إلياس الفخفاخ.. مهندس الميكانيكا المكلف بتشكيل حكومة تونس

الرئيس قيس سعيد يجري مشاورات مع وزير المالية إلياس الفخفاخ/قصر قرطاج/العاصمة تونس/يناير/كانون الثاني 2020
إلياس الفخفاخ (يسار) أمامه مهلة شهر لتقديم تشكيلة حكومته (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

بعد تقلده مسؤوليات وزارية كأصغر وزير في أصعب فترات الحكم بعد الثورة في حكومة الترويكا التي كانت تقودها حركة النهضة عام 2011، شاءت الأقدار أن تضع وزير السياحة والمالية السابق إلياس الفخفاخ على رأس السلطة بعدما كلفه الرئيس قيس سعيد بتشكيل الحكومة.

 

ولم يحل فشل حزبه "التكتل" في الظفر بأي مقعد بالبرلمان رغم عراقته في معارضة النظام السابق أو انهزامه في الانتخابات الرئاسية الماضية نتيجة حصوله على 0.4% من الأصوات، دون اختياره رئيسا للحكومة المقبلة، وهو أبرز منصب في الدولة يغازل طموح السياسيين.

والسبت الماضي ظهر ابن مدينة صفاقس -أكبر مدينة ناشطة اقتصاديا وتجاريا بالبلاد- غارقا في السعادة أثناء مقابلته رئيس الجمهورية قيس سعيد في قصر قرطاج ضمن إطار مشاورات اختيار رئيس الحكومة، وبدا وقتها أنيقا ببدلته الزرقاء ولحيته المحلوقة بعناية وابتسامته الزاهية.

سباق مشوق
واستطاع الفخفاخ (48 عاما) الذي تقلد منصب وزير السياحة ثم وزيرا للمالية في فترة حكم الترويكا عام 2011 كأصغر وزير في الحكومة (39 عاما)، أن يحظى بثقة الرئيس التونسي في سباق مشوّق جمع الكثير من مرشحي الأحزاب، أغلبهم كانوا وزراء للمالية.

والفخفاخ ثاني رئيس حكومة يقع تكليفه خلال ثلاثة أشهر بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر إخفاق الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان يوم 10 يناير/كانون الثاني الجاري رغم أنه كان مدعوما من قبل حركة النهضة الفائزة بالانتخابات.

وقد سادت حالة من الترقب لدى الرأي العام التونسي مساء الاثنين مع اقتراب الساعة الصفر لانتهاء المهلة الدستورية للإعلان عن اسم رئيس الحكومة الجديد، في وقت توالت فيه التسريبات باستدعاء الفخفاخ على عجل لمقابلة الرئيس في قصر قرطاج، المنطقة الأثرية الراقية.

وعقب ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة لأول مرة في مسيرته، يكون الفخفاخ قد ضرب منافسيه من مرشحي الأحزاب والكتل بالضربة القاضية، فهو لم يكن يحظى إلا بدعم حزبين فقط هما "التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس"، بينما كان منافسوه يحظون بحزام سياسي أوسع.

أجل شهر
وسيتولى الفخفاخ تشكيل الحكومة في أجل لا يتجاوز مدة شهر واحد ابتداء من 21 الشهر الجاري، وهي مهلة غير قابلة للتجديد بحسب الفصل 98 من الدستور، على أن تعرض تشكيلة حكومته على البرلمان لنيل الثقة، أو المرور إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

ورغم ضعف حزامه السياسي وعدم اقتراحه من حركة النهضة أكبر قوة برلمانية (54 مقعدا)، أو حزب "قلب تونس" ثاني أكبر كتلة (38 مقعدا)، يتوقع مراقبون أن يواجه الفخفاخ مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة، لكنها ستنتهي بنيل الثقة بالنظر إلى رفض عديد الكتل إعادة الانتخابات.

وتتباين آراء المراقبين بشأن تكليف شخصية ذات نزعة اقتصادية ليبرالية متحررة لقيادة البلاد، فبينما يرى البعض أن المرحلة تتطلب رجل اقتصاد تقلب في مناصب الدولة لحلحة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، يرى آخرون أن نزعتهم الليبرالية تزيد من الانزلاق نحو الأسوأ.

لكن الفخفاخ المتحدث الجيد والمتقن للغة الأرقام، لم يفوت الفرصة على نفسه منذ سحب الحكم من حكومة الترويكا نهاية 2013، التي كان أحد وزرائها، لتأكيد دعمه للانتقال الديمقراطي ومواصلة نشاطه السياسي في حزب "التكتل" المتآكل وطرح برامجه البديلة لإصلاح الأوضاع.

دعم النهضة
وتمكن الفخفاخ الطامح إلى السلطة من أجل التغيير، من الحصول على تزكيات من حركة النهضة وكتلة "تحيا تونس" في البرلمان السابق قصد الترشح للرئاسيات الماضية، مستخدما فصاحة قوله ووجاهة تشخيصه للأوضاع لطرح برنامج إصلاحي لتطوير التعليم والصحة والاقتصاد.

ورغم أن عددا من السياسيين يعلقون فشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في تحسين الأوضاع على شماعة الدستور والنظام السياسي، فإنه يرفض طرح تعديل النظام السياسي البرلماني المعدل أو تنقيح الدستور، معتبرا أن الإشكال يكمن في عدم تطبيق الدستور لاستكمال هيئاته.

وبعدما تحقق حلم لم يكن في حسبانه، أصبح الفخفاخ -صاحب المسيرة المهنية الناجحة على المستوى الدولي- في طريق مفتوح من أجل تنفيذ وعوده السابقة، مستفيدا من خبرته كوزير سابق في أصعب فترات الحكم بعد الثورة، فضلا عن تراكمات تجربته مع العديد من الشركات.

والفخفاخ له تكوين مزدوج علمي وإداري، فهو متحصل على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من مدرسة "إينسا" بمدينة ليون الفرنسية، وعلى درجة الماجسيتر في إدارة الأعمال من جامعة "إيسون" الفرنسية.

وبدأ الفخفاخ حياته المهنية في فرنسا مديرا لمشروع البحث والتطوير في شركة متخصصة بتصنيع المطاط في ميدان صناعة السيارات والطيران، كما كان مسؤولا على تطوير عمليات تصنيع في العديد من مصانع المجموعة وفي بعض فروعه في العالم لاسيما في بولندا.

وبعد عودته إلى تونس عام 2006، تقلد الفخفاخ منصب المدير العام لشركة متخصصة في صناعة مكونات السيارات، ثم أصبح مديرا عاما لمؤسسة أخرى بنفس المجال. وبعد الثورة انخرط في الحياة السياسية ملتحقا بحزب "التكتل" وقاد حملته الانتخابية ونجح في الفوز بالمقعد الثالث في انتخابات المجلس التأسيسي.

المصدر : الجزيرة