لطالما وصفت بمنطقة تعايش بين شمال وجنوب السودان.. هل تعود أبيي لأجواء التوتر؟

Ethiopian United Nations peacekeepers patrol the outskirts of the disputed Abyei town that straddles the border between Sudan and South Sudan September 16, 2013. REUTERS/Andreea Campeanu (SOUTH SUDAN - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
قوات حفظ السلام الإثيوبية في إحدى دورياتها بمناطق أبيي (رويترز)

إسماعيل تيسو -الخرطوم

أعاد هجومان مسلحان في منطقة أبيي الحدودية والمتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان أجواء الحرب والتوتر للمنطقة التي تسكنها قبائل دينكا نقوك التابعة لجنوب السودان وقبيلة المسيرية المتحدرة من دولة السودان.

استيقظت أبيي الغنية بالنفط والموارد الزراعية والحيوانية صبيحة الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني على مقتل أكثر من 32 شخص وإصابة العشرات في منطقة كولكوم غربي المنطقة.

واتهم مسؤولون محليون أفرادا من قبيلة المسيرية بتنفيذ الهجوم المسلح الذي تسبب أيضا في جرح 34 آخرين إصابات بعضهم جسيمة، إضافة لاختطاف 15 طفلا وحرق نحو 47 منزلا، في هجوم استنكرته بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام بالمنطقة (يونسفا).

وجاء الهجوم بعد إدانة قبيلة المسيرية في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه مقتل ثلاثة من الرعاة التابعين لها في منطقة "قرن أشويل" على يد مسلحين ينتمون إلى دولة جنوب السودان في 19 يناير/كانون الثاني الجاري.

بيان المسيرية وصف الاعتداء على الرعاة بالاستفزازي والناسف لجميع مبادرات التعايش السلمي، ونفى البيان أن يكون الهجوم من مجموعة متفلتة، واعتبره عملا مخططا ومدروسا يستهدف تضييق الخناق على المسيرية ليغادروا منطقة "قرن أشويل" التي يمارسون فيها الرعي وفقا لاتفاقية الترتيبات الأمنية التي وقعت في يونيو/حزيران 2019.

وقد حمَّل مجلس السيادة الانتقالي في السودان بعثة حفظ السلام المؤقتة في أبيي (يونسفا) التابعة للأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن تردي الأوضاع الأمنية بالمنطقة.

كما دان بيان للحكومة الانتقالية في السودان "الهجمات على المدنيين العزل وممارسة الأعمال الانتقامية من أي طرف والتصعيد والتحريض القبلي"، ودعا قوات اليونسفا الموجودة في المنطقة إلى التحرك لضبط الأوضاع الأمنية وحماية المدنيين.

وتنتشر قوات اليونسفا البالغ عددها 4500 جندي إثيوبي في منطقة أبيي منذ العام 2011، بقرار من مجلس الأمن الدولي، على خلفية معارك دامية شهدتها أبيي بين المسيرية ودينكا نقوك راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى وشرد نحو مئة ألف آخرين.

‪مواطنون في سوق الزارف بمنطقة أبيي‬ (الجزيرة نت)
‪مواطنون في سوق الزارف بمنطقة أبيي‬ (الجزيرة نت)

طموح بالحكم
ويقول أحمد الصالح صلوحة رئيس اللجنة المشتركة لإشرافية منطقة أبيي من جانب السودان الذي استقال مؤخرا للجزيرة نت إن الطموح السياسي لأبناء دينكا نقوك ورغبتهم في حكم دولة جنوب السودان كان وراء إشعال فتيل النزاع في منطقة أبيي.

ويتهم صلوحة مثقفي دينكا نقوك بتحريض أهلهم في أبيي على إثارة الفتن والمشاكل، خاصة بعد توقيع اتفاقية السلام بين نيفاشا في مايو/أيار 2005 واستقوائهم بالحركة الشعبية شريك السلام في السودان.

ويرفض الناشط في منظمات المجتمع المدني رياك أيوم أن يكون الطموح السياسي لأبناء دينكا نقوك وراء إشعال فتيل النزاع في المنطقة، ويقول إن انتماءهم لقبيلة الدينكا كافٍ ليتقلدوا أرفع المناصب في الجنوب كونهم جنوبيين ينتمون إلى بحر الغزال، رغم وجودهم في أبيي المتنازع عليها بين الجنوب والشمال.

