الجزائر.. ما دلالات المقاطعة الواسعة لاستفتاء الدستور الجديد؟

الإقبال الشعبي على دستور 2020 يعد أضعف نسبة مشاركة تاريخية تشهدها المواعيد الانتخابية الجزائرية (الجزيرة)

أثارت المشاركة الضعيفة في انتخابات الاستفتاء على الدستور في الجزائر التساؤلات بشأن الأسباب التي دفعت لذلك، والتداعيات المحتملة على المشهد السياسي الحالي.

وتعتبر الرئاسة الجزائرية أن هذا التعديل الدستوري يمثل ثمرة أولى لبرنامج الإصلاح السياسي الشامل الذي تعتمده، وأن التعديلات المنجزة تؤسس لـ"جزائر جديدة".

وفي آخر رسالة له من مشفاه بألمانيا بمناسبة الذكرى الـ66 لثورة التحرير، قال الرئيس عبد المجيد تبون "إن الشعب الجزائري سيكون مرة أخرى في موعد مع التاريخ من أجل التغيير الحقيقي المنشود يوم أول نوفمبر/تشرين الثاني من خلال الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور من أجل التأسيس لعهد جديد يحقق آمال الأمة في دولة قوية عصرية وديمقراطية"، فهل جاءت النتائج في مستوى تطلعات السلطة الجديدة بعد حراك 22 فبراير/شباط؟

وأعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية لاستفتاء التعديل الدستوري المعروض على الجزائريين، في انتظار دراسة وترسيم مجريات الاستفتاء من طرف المجلس الدستوري في غضون 10 أيام.

وبلغ الإقبال الشعبي على دستور 2020 أضعف نسبة مشاركة تاريخية تشهدها المواعيد الانتخابية الجزائرية بـ23.7% من مجموع الهيئة الناخبة التي تحصي أزيد من 24 مليون ناخب.

بدوره، كشف رئيس "السلطة المستقلة" محمد شرفي ظهر اليوم الاثنين أن 3.3 ملايين جزائري عبروا عن تزكية الدستور بـ"نعم"، أي 66.80%، مقابل 2.5 مليون رافض للمشروع.

وقياسا فقط إلى رئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي -التي بلغت فيها المشاركة الشعبية 42 % من قائمة الناخبين- فقد تراجعت من مجموع 8.5 ملايين إلى حدود 5 ملايين صوت معبر عنه حاليا، وهو حصاد الرئيس عبد المجيد تبون لوحده في استحقاق 2019.

وبعملية حسابية، فإن الرجل قد خسر في ظرف 10 أشهر 2.5 مليون صوت من رصيده الشعبي بالنظر إلى أن مشروع الدستور يمثل أهم خطوة للإصلاح القانوني والسياسي ضمن برنامجه الانتخابي.

تبون: الشعب الجزائري سيكون مرة أخرى في موعد مع التاريخ (الجزيرة)

انقسام وخلافات

يشار إلى أن الاستفتاء جرى وسط انقسام واسع بين الجزائريين حول مقترحات الدستور الجديد، سواء ما تعلق منها بتنظيم الحياة السياسية أو ما يرتبط بالمبادئ الناظمة للمجتمع الجزائري، في سياق خاص تميز برفع سقف الطموحات والمطالب الإصلاحية بعد حراك 22 فبراير/شباط.

وشكلت "الصلاحيات الملكية" لرئيس الجمهورية -وفق توصيف المنتقدين- أهم القضايا الخلافية في المشروع، فضلا عن الوضع الدستوري للهيئة المكلفة بالانتخابات، من حيث الاستقلالية والتشكيل والصلاحيات.

كما برز تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ضمن الانتقادات السياسية للمعارضة.

أما قيميا فقد أثار وضع الإسلام وحرية الرأي وأماكن العبادة والعربية والأمازيغية والمدرسة ضمن القواعد الدستورية حفيظة التيار الديني في المجتمع.

Algerians vote for revised constitution
نسبة المشاركة كانت ضعيفة (الأناضول)

مواقف متباينة

في ردود الفعل تجاه الاستفتاء، بارك حزب جبهة التحرير الوطني للجزائريين "تزكية التعديل الدستوري رغم الظروف الصحية الصعبة التي تم فيها".

وقال المسؤول الإعلامي للحزب محمد عماري في تصريح للجزيرة نت إن "الملاحظة الأكثر بروزا هي الشفافية والاحترام الكامل للإرادة الشعبية، والتي تشكل الضمان الأكبر لبناء الجزائر الجديدة، وتدفع من قاطع اليوم إلى مراجعة موقفه في الاستحقاقات القادمة".

من جهة أخرى، اعتبر ناصر حمدادوش البرلماني عن حركة مجتمع السلم النتيجة المعلنة سقوطا سياسيا وأخلاقيا وشعبيا للوثيقة يجسد عمق الهوة بين أجندات السلطة والإرادة الشعبية.

