المنصات تشتعل ضد الشرطة السودانية.. حكومة الثورة في امتحان "البلطجة" وشد الأطراف

نازحون مشردون بعد أحداث العنف القبلي بالجنينة ـ سوشال ميديا

أحمد فضل-الخرطوم

قبل أن تلتقط الحكومة الانتقالية أنفاسها حيال الصراع القبلي بمدينة الجنينة في أقاصي غرب السودان يتجدد الصراع القبلي في بورتسودان بأقصى الشرق، وسط اتهامات للشرطة بالتقاعس عن مهامها عن قصد.

واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بانتقادات للشرطة، لعدم تعاملها مع تفلتات وقعت في الخرطوم قبل وأثناء وبعد احتفالات الاستقلال ورأس السنة الميلادية.

ويقر النقيب شرطة معاش عمر عثمان بوجود مشكلة في المشهد الأمني والشرطي تتمثل في انتشار عصابات "النيقرز"، دون أن يكون للشرطة أي دور في منع الجريمة قبل وقوعها.

ويشير عثمان في حديث مع الجزيرة نت إلى أن الشرطة في حادثة الهجوم -الذي شنته عصابات "النيقرز" على سوق الشهداء بأم درمان قبيل رأس السنة- فشلت في أهم دور لها وهو ضرب هذه العصابات بشكل استباقي.

ويرى أن توقيف منتمين لهذه العصابات بعد قيامهم بالنهب وسط أم درمان ليس كافيا، ويتساءل "أين المعلومات والرصد والدوريات وإظهار القوة؟".

أزمة ثقة
ويقر إسماعيل التاج القيادي في تجمع المهنيين أبرز الكيانات المكونة للائتلاف الحاكم بأزمة ثقة بين الشرطة والمواطنين، وأن ثمة عبئا على الشرطة لاستعادة ثقة المواطن فيها، لأنها قوات مدنية وهي التي تتعامل مع المواطن.

‪النقيب شرطة معاش عمر عثمان‬ (الجزيرة)
‪النقيب شرطة معاش عمر عثمان‬ (الجزيرة)

ويعزو النقيب شرطة معاش عمر عثمان حالة الاحتقان والفجوة بين الشرطة والمواطنين إلى الثورة وما صاحبها من تجاوزات لا تتحمل منها الشرطة إلا النذر اليسير.

ويحمل جهاز الشرطة مسؤولية مصالحة المواطنين والاعتراف بالفجوة والأخطاء التي ارتكبتها إبان الاحتجاجات على قلتها مقارنة بأجهزة أمنية أخرى.

ويقترح أن تبادر الشرطة عبر ضباطها الصغار بالتواصل مع شباب لجان المقاومة في الأحياء باعتبارها واقعا الآن، وبحيث يتم تنظيم العلاقة بين الشرطة وهذه اللجان بما يخدم تحقيق الأمن والطمأنينة.

قوات ضاربة
ويقول عمر عثمان إن الشرطة ليست لديها مشكلة لوجستية تمنعها من منع وكشف الجريمة، مشيرا إلى أرتال الشاحنات التي كانت تنشرها إبان الاحتجاجات، ويضيف "حتى إذا كانت هناك حاجة يمكن أن تستعين بمتحركات جهاز الأمن".

ويؤكد أن الشرطة لديها ثلاث قوات ضاربة "الاحتياطي المركزي وشرطة العمليات والشرطة الأمنية"، ويمكن الاستعانة بتشكيلات منها لحفظ الأمن.

وشهدت ليلة رأس السنة حالات تحرش بفتيات وتفلتات أمنية يقول ناشطون إن الأمن خطط لها، وإن الشرطة لم تتعامل معها عن قصد لتشوية الحكم المدني.

ويشير عثمان إلى مشكلة أخرى تتمثل في عجز شرطة المرور في التعامل مع الاختناقات المرورية بالخرطوم التي تتطلب حلولا غير نمطية.

نظرية المؤامرة
ولا يخفي ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم تذمره من أن بعض منسوبي القوات النظامية لا يقرون بمدنية الدولة.

ويقول القيادي في تجمع المهنيين إسماعيل التاج إن هناك ترتيبات مسبقة وممنهجة لإضعاف الحكومة الانتقالية وهز ثقة المواطن فيها مع تصاعد نغمة بعض النظاميين "هذه هي المدنية التي تريدونها".

ويوضح التاج للجزيرة نت أن ترتيبات تشويه الحكومة الانتقالية تحاول تقديم المدنية في قالب فوضوي، مما يستدعي عدم التسامح مع أي نظامي لا يقر بالحكم المدني مهما كان منصبه وإبعاده فورا.

