خبير عُماني للجزيرة نت.. السلطنة تواجه تحديات داخلية وتجاذبات إقليمية بمرحلة التأسيس الثاني

Sultan Haitham bin Tariq al-Said is sworn in before the royal family council in Muscat, Oman January 11, 2020. REUTERS/Sultan Al Hasani TPX IMAGES OF THE DAY

حاوره: عبد الحميد قطب

قال الدكتور عبد الله الغيلاني الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية، إن سلطنة عُمان تستند إلى تراث سياسي بالغ الثراء، وإرث تاريخي عميق الجذور أرسى السلطان قابوس قواعده، مشيرا إلى أن مرحلة السلطان هيثم بن طارق هي مرحلة "التأسيس الثاني" للدولة العُمانية الحديثة، التي لا تقطع مع مرحلة التأسيس الأول.

وشدد في حواره مع الجزيرة نت على أن الأمن الإقليمي الخليجي يواجه واحدة من أسوأ لحظاته توترا وأشدها انكشافا، مضيفا أن السلطنة حاضرة في ملف الصراع الأميركي–الإيراني.

واستبعد الغيلاني أن يكون الظرف الجيوسياسي قد نضج بما يكفي لإنجاز مصالحة خليجية حقيقية وشاملة، موضحا أن النخب الحاكمة -خاصة في دول الحصار- تعيش حالة انفصال عن الواقع، ولا تملك قراءة حصيفة لتحديات اللحظة.

وفي ما يلي نص الحوار:

undefinedبعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد، وفي ظل الاضطرابات الإقليمية والدولية؛ ما مستقبل السلطنة؟
السلطنة دولة عريقة تستند إلى تراث سياسي بالغ الثراء، وتستمد مقارباتها من إرث تاريخي عميق الجذور. السلطان قابوس أرسى قواعد الدولة الحديثة وشكل ملامحها، ورحل بعد نحو خمسين عاما تخلقت خلالها قسمات الدولة، وارتسمت للدولة العمانية صورة ذهنية باتت معلومة الأبعاد.

إن استقرار السلطنة السياسي ووحدتها الترابية أمران لا مساومة عليهما عند الشعب العماني؛ فالعمانيون –رغم التنوع العرقي والثقافي– يدركون بجلاء أهمية الوحدة السياسية للبلاد والمحافظة على مكتسباتها التنموية، فمستقبل السلطنة على المستوى الإستراتيجي لا خشية عليه، غير أن حزمة من التحديات الحرجة ستواجه العهد الجديد، خاصة في الفضاءات الخدمية والاقتصادية.

undefinedأقام السلطان قابوس دولة السلام والتنمية والاستقرار والمؤسسات، وجاء بعده السلطان هيثم بن طارق، فما أبرز التحديات التي تواجه السلطان الجديد؟
السلطان هيثم بن طارق يحظى بخبرة سياسية وإدارية تتيح له قدرا من المكنة الإستراتيجية لإدارة الدولة في مرحلتها الراهنة؛ فمرحلة السلطان هيثم هي مرحلة "التأسيس الثاني" للدولة العُمانية الحديثة، التي لا تقطع مع مرحلة التأسيس الأول التي قادها السلطان قابوس، ولكنها تختلف عنها من حيث التحديات والاستحقاقات والأولويات، إلا أن حزمة التحديات الحرجة التي ستواجه العهد الجديد تتمثل في خمسة ميادين:

(1) ملف التوظيف الذي يستدعي معالجات عاجلة ومقاربات غير تقليدية لما له من تداعيات اقتصادية وسياسية بالغة التأثير على تماسك الحالة الاجتماعية.

(2) إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ليتخلص من عاهاته المزمنة وعلله المتراكمة، ويغدو أكثر شفافية وديناميكية.

(3) إخراج الاقتصاد من حالته الريعية المتكلسة ليغدو اقتصادا إنتاجيا قادرا على الاستجابة لاحتياجات التنمية.