وقال للجزيرة نت إنها نتيجة مؤسفة وفرصة ضائعة للجزائر، وهي أمر طبيعي -برأيه- للتسيير الكارثي للمسار وحالة الارتباك في التعامل مع هذا الدستور.

ودعا السلطة إلى قراءتها بموضوعية بعيدا عن سياسة الهروب نحو الأمام أو القفز على الواقع وتجاهل إرادة الشعب.

أما "التيار الأصيل" عن قوى الحراك فقد اعتبر أن "المشاركة المتدنية مع المقاطعة المرتفعة تجعل الدستور سلطويا بامتياز، ولا يرقى الى إضفاء مشروعية شعبية على مسار السلطة".

وأضاف أن "النظام أراد هذه المرة من خلال تصديره نسبة مشاركة ضئيلة إرسال إشارة نزاهة وهمية للعملية الاستفتائية، لإعطاء مصداقية ومشروعية زائفة لنتائجه".

Referendum on constitutional amendments in Algeria
أكثر من 66% صوتوا بـ"نعم" لصالح التعديلات الدستورية (الأناضول)

هوة سحيقة

في قراءة للأرقام والمؤشرات، أكد عميد كلية الحقوق بجامعة ورقلة بوحنية قوي أن النتائج الأولية تظهر وجود هوة سحيقة بين السلوك الانتخابي، خاصة المقاطع والمصوت بـ"لا" من جهة، والسلطة السياسية من جهة أخرى.

وشدد على أن "خسارة 4 ملايين صوت مقارنة بآخر محطة انتخابية ليس أمرا يسيرا، بل مشكلة سياسية تضرب الشرعية في العمق".

وفسر بوحنية توسع دائرة العزوف بسوء التسويق لمشروع الدستور، وما لحقه من لغط بسبب اللجنة المشرفة على إعداده، بعدما تشكلت صورة نمطية سلبية عن أفرادها من خلال النقاش السياسي.

وأوضح للجزيرة نت أن التصريحات غير الموقفة لأعضاء الطاقم الحكومي كانت مستفزة للناخب الجزائري، حيث بلغ بأحد الوزراء أن يقول للمواطنين "من لم يعجبه الدستور فليرحل من البلاد"، في وقت تتفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع لحظة أي سلوك سياسي بصفة آنية.

وأضاف أن الأصوات الرافضة منعت من التعبير الإعلامي، مما أعطى الانطباع بحالة التماهي بين السلطة التنفيذية ومشروع الدستور.

كل ذلك جعل الناخب -برأي بوحنية- يشعر برتابة المشهد في ظل الغياب الكلي لرئيس الجمهورية طوال 15 يوما الأخيرة، زيادة على تأثير موقف المقاطعين والمصوتين ضد الدستور.

رجة سياسية

من جهة أخرى، يعتقد بوحنية أن على السلطة القيام برجة سياسية من شأنها طمأنة الناخب، خاصة أن "محافظات داخلية رفضت لأول مرة مشاريع السلطة، مما يعطي صورة عن رفضها النظام ككل، وهو ما يفرض قراءة متفحصة لتلك الأرقام والسلوكيات".

وقال إنه أمام الرئيس تبون لاستكمال المسارات وكسب ثقة الناخب خيار حل البرلمان والمجالس المحلية والدعوة إلى انتخابات مسبقة، مع الشروع عاجلا في تأسيس المؤسسات الدستورية الواردة في لب التعديل الجديد، بل أكثر من ذلك ضرورة إعادة تشكيل الحكومة بإبعاد الوجوه المستفزة للمواطنين لأجل الطمأنة الشعبية، على حد تعبيره.

حراك الجزائر نجح في حركة مقاطعة الاستفتاء على الدستور (الجزيرة)

ورشات قانونية

وعن الخطوات القادمة، توقع أستاذ القانون الدستوري في جامعة الجزائر لخضر عليان فتح العديد من الورشات لتعديل النصوص القانونية ذات الصلة المباشرة بالتعديلات الدستورية.

وتبرز بالأساس 5 ملفات مستعجلة تتعلق بالقانون العضوي للانتخابات وسلطتها المستقلة وعلاقتها بالمحكمة الدستورية، حيث كانت محل انتقاد دائم من الأكاديميين والسياسيين، يقول عليان.

وتتمثل الورشات الأخرى في مراجعة قواعد تأسيس الأحزاب وكيفية تسييرها، وكذلك قانون الإعلام، حيث ينتظر التأطير القانوني الجديد لعمل سلطات الضبط والصحافة الإلكترونية.

وأوضح عليان للجزيرة نت أن مكافحة الفساد ستكون ورشة مهمة عبر تنظيم السلطة العليا الدستورية الجديدة، إضافة إلى ميادين أخرى ستشهد تنصيب لجان لإصلاحها، على غرار نشاط الجمعيات وعمل المحكمة الدستورية كصيغة بديلة عن المجلس الدستوري.

وأكد المتحدث أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية سيخضع للتعديل في ظل هيكل قضائي جديد وصيغة مستحدثة للمجلس الأعلى للقضاء.

المصدر : الجزيرة