وحمل تجمع المهنيين السودانيين في بيان سابق الأجهزة الأمنية والشرطية مسؤولية الانفلاتات، معتبرا أن حماية البلاد وبسط الأمن بمثابة مبرر لوجود المكون العسكري كشريك في حكومة الثورة.

حصاد أسبوع
ويمضي الخبير العسكري اللواء معاش محمد خليل الصائم في اتجاه نظرية المؤامرة، متهما الشرطة بعدم القيام بمهامها في حفظ الأمن.

ويؤكد الصائم للجزيرة نت أن ثمة مؤامرة كبيرة تحاك ضد الحكومة الانتقالية، قائلا إن أطباء أحد مشافي أم درمان عندما استنجدوا بقوة شرطة قريبة لوقف اعتداء نفذته عصابات النيقرز لم تتحرك القوة وقالت "أليست هذه المدنية التي طالبتم بها؟".

وشدد على أهمية أن تفرض الدولة هيبتها بالقانون، وتعزيز الوجود الشرطي بشكل مخفي ليظهر عند الحاجة، وتفعيل خدمة بلاغات الشرطة عبر الرقم 999، وفي حال عدم الاستجابة تتم المحاسبة.

رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير (وسط) يتفقد آثار العنف القبلي بالجنينة (مواقع التواصل الاجتماعي)
رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير (وسط) يتفقد آثار العنف القبلي بالجنينة (مواقع التواصل الاجتماعي)

وخلال الأسبوع الماضي لم تتعامل الشرطة مع عمليات اقتحام ونهب استمرت لأيام في مقر رئيسي لبعثة حفظ السلام الدولية في نيالا بجنوب دارفور، فضلا عن استمرار مواجهات قبلية لثلاثة أيام في الجنينة بغرب دارفور.

ورغم التوقعات بتجدد الصراع بين البني عامر والنوبة ببورتسودان حيث الميناء الرئيسي شرقي البلاد فإن الشرطة لم تمنع وقوع مواجهات مساء أول أمس الجمعة راح ضحيتها 9 قتلى، وفقا للجنة أطباء السودان المركزية.

هيكلة الشرطة
وصبيحة الاحتفالات برأس السنة الميلادية أطلق نشطاء حملة في منصات التواصل الاجتماعي تطالب بإقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة.

وطالب تجمع المهنيين في بيان الحكومة بتغيير قيادة جهاز الشرطة بدءا بالمدير العام ورؤساء الهيئات والإدارات العامة، والاستعاضة عنهم بمن يؤمن بالتغيير ويستطيع المزج بين المدنية والحسم ويفرق بين الفوضى والحرية.

وشدد على الإسراع في إعادة هيكلة جهاز الأمن ليتوافق مع الثورة ووفقا لمنطوق الوثيقة الدستورية التي نصت على هيكلة الجهاز.

وطبقا للنقيب شرطة معاش عمر عثمان، فإن الحملة ضد وزير الداخلية غير مبررة، لأن الوزير أشبه بالمنصب الشرفي بعد تعديلات في قانون الشرطة عام 2017 آلت بموجبها مسؤوليات التشغيل إلى مدير عام الشرطة.

الشرطة تتحرك
ويقترح عثمان إقالة مدير عام الشرطة ومدراء الشرطة في الولايات التي شهدت تفلتات، فضلا عن إزالة تمكين النظام البائد في الشرطة وتعديل قانون الشرطة بسرعة.

ويشير إلى أن وزير الداخلية اضطر بعد حملات مواقع التواصل ضد الشرطة لجمع قادة الشرطة في اجتماع عاصف ظهرت نتائجه ميدانيا، لكن ما يريده الشارع هو شرطة تلبي الطموح والتحديات وليست شرطة تعمل تحت ضغط منصات التواصل.

وأصدرت هيئة إدارة الشرطة عقب اجتماع ترأسه وزير الداخلية الفريق الطريفي إدريس قرارات لتعزيز الأمن شملت إنشاء إدارة لتأمين القطاع الصحي، وتفعيل الارتكازات لتفتيش الأسلحة النارية والبيضاء بالولايات وتفعيل شرطة المرور.

وأكد الاجتماع على ضرورة تأمين المدن وتفعيل العمل المنعي والكشفي للجريمة ومكافحة العصابات المتفلتة برصد قوات إسناد كبيرة للتدخل السريع.

المصدر : الجزيرة