم فيها كما يفعل بمنازل الأسرى والشهداء.

وكل ذلك "لتفريغ هذه المناطق من الوجود الفلسطيني" للسيطرة الكاملة عليها وخلق بيئة آمنة للمستوطنين في المناطق المحاذية للجدار والمستوطنات والبؤر الاستيطانية.

أسعفتنا مركبة الدفع الرباعي التي كانت تقلنا في جولة قرب أرض الحاج أبو غسان في السهل الشرقي لبلدة ترمسعيا بالخروج على عجل قبل أن يهاجمنا المستوطنون، فقد كثفوا في الآونة الأخيرة اعتداءاتهم.

المصدر : الجزيرة