تواجه معارضة صلبة.. هل تصمد حكومة تونس الجديدة أمام إكراهات الواقع؟

حكومة إلياس الفخفاخ تنال ثقة البرلمان التونسي
الفخفاخ يعوّل بعد نيله الثقة على حزام حزبي داعم له (الجزيرة)

آمال الهلالي-تونس

استطاعت حكومة إلياس الفخفاخ أن تتجاوز عقبة البرلمان بعد ماراثون شاق من المفاوضات بين الأحزاب، لكنها تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة، ومعارضة قوية تزيد من تعقيد مهمة رئيسها.

وصوّت نواب البرلمان خلال جلسة استمرت أكثر من 10 ساعات على منح الثقة للحكومة بـ129 صوتا واعتراض 77 نائبا، وتحفظ نائب واحد، من جملة 217. 

ويعول الفخفاخ بعد نيله الثقة على حزام حزبي داعم له في مقدمته حركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية (54 مقعدا) والتيار الديمقراطي وحركة الشعب (يسار اجتماعي وقومي 41 مقعدا) وتحيا تونس (ليبرالي 14 مقعدا)، لكنه يواجه أيضا معارضة صلبة مكونة من "قلب تونس" (38 مقعدا) و"ائتلاف الكرامة" (19 مقعدا) و"الدستوري الحر" (17 مقعدا).

وفي أول تصريح له بعد نيل حكومته الثقة، أقر الفخفاخ بصعوبة التحديات التي تنتظره، لكنه شدد على أن الإرادة موجودة في إطار التعاون مع باقي مؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية، معربا عن أمله في أن يتجاوز الجميع الحسابات الضيقة.

وتوجّه رئيس البرلمان راشد الغنوشي بالتهنئة لرئيس الحكومة الجديد، معتبرا أن نتيجة التصويت تعد "مشرفة" بعد مسار من التجاذبات السياسة، مقرا بوجود خشية سابقة من أن لا تنال الحكومة العدد اللازم من الأصوات التي تضمن مرورها.

ومنذ أيام وقعت الأحزاب والائتلافات المكونة لحكومة الفخفاخ على "مذكرة تعاقدية"، تتضمن البرامج الكبرى لحكومة الفخفاخ، وتتكون من 16 نقطة، تتعلق في مجملها بعمل الحكومة خلال الخمس سنوات القادمة وأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

‪الفخفاخ خلال جلسة منح الثقة لحكومته‬ (الجزيرة)
‪الفخفاخ خلال جلسة منح الثقة لحكومته‬ (الجزيرة)

إجراءات مستعجلة
وأشار الفخفاخ خلال الكلمة التي أعقبت منحه الثقة فجر الخميس، إلى ثماني أولويات وصفها بالعاجلة والحارقة ستسعى حكومته لتنفيذها، تتعلق أساسا بمقاومة الجريمة وغلاء الأسعار وإنعاش الاقتصاد ومحاربة الفساد والبطالة.

وأقر غازي الشواشي وزير أملاك الدولة في حكومة الفخفاخ في حديثه للجزيرة نت بصعوبة المهمة المنوطة بهم في ظل ما وصفه بواقع اقتصادي واجتماعي هش ومؤلم وانتظارات كبيرة من الشعب، لكنه أكد بالمقابل مضي رئيس الحكومة في تذليل هذه العقبات.

ولفت الشواشي إلى أنه من واجب هذه الحكومة التحلي بالشجاعة والقيام بإصلاحات تتعلق بالأمن، وتحسين القدرة الشرائية للتونسيين، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة.

وعن الجدل المتعلق بالتركيبة الوزارية لحكومة الفخفاخ التي تحمل في طياتها تناقضات في البرامج خصوصا فيما يتعلق بخصخصة مؤسسات الدولة وقروض صندوق النقد الدولي، لم يخف الوزير وجود مثل هذه الهواجس، لكنه أوضح أن هذه التركيبة هي نتاج للنظام الانتخابي.

‪الشواشي أقر بصعوبة المهمة‬ (الجزيرة)
‪الشواشي أقر بصعوبة المهمة‬ (الجزيرة)

معارضة بناءة
من جانبه اعتبر القيادي في ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف أن حزبه اختار التموقع في المعارضة، لكنه استدرك بالقول في حديثه للجزيرة نت إنها ستكون معارضة وطنية وبناءة تستند على قوة الاقتراح.

وشدد على أن حزبه لن يتسامح مع حكومة الفخفاخ فيما يتصل بملفي الفساد وشهداء الثورة وجرحاها، إضافة إلى ملف الطاقات المتجددة وإصلاح منظومة العدالة.

بدوره، أكد القيادي في "قلب تونس" حاتم المليكي أن حزبه الذي قرر سابقا عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ سيلعب دور المعارضة الجادة ولن يتسامح في قضية "مقاومة الفقر" التي رفعها الحزب منذ حملته الانتخابية، ولم يجد لها أي أثر في برنامج حكومة الفخفاخ، وفق قوله.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن حزبه سيكون صارما في مراقبة أداء الحكومة الجديدة، وسيحاسبها دون هوادة، لافتا إلى أن سلاح المعارضة سيتعلق بالتوقيع على الميزانية القادمة من عدمه.

وختم "نحن نتعامل مع نبض الشارع، إذا أراد الشارع إسقاط هذه الحكومة وأقر بأنها فاشلة، نحن سنستجيب له من دون تردد، وبيننا وبينهم البرلمان".

‪الفرجاني اعتبر أن منح الثقة للفخفاخ ليس صكا على بياض‬  (الجزيرة)
‪الفرجاني اعتبر أن منح الثقة للفخفاخ ليس صكا على بياض‬  (الجزيرة)

مخاطر السقوط
ويرى كثيرون أن منح البرلمان الثقة لحكومة الفخفاخ لا يجعلها بعيدة عن خطر السقوط وسحب الثقة منها لاحقا من خلال تفعيل الفصل 97 من الدستور، والذي يمنح الكتل البرلمانية إمكانية التصويت على لائحة لوم مقدمة من ثلث أعضاء البرلمان.

ويشترط لسحب الثقة من الحكومة، بحسب الفصل ذاته، موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة، يتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة جديدة.

وفي هذا الصدد، اعتبر القيادي في حركة النهضة سيد الفرجاني أن منح حركة النهضة الثقة لحكومة الفخفاخ ليس صكا على بياض، معربا عن أمله في أن يتصرف الفخفاخ رئيس حكومة وليس وزيرا أول، وأن لا يتم التلاعب بفصول الدستور سواء من قبله أو من قبل رئيس الجمهورية.

وشدد في حديثه للجزيرة نت على أن النهضة ستراقب الفخفاخ ومدى احترامه للدستور وللنظام السياسي في الدولة القائم على سلطة البرلمان، مضيفا "إذا حاد الفخفاخ عن صفته رئيس حكومة وحاول أن يصبح وزيرا أول لرئيس الجمهورية سأعمل ما في وسعي لإسقاطه".

ومن المنتظر أن تؤدي حكومة الفخفاخ اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، ليتم على إثرها تسلم واستلام السلطة بين الفخفاخ ويوسف الشاهد.

المصدر : الجزيرة