(4) الإصلاحات الدستورية التي تيسر قدرا من المشاركة السياسية، وتخضع الجهاز التنفيذي للمساءلة وتضعه أمام رقابة برلمانية حقيقية.

(5) السياسة الخارجية، فالسلطنة منخرطة في عدد من الأزمات الإقليمية المتماسة مع أمنها القومي، وقد تحقق لها قدر من المصداقية عبر حلحلة كثير من التوترات، ولكن جبهة السياسة الخارجية تتسم بالديناميكية وسرعة الانتقالات من النقيض إلى النقيض، وهذا يفرض على السلطان هيثم تجديد مقارباته وتطوير فريقه الدبلوماسي وأدواته السياسية.

undefinedهل تسير السلطنة على النهج السابق نفسه في الوساطات والدبلوماسية الهادئة؟
أحسب أن النهج العام سيبقى كما هو، وقد أشار السلطان هيثم إلى ذلك في خطابه الأول، ولعله أراد بذلك أن يبعث تطمينات إلى الفرقاء الإقليميين والدوليين، ولكن الطبيعة المتحركة للأزمات الإقليمية تقتضي ملاحقات متجددة ومقاربات مختلفة وأدوات دبلوماسية متباينة، فالنهج الجيوستراتيجي سيشهد تحولا مع بقاء الثوابت التي تحكم حركة الدبلوماسية العمانية.
undefinedما تأثير غياب السلطان قابوس على المنطقتين الخليجية والعربية؟
فترة حكم السلطان قابوس التي امتدت نحو خمسين عاما وفرت له، ليس فقط إحاطة عميقة بأبعاد السياسة الدولية ومعادلات الصراع الإقليمي، بل مكنته أيضا من بناء روابط سياسية وشخصية متينة مع كثير من الزعماء والنظم السياسية؛ فصار ملجأ يلوذ به البعض عند الخطوب، وبالتالي فغياب السلطان قابوس يخلق فراغا سياسيا وأخلاقيا.
undefinedكيف ترون التصعيد الأميركي الإيراني؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسهم السلطنة في دعم التهدئة وتقريب وجهات نظر الطرفين؟
السلطنة حاضرة في ملف الصراع الأميركي–الإيراني الذي لا يهدأ حتى ينفجر، ولكن مسارات هذا الصراع وتداعياته محكومة بعوامل هي خارج نطاق سيطرة الفرقاء الإقليميين، ومن بينهم السلطنة. الصراع الأميركي–الإيراني هو صراع نفوذ أيديولوجي وسياسي، والأمن الإقليمي الخليجي واقع في مدارات هذا الصراع من دون أن يملك المكنة الإستراتيجية على التأثير في مساراته.

فالقدر المتيقن هو أن المواجهة المباشرة تبدو منتفية، وقد تأكد هذا الاستنتاج بعد مقتل قاسم سليماني، إذ اكتفت طهران برد سياسي محدود، وامتنعت عن التوغل في فتح جبهات ربما تفضي إلى مواجهة عسكرية مرتفعة الحدة وبالغة الكلفة.

undefinedمن وجهة نظركم.. ما مآلات المصالحة الخليجية-الخليجية في ظل مؤشرات على تقارب ملحوظ بين الرياض والدوحة؟ وهل الظرف مناسب لإنجاز مصالحة شاملة؟ وكيف تقيمون التعنت الإماراتي إزاء المصالحة؟
الحوار السعودي–القطري يبدو أنه في مراحله الجنينية، ولم يخرج بعد من شرنقة الشكوك إلى بناء الثقة التي هي متطلب أولي لإنجاز مصالحة حقيقية. السؤال التأسيسي هو: هل الاقتراب السعودي من الدوحة يعكس تحولا إستراتيجيا في أنماط التفكير، أم أنه استدارة تكتيكية ليست بريئة النوايا؟ ليس في الأفق ما يؤشر إلى أن تحولا إستراتيجيا قد اعترى العقل السياسي السعودي الرسمي. لا أحسب أن الظرف الجيوسياسي قد نضج بما يكفي لإنجاز مصالحة خليجية حقيقية وشاملة.

