صفقة القرن.. هل صيغت أميركيا وإسرائيليا لرفضها فلسطينيا؟

U.S. President Donald Trump and Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu discuss a Middle East peace plan proposal during a joint news conference in the East Room of the White House in Washington, U.S., January 28, 2020. REUTERS/Brendan McDermid
ترامب ونتنياهو خلال المؤتمر الصحفي المشترك بالبيت الأبيض الذي أعلن فيه الأول خطته للسلام (رويترز)

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

استبعد محللون إسرائيليون نجاح تنفيذ "صفقة القرن" دون موافقة السلطة الفلسطينية، وقللوا من فرص تطبيقها حتى لو حظيت بدعم دول عربية، لكنهم لم يستبعدوا أن تمنح الخطوة الأميركية إسرائيل لأول مرة في تاريخها القدرة على رسم حدودها بضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن وفقا للاعتبارات الأمنية ووفقا للمصالح الإستراتيجية الإسرائيلية.

ويعتقد المحللون أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسية بامتياز وتشكل طوق نجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه تهما بملفات الفساد، وأتت لتعزيز فرص نتنياهو للفوز على رئيس تحالف "أزرق-أبيض"، بيني غانتس، وتشكيل حكومة مستقبلية عقب حسم انتخابات الكنيست التي ستجري في 2 مارس/آذار المقبل.

ويستبعد المحللون إمكانية نجاح تطبيق الخطة على أرض الواقع بالدعم الأميركي لوحده، ويعتقدون أن الخطة صيغت بشكل يحفز السلطة الفلسطينية لرفضها بسرعة دون أي مساومة على قبولها، علما أن خطة ترامب تعاملت مع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني من خلال الوقائع والحقائق المفروضة على أرض الواقع منذ احتلال الضفة الغربية بالعام 1967.

وبعيدا عن سنوات التحضير للخطة وتكثيف التسريبات في الآونة الأخيرة التي سبقت إعلان ترامب ومباركة نتنياهو وغانتس، هناك من يعتقد في الجانب الإسرائيلي أن هذا الإعلان رمزي حتى من وجهة النظر الصهيونية ويهودية الدولة، ويرجحون أنه لا مكان لتطبيق الصفقة على أرض الواقع دون موافقة الجانب الفلسطيني.

وتتماشى الخطة، وفقا للمحللين، مع تطلعات إسرائيل والدعم المطلق الذي تحظى به من إدارة ترامب التي ستكون الحصن قبالة أي انتقادات دولية، بل وستعمل على تجنيد دول عربية وخليجية لتنفيذ الخطة بمعزل عن الموقف الفلسطيني.

نتنياهو وترامب
وكتب محرر صحيفة "هآرتس"، حيمي شيلو، أن الكشف في هذا التوقيت عن خطة ترامب الذي يواجه إجراءات لعزله في الكونغرس الأميركي كما نتنياهو الذي يواجه تهم فساد، لا تهدف إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام بالشرق الأوسط، وإنما لتمكين حكومة نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات دون انتقادات قوية من المجتمع الدولي.

ويجزم شيلو أن الجانب الفلسطيني بمختلف الفصائل ورغم الانقسام لن يقبل بـ"صفقة القرن" حتى لو قبلت بها من دول عربية وخليجية ورحبت بها، وشكك في إمكانية تطبيق خطة ترامب على أرض الواقع، كونها صيغت بشكل متعمد ليرفضها الفلسطينيون.

وعن إمكانية حرص الجانب الإسرائيلي على قبول الجانب الفلسطيني للخطة واستعداده للتعاطي معها، أكد شيلو أن الخطة الأميركية لم تكتب من أجل أن تقبلها السلطة الفلسطينية، بل لترفضها ويظهر للعالم أن الجانب الفلسطيني وجهته ليست السلام وهي مصلحة مشتركة لنتنياهو وترامب.

توقيت وحسم
ويضيف المحرر الإسرائيلي أن الامتحان الحقيقي للخطة الأميركية سيكون بحال انتخب ترامب رئيسا لولاية ثانية، وحتى ذلك الحين فإن الخطة ما هي إلا تدخل في الانتخابات الإسرائيلية وصرف الأنظار عن محاكمة نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى.

