الانتفاضات العربية في 2020.. أكاديمي فرنسي: لا عودة إلى الوراء

epaselect epa08075907 Iraqi protesters gather during the ongoing protests at the Al Tahrir square in central Baghdad, Iraq, 16 December 2019. Protests continue in Baghdad and southern Iraqi cities since October 2019 with rising casualties of more than 300 people, while protesters are calling for the resignation of all senior officials in the country after Prime Minister Adel Abdul Mahdi stepped down. EPA-EFE/MURTAJA LATEEF
احتجاجات ضد الطبقة السياسية في ساحة التحرير ببغداد (الأوروبية-أرشيف)

توقع الأكاديمي الفرنسي والكاتب الصحفي آلان غابون أن تستمر موجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلدان العربية خلال العقد الأخير، مشيرا إلى أنها ستكون محنة طويلة الأمد ومؤلمة، وأنه لم يعد بالإمكان العودة إلى الوضع القديم. 

وقال غابون -في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني- إن عمليه التنبؤ بشأن منطقه متقلبة وقابله للاشتعال مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تكون دائما صعبة ومحفوفة بالمخاطر، مشيرا إلى أن المحللين المتخصصين في المنطقة لم يتمكنوا من التنبؤ بالربيع العربي عام 2011.

تلك الأحداث الهامة التي لا تزال تحدد معالم المنطقة سياسيا ورمزيا، فاجأت الجميع، بما في ذلك الحكومات المحلية والأجنبية على حد سواء، فضلا عن المتظاهرين أنفسهم الذين كثيرا ما أعلنوا أنهم لم يتوقعوا أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه، والآن أدركوا إمكانية ذلك.

هذا الوعي الجديد لقدراتهم الثورية أو الإصلاحية التي أطاحت حتى بأكثر الأنظمة التي تبدو مستقرة، مثل نظام حسني مبارك في مصر أو زين العابدين بن علي بتونس، سيظل عاملا رئيسيا في السنوات والعقود القادمة. 

في منطقة حيث "الشارع العربي" لم يكن له أي قول حقيقي، وحيث تم تحديد النظام السياسي دائما من قبل قوى خارج سيطرتهم، بما في ذلك الحكومات الأجنبية الإمبريالية، فليس من المبالغة في تشبيه الربيع العربي 2011 وتداعياته المستمرة بالثورة الفرنسية 1789، وفق غابون.

ويتابع الكاتب أن هذا التغيير الهام لا يمكن محوه، مهما حاولت الأنظمة القمعية وداعموها من الغرب أو روسيا الذين يساندونها دون قيد أو شرط رغم ما ترتكبه (تلك الأنظمة) من فظائع.

‪الرؤساء المخلوعون عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة وحسني مبارك وروبرت موغابي‬ (وكالات)
‪الرؤساء المخلوعون عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة وحسني مبارك وروبرت موغابي‬ (وكالات)

عوامل الاحتجاج
ففي 2020، كما هو الحال في السنوات السابقة، لن يكون هناك عودة إلى الوضع القديم، لأن الناس -وخاصة الأجيال الشابة- أصبحت الآن صانعة للتاريخ ومدركة لقوتها في التغيير.

وإلى جانب ما وصفها الكاتب بالصحوة العربية الأخيرة، فإن الظروف الهيكلية المستمرة، بما في ذلك تباطؤ الاقتصادات وانخفاض مستويات المعيشة بين قطاعات واسعة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تشمل الطبقة المتوسطة المتعلمة، والحكومات القمعية، كلها ستستمر في جعل التنمية البشرية الحقيقية مستحيلة، وتحرم السكان من حق المواطنة.

ويقول غابون إن هذه العوامل كلها ستستمر في تأجيج ثقافة الاحتجاج والمعارضة الجديدة.

عوامل معاكسة
يضيف الأكاديمي الفرنسي أن هذه البلدان ستبقى تحت هيمنة الصراع بين قوتين لا هوادة فيهما، وهما الدمقراطية الشعبية من خلال موجات لا تنتهي من الاحتجاجات الجماهيرية، والديناميكية المعاكسة لاستعادة الاستبداد.

وأفضل مثال على هذا الأخير -وفق تعبير الكاتب- هو صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر بعد 2011، والعودة المفاجئة للرئيس بشار الأسد في سوريا.

تلك الأنظمة المدعومة من الحلفاء الغربيين -إضافة إلى إسرائيل- الذين اختاروا الوقوف بثبات إلى جانبها، ستحارب بأسنانها وأظافرها "حتى آخر سوري" (أو عراقي، أو لبناني، أو جزائري) للحفاظ بكل ما في وسعها على العهد القديم الذي عفى عليه الزمن.

لكن الكاتب يشير إلى أن القضايا التي يمكن التنبؤ بها دون تردد سواء بقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منصبه أم لا، هي أن السعودية وتركيا وإسرائيل ستبقى القوى المهيمنة في المنطقة، في حين ستظل الأنظمة المصرية والسورية والجزائرية مناوئة للثورة وتقف بعناد في طريق الديمقراطية والتنمية البشرية.

فسوريا الأسد ستعود بشكل مفاجئ إلى الساحة الإقليمية والدولية، وربما سيحظى الأسد بشكل متزايد بالشرعية لأسباب براغماتية، وهي أن الجميع، بمن فيهم الخصوم مثل تركيا والولايات المتحدة والإمارات، باتت تدرك الآن أن الأسد هو الرئيس الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو الإطاحة به.

وإسرائيل التي أصبحت الآن جناحا يمينيا في أسوأ أنواعه، ورغم مشاكلها السياسية الداخلية، ستمضي بسياساتها الاستعمارية، بما في ذلك قضم الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان وقمع الفلسطينيين، وذلك في ظل إفلات كامل من العقاب بسبب الدعم المتواصل من الولايات المتحدة والإمارات ودول عربية أخرى، مثل السعودية ومصر.

أما تونس فستمضي منفردة في رحلتها الديمقراطية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب ومساعدة قليلة من الغرب ودول عربية، في وقت يستمر فيه التخبط في العراق ولبنان.

وعسكريا، يتوقع الكاتب أن تتراجع الأعمال القتالية في أكثر المناطق عنفا، مثل سوريا واليمن، وربما التوصل إلى حلول سياسية.

لكن مصير الفلسطينيين والأكراد، لن يشهد تحسنا، بل قد يزداد سوءا، خاصة بالنسبة للفلسطينيين الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة والإمارات علنا، وباتوا مصدر حرج لأنظمة أخرى، بينها السعودية ومصر التي تحولت إلى جانب إسرائيل.

وفي نظرة اعتبرها تفاؤلية، يستبعد الكاتب اندلاع حرب إقليمية أو دولية تشمل إسرائيل وإيران وروسيا وغيرها، عازيا ذلك إلى أن الفاعلين الرئيسيين (إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية وروسيا وأميركا) لأنها تدرك أن ما ستخسره أكثر مما ستكسبه.

ويخلص غابون إلى أن المنطقة مع بدء العقد الجديد ستظل ساحة رئيسية للعب القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي، والمنافسة والهيمنة والحروب بالوكالة.

المصدر : ميدل إيست آي