ربما يصار إلى تفاهمات جزئية حول بعض المسائل الاجتماعية، وتلك المتصلة بالأمن الإقليمي الخليجي المنبثقة عن مجلس التعاون، أما المصالحة الشاملة التي تجب ما قبلها وتؤسس لمرحلة "تماسك إستراتيجي" يقوم على تعاون حقيقي ويُبنى على مرئيات مشتركة بعيدا عن نزعة الهيمنة والاستلحاق، فيبدو أنه مطلب بعيد المنال في اللحظة الخليجية الراهنة.

undefinedعلى الصعيد اليمني، هل تعتقد أن الأجواء مهيأة لإتمام مصالحة يمنية-يمنية وحوثية-سعودية، خاصة بعد اتفاق الرياض؟
الأزمة اليمنية توشك أن تدخل عامها السادس، ولم تشهد أعوامها الخمسة المنصرمة غير مزيد من التبعثر السياسي والتمزق الاجتماعي والانحدار الخدمي والانهيارات الاقتصادية والإنسانية؛ فحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ازدادت ضعفا وارتهانا للرياض، والحوثيون ازدادوا تماسكا واكتسبوا قدرة على إحداث إصابات في جسد التحالف، والقوى السياسية والقبيلة اليمنية صارت فاقدة الوزن.

الاصطفافات الإقليمية غدت أكثر تعقيدا، فهناك اشتباك حقيقي في المهرة بين عُمان وحلفائها من جهة، والمحور السعودي-الإماراتي وأدواته المحلية من جهة أخرى، كما أن الإسناد الإيراني للحوثيين صار أكثر وضوحا، خاصة بعد ضرب معامل النفط السعودي في سبتمبر/أيلول 2019، وبالتالي لا حل سياسيا ناجزا يمكن أن تفضي إليه جولات التفاوض الظاهرة والباطنة، بل ستستمر هذه الجولات لاعتبارات سيكولوجية محضة، ولكنها في ظل المعادلات الراهنة لن تفضي إلى حل حاسم. الحل السياسي للأزمة اليمنية يرتبط ارتباطا وثيقا بثلاثة عوامل:

(1) تحول جذري في التفكير الإستراتيجي السعودي.
(2) الموقف الأميركي الذي يبدو أنه لا يضغط باتجاه الحل السياسي حتى اللحظة.
(3) تداعيات الصراع الأميركي–الإيراني التي يستخدمها الفريقان كمدخلات لصراعاتهما الإقليمية الممتدة من اليمن مرورا بالعراق وسوريا ومنطقة الخليج.
undefinedأخيرا، كيف تنظرون لمستقبل منطقة الخليج ومجلسها في ظل بروز تحديات جديدة كالتصعيد الإيراني الأميركي؟
الأمن الإقليمي الخليجي يواجه واحدة من أسوأ لحظاته توترا وأشدها انكشافا. ومرد ذلك إلى المقاربات الخاطئة للنخب الحاكمة، وهذه النخب -خاصة في دول الحصار- تعيش حالة انفصال عن الواقع، ولا تملك قراءة حصيفة لتحديات اللحظة، ولم تستطع بلورة رؤية خليجية جامعة لمفهوم الأمن الإقليمي. غياب تعريف جيوسياسي مشترك لمفهوم الأمن الجماعي، وغياب منظومة أمن جماعي خليجي متعددة الأبعاد (العسكرية والسياسية والاقتصادية) تولدت عنهما فراغات وإفراز حالة من التبعثر والخصومات. كما أن ارتهان المنطقة إلى الظهير الأميركي في حماية أمنها الإقليمي جعلها عرضة لتداعيات الصراع الأميركي-الإيراني.

إن أزمة الخليج التي تولت كبرها الرياض وأبو ظبي كرست حالة الضعف الخليجي، وعززت الشكوك البينية، وجعلت الدولة الخليجية عرضة للابتزاز، ورفعت كلفة الحماية الخارجية.

المصدر : الجزيرة