مخاوف وحلول مقترحة
ويتخوف رياك أيوم في حديثه للجزيرة نت من أجواء متوترة في ظل هشاشة الوضع الأمني وارتفاع درجة حرارة الاحتقان والغبن التي تسود المنطقة وغياب الدور الرقابي والأمني لقوات اليونسفا.

ويطرح أيوم نقاطا عدة لتجاوز الأزمة الحالية في منطقة أبيي، أبرزها إجراء تحقيق حول الحادثة وتقديم الجناة للعدالة وتحرك دولتي السودان وجنوب السودان وشركاء السلام من الفاعلين في المجتمع الدولي لتنفيذ بروتكول منطقة أبيي، كما طالب لجنة السلام المحلية المشتركة من المسيرية ودينكا نقوك بتفعيل المبادرات المجتمعية.

وطالما عرفت منطقة أبيي بأنها منطقة تعايش بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك تحت مظلة حلف قبلي وقعته قيادة القبيلتين ممثلة في ناظر المسيرية بابو نمر، وسلطان دينكا نقوك دينق مجوك.

خلاف كبير
ولكن الاستفتاء الذي نصت عليه اتفاقية السلام بين السودان وجنوب السودان في نيفاشا بكينيا العام 2005 على تقرير مصير منطقة أبيي وتحديد تبعيتها إلى شمال أو جنوب السودان أثار خلافا كبيرا بين الخرطوم وجوبا، وأدى إلى إحالة القضية إلى تحكيم دولي في لاهاي انتهى بترسيم جديد لحدود احتفظ فيه الشمال بالجزء الشمالي الغني بالنفط، بما في ذلك الأجزاء الشرقية والغربية المتمثلة في منطقتي
 الميرم وهِجْلِيج، بينما تبقت أبيي بمساحتها التي قررها التحكيم الدولي في انتظار استفتاء لتحديد تبعيتها.

لم تفلح الاتفاقيات السياسية ولا المبادرات المجتمعية في امتصاص حالة الاحتقان التي تشهدها أبيي منذ التوقيع على اتفاقية نيفاشا، حتى انفجر الوضع في مايو/أيار 2008 بنشوب حرب بين دينكا نقوك مدعومين بقوات الجيش الشعبي ضد الفرقة 31 من الجيش السوداني التي كانت تنتشر في أبيي، فأدى ذلك إلى حريق كامل للمنطقة.

وتيرة التفلتات الأمنية في أبيي ارتفعت بعد حدوث انفصال جنوب السودان في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، حيث تعددت الحوادث والنزاعات المسلحة بين المسيرية ودينكا نقوك، رغم انتشار قوات اليونسفا.

وشهد يوم 20 يونيو/حزيران 2011 توقيع بروتكول بين دولتي السودان وجنوب السودان أصبحت بموجبه أبيي منطقة منزوعة السلاح تتبع لرئاسة جمهورية السودان تحكمها لجنة إشرافية مشتركة من البلدين تؤسس لحكومة وبرلمان يُعنيان بخدمة مواطني المنطقة إلى حين حدوث استفتاء يحدد تبعية أبيي مستقبلا.

فجر قرار مجلس الأمن رقم 2445 في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الأوضاع في منطقة أبيي وأثار حفيظة المسيرية.

ونصَّ القرار الذي رفضته الحكومة السودانية على أن تحكم لجنة إشرافية أبيي المشتركة من جانب جنوب السودان في منطقة أبيي على أن تتراجع لجنة إشرافية أبيي المشتركة من جانب السودان شمالا إلى مدينة المجلد، الأمر الذي اعتبره المسيرية اعترافا صريحا بتبعية أبيي لدولة جنوب السودان.

ويتفاءل الرئيس السابق لإشرافية منطقة أبيي من جانب السودان أحمد الصالح صلوحة بإمكانية إعادة السيرة الأولى للتعايش بين المسيرية ودينكا نقوك، بعيدا عن الأجندة السياسية، مستندا إلى جذور العلاقة التي جعلت 90% من مواطني دينكا نقوك يتوجهون شمالا ليحتموا بالخرطوم من ويلات الأحداث الدموية التي شهدتها المنطقة منذ العام 2008.

المصدر : الجزيرة