ورجح شيلو أن توقيت نشر الخطة بمثابة محاولة من إدارة ترامب لفرض أمر واقع مثلما حصل بإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتأتي الآن لتعزيز فرص نتنياهو حسم الانتخابات وتشكيل الحكومة مستقبلا، علما أن نتنياهو ربط مصيره ومستقبله السياسي بترامب، مما يعني أن إسرائيل ستكون عرضة للمخاطر الدبلوماسية على مستوى العالم إذا لم ينتخب ترامب مجددا.

إجماع ورفض
ويتفق المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير، المحاضر في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، مع الإجماع الإسرائيلي بأنه سيكون من الصعب تطبيق الخطة على أرض الواقع من دون موافقة فلسطينية.

لكن زيسير وخلافا للطرح الذي يقلل من قيمة "صفقة القرن" بسبب عدم قبولها فلسطينيا، يؤكد أن خطة السلام الأميركية لترامب بمثابة حدث تاريخي في التكوين المستقبلي لدولة إسرائيل وسيمكنها لأول مرة من تحديد ورسم حدودها من خلال فرض أمر واقع بمعزل عن الرفض الفلسطيني.

وأوضح المستشرق الإسرائيلي أنه صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي ينشر فيها الأميركيون خطة سلام في محاولة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

لكن هذه المرة يعتقد زيسير أن الخطة ستكون مختلفة، كونها تتعامل مع الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وليست قائمة على تطلعات وأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق عودة اللاجئين.

تطبيق وتثبيت
وعلى عكس الخطط الأميركية السابقة، يقول زيسير إن "صفقة القرن تتقاطع مع مصالح إسرائيل وأميركا في الشرق الأوسط، علما أن إدارة ترامب تتمتع بمكانة إقليمية لم تعرفها الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة".

وحول إمكانية تطبيق "صفقة القرن" في ظل الرفض الفلسطيني، لا يستبعد زيسير ذلك، لكنه رجح بأنه سيكون تطبيقا جزئيا يضمن مصالح إسرائيل وتثبيت وجودها بالضفة والأغوار.

وقال إن "الرفض الفلسطيني متأصل في ضعف وعجز القيادة الفلسطينية عن اتخاذ قرارات مصيرية، ومواجهة الرأي العام الفلسطيني وإقناعه بضرورة تقديم التنازلات التي لا مفر منها".

‪ترامب: بموجب الخطة تبقى القدس العاصمة غير المجزأة أو المقسمة لإسرائيل‬ (رويترز)
‪ترامب: بموجب الخطة تبقى القدس العاصمة غير المجزأة أو المقسمة لإسرائيل‬ (رويترز)

الخاسر والرابح
ويعتبر المعلق السياسي في القناة 13 الإسرائيلية، رفيف دروكر، "صفقة القرن" بمثابة صفقة بين ترامب ونتنياهو قبيل الانتخابات سواء في إسرائيل أو أميركا، مؤكدا أن الخطة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام نتنياهو لضم جميع المستوطنات في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون أن تدفع إسرائيل أي مقابل للسلطة الفلسطينية.

وأوضح أن الخطة الأميركية التي أجريت مشاورات بشأنها في البيت الأبيض بين ترامب ونتنياهو وغانتس، ليست خطة لتسوية سياسية وإنهاء الصراع، وإنما مخطط سياسي منسق بشكل تام بين ترامب ونتنياهو ليكون طوق نجاة لرئيس الوزراء وتعزيز فرصه لتشكيل الحكومة المستقبلية بإسرائيل.

ويعتقد أن الخاسر في هذه المرحلة من نشر الخطة هو السلطة الفلسطينية التي ترفض ضغوط الإدارة الأميركية، مبينا أنه بالمقابل من المتوقع أن يكون نتنياهو وترامب أكبر المستفيدين من الخطة، حيث سيحاول كلاهما استخدام الإعلان عن الصفقة في الانتخابات ولتحويل الخطاب العام عن التهم القانونية التي يواجهانها.

المصدر : الجزيرة