هل تخاطب مصر نفسها في أزمة سد النهضة وتنفرد إثيوبيا بملئه؟

يخشى المصريون ان من منع وصول مياه النيل اليهم بالكميات الكافية اذا ما رفضت توصيله لاسرائيل. (تصوير خاص نهر النيل ـ القاهرة ـ ارشيف ).
يعتقد بعض المصريين أن السلطة الحالية تهمل القضايا المصيرية مثل مياه النيل وتنشغل بأمور أخرى (الجزيرة)

محمد عبد الله-القاهرة

منذ إعلانها فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا والوصول إلى طريق مسدود والمطالبة بوسيط دولي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والقاهرة لا تكف عن إصدار البيان تلو الآخر حتى مع غياب الطرف الرئيسي الآخر في التفاوض وهو إثيوبيا.

ودأبت البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية المصرية على تأكيد الالتزام بالحل الدبلوماسي والمسار التفاوضي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، حيث تعتمد مصر على النيل لتأمين 95% من حاجاتها المائية.

ورغم توخي السلطات المصرية الحذر الشديد واتباعها لغة دبلوماسية مفرطة وانتقائها المفردات بحرص في الحديث عن إثيوبيا وعن مسار المفاوضات ومخرجاتها ونتائجها والنداءات المتكررة بعدم الإضرار بمصالح الآخرين، فإنها لم تلق آذانا صاغية لدى الطرف الآخر، وبدت كأنها تخاطب نفسها. 

ضربة إثيوبية
وبعد ساعات من توقيع مصر بمفردها بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح أثناء مشاركتها في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي 27 و28 فبراير/شباط الماضي، وتطلعها إلى "أن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت"؛ جاء الرد الإثيوبي صادما. 

فقد قالت وزارة الخارجية الإثيوبية -في بيان لها- إن "النص الذي قيل إن مصر وقعته بالأحرف الأولى في العاصمة الأميركية واشنطن، ليس محصلة المفاوضات ولا المناقشات الفنية والسياسية للدول الثلاث"، معربة عن "خيبة أملها" من بيان وزارة الخزانة الأميركية بشأن السد. 

وأعلنت إثيوبيا -مساء السبت- عدم مشاركتها في أي مفاوضات بشأن سد النهضة "من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية للبلاد"، مشيرة إلى أنها ستبدأ ملء خزان السد على النيل الأزرق مع استكمال عمليات البناء. 

وأبدت وزارة الخزانة الأميركية -في بيان لها- معارضتها بدء ملء السد دون إبرام اتفاق بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، مشيرة إلى قلق دولتي المصب من العمل غير المكتمل على التشغيل الآمن للسد، والحاجة إلى تنفيذ جميع تدابير السلامة اللازمة للسدود وفقا للمعايير الدولية قبل بدء الملء.

السيسي (يسار) أعطى إثيوبيا الغطاء القانوني لإقامة السد بتوقيعه اتفاق المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا (الفرنسية)
السيسي (يسار) أعطى إثيوبيا الغطاء القانوني لإقامة السد بتوقيعه اتفاق المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا (الفرنسية)

مصر ملتزمة
خبير المياه في الأمم المتحدة أستاذ الموارد المائية أحمد فوزي، استبعد أن "تمضي إثيوبيا قدما في ملء بحيرة السد دون التوصل لاتفاق، وهو ما أكد عليه وزير الخزانة الأميركية، مشيرا إلى أنها لم ترفض الاتفاق". 

وأكد في حديثه للجزيرة نت أن مصر ملتزمة بالمسار الدبلوماسي حتى يعلن الآخرون عدم التزامهم به، معربا عن أمله في أن تعود إثيوبيا للمفاوضات لحل الأمور بشكل ودي وسلمي، وإلا فليس أمام مصر سوى نقل الملف إلى مجلس الأمن. 

وأضاف أن الجانب الإثيوبي لن يجد مصريا واحدا -مهما كان توجهه وانتماؤه السياسي- يوافق على نقص حصة مصر من المياه، وتصور إثيوبيا أن بإمكانها تجاهل الجميع والمضي قدما في ملء خزان سد النهضة دون اتفاق الجهات الثلاث إنما هو أمر مرفوض، وهو بمثابة إعلان منها برفض حل القضية سلميا.

إما الاتفاق أو تخريب السد
وصف السفير عبد الله الأشعل -المساعد الأسبق لوزير الخارجية- الموقف المصري "بالسيئ، ولا يرقى إلى مستوى المسؤولية منذ بدء مواجهة أزمة سد النهضة بشكل دبلوماسي"، مشيرا إلى "وجود تفاهمات إثيوبية إسرائيلية أميركية لحرمان مصر من حصتها في مياه النيل".

ودلل على حديثه في تصريحات للجزيرة نت بأن إثيوبيا تسير في موضوع سد النهضة على خط مستقيم وتصاعدي تصادمي، وليس أدل على ذلك من إعلانها أنها ستبدأ ملء السد بالتوازي مع استكمال عملية البناء، وتحويل مياه النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بنحو 85% من موارده المائية.

ورأى أن المفاوضات ليست دليلا على وجود تسوية، فالدول المتحاربة تدخل في مفاوضات، لكنها طريق للتواصل بين الأطراف المتعادية، وليس أمام مصر مع حرمانها من حصتها البالغة 55 مليار متر مكعب سوى تخريب السد بأي وسيلة، حتى لا تموت حرفيا وتختفي أراضيها الزراعية من الخريطة. 

محمد السيد رمضان: إثيوبيا تماطل وتُسوّف لكسب الوقت وفرض شروط جديدة (مواقع التواصل)
محمد السيد رمضان: إثيوبيا تماطل وتُسوّف لكسب الوقت وفرض شروط جديدة (مواقع التواصل)

مصر تخاطب نفسها
أما المحلل السياسي محمد السيد رمضان فيرى أن مصر تخاطب نفسها فعلا في ظل فقدان كافة أوراق الضغط على إثيوبيا التي لا تلتفت إلى أي مفاوضات من أي نوع مع أي طرف في أي مكان، مشيرا إلى أن "إثيوبيا تماطل وتُسوّف في التوقيع لكسب مزيد من الوقت لتفرض شروط جديدة". 

ولم يستبعد في حديثه للجزيرة نت أن يستغل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورقة سد النهضة -مع اقتراب الانتخابات الداخلية- لكسب المزيد من التأييد الشعبي، من خلال فرض شروط إثيوبيا بشأن قواعد ومراحل ومدة ملء وتشغيل السد، وهذا سيكون كارثة على الشعب المصري الذي دخل مرحلة الفقر المائي قبل بدء الملء. 

ورأى رمضان -الذي يقيم في فرنسا- أن توقيع مصر على اتفاق إعلان المبادئ بشأن مشروع سد النهضة يوم 23 مارس/آذار 2015، والذي بموجبه اعترفت مصر بحق إثيوبيا في بناء السد؛ منح إثيوبيا الضوء الأخضر في الإسراع باستكمال بنائه، واعتماد الاتفاقية كوثيقة رئيسية في تجاهل ما تلاها من مفاوضات.

المصدر : الجزيرة