بين الفخر والخيبة.. تونسيون يقيّمون ثورتهم بذكراها التاسعة

محمد علي لطيفي- تونسون يحييون الذكرى التاسعة لأحداث الثورة التي أطاحت بالمخلوع بن علي.
وديع الجلاصي صاحب الصورة الشهيرة لحامل قفص يطير منه عصفور، يوم 11 يناير 2011، عاد ليعيد المشهد نفسه (الجزيرة)

محمد علي لطيفي-تونس

على وقع مزيجٍ من الفخر والخيبة، يحيي التونسيون اليوم الذكرى التاسعة لأحداث الثورة التي أطاحت في 14 يناير/كانون الثاني 2011، بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي استبدّ بالحكم 23 عاما.

ثورة تونس التي انطلقت شرارتها من محافظة سيدي بوزيد (الوسط الغربي) يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، حين أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده، احتجاجا على مصادرة عربته التي يقتات منها، ما فجّر احتجاجاتٍ شعبية، وصل لهيبها بسرعة لسائر المحافظات، وانتهت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.

هذا الشارع الذي اكتسب شهرة واسعة، وبات رمزا للثورة والحرية، وقبلة للمسيرات والاحتجاجات، توافد عليه التونسيون منذ ساعات الصباح الأولى اليوم بأعداد كبيرة. انتصبت خيمات الأحزاب والمنظمات، فيما اكتظت المقاهي على واجهتيه، وارتفعت حيوية مسالكه التجارية، وتزيّنت زواياه براية تونس.

نموذج يحتذى
وعادة ما يترافق هذا الحدث بجدلٍ حول ما حققته الثورة، وما فشلت في تحقيقه عبر حكومات متعاقبة، تولت مقاليد الحكم على مدى السنوات الماضية، حيث يرى طيف واسع من التونسيين أنّ الثورة أسهمت في إرساء مناخ سياسي قوامه دستور متطور، وتعددية حزبية قطعت مع النظام الرئاسي.

في حديثه للجزيرة نت، يقول الشاب وديع الجلاصي -صاحب الصورة الشهيرة لحامل قفص يطير منه عصفور، يوم 11 يناير 2011، والذي ظهر اليوم مجددا بشارع الحبيب بورقيبة، بالصورة نفسها- إن ما حققته تونس من مكاسب مهمة أهمها حرية التعبير، والدستور الجديد، يجعلها نموذجا يحتذى به عربيا ودوليا.

من جهتها، ترى نجوى سومري -المنتمية لحركة النهضة- أن الحرية والتعددية تعدان أهم إنجازين تحققا في الثورة بعد تسع سنوات، مشدّدة -بحديثها للجزيرة نت- على ضرورة تحصينها للحفاظ على مكاسبها، من أجل عدم العودة إلى مربع الظلم والاستبداد.

‪محمد علي الدريدي: الثورة التونسية تعدّ الأنجح في المنطقة العربية رغم أن مسارها الانتقالي لم يكتمل‬  (الجزيرة)
‪محمد علي الدريدي: الثورة التونسية تعدّ الأنجح في المنطقة العربية رغم أن مسارها الانتقالي لم يكتمل‬  (الجزيرة)

من جانبه، يعتقد محمد علي الدريدي أن الثورة التونسية تعدّ الأنجح في المنطقة العربية، رغم أن مسارها الانتقالي لم يكتمل، في ظلّ غلاء الأسعار، وتدهور المقدرة الشرائية، وتراجع قيمة الدينار التونسي، معبرا عن تفاؤله بمستقبل أفضل.

بعد الثورة أفضل
واختار طيف واسع من التونسيين إعادة مشاركة وسم "#تونس_بعد_الثورة_خير" (تونس بعد الثورة أفضل)، عددوا فيه الجوانب المشرقة لبلدهم بعد الثورة على جميع الأصعدة، وخاصة على المستويين الأمني والسياسي، وفيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة بشكل ديمقراطي.

وأشار الناشط أحمد موهى -في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك صباح إحياء ذكرى الثورة- إلى وجود الكثير من النجاحات والإخفاقات، والكثير أيضا من السلبيات، لكن "تبقى بلادي بعد الثورة أفضل"، مرفقا إياها بوسم #تونس_بعد_الثورة_خير، وصور لمشاركته بالاحتفالات وسط العاصمة.

ونشر الصحفي بسام بونني تدوينة على حسابه بفيسبوك، انتقد فيها التعاطي الإعلامي مع الثورة، مشيدا بما تعيشه تونس، من سقف عالٍ للحرية، وبأن تونس بعد الثورة أفضل رغم من يشتمها.

بدوره، شدّد الناشط رمزي خضراوي على أن تونس اليوم أفضل رغم معاناة الشعب اقتصاديا واجتماعيا.

‪آمال سالمي: الثورة التونسية تحتاج ثورة فكرية وعلمية لتكتمل‬  (الجزيرة)
‪آمال سالمي: الثورة التونسية تحتاج ثورة فكرية وعلمية لتكتمل‬ (الجزيرة)

ويشارك التونسيون هذا الوسم، في ردّ على ما يروجه أتباع النظام السابق حول تدهور وضع البلاد بسبب الثورة. ويعتبر أغلب التونسيين أن الثورة حققت نجاحا ديمقراطيا يجب الافتخار به، بفضل ما تغيّر من قوانين وما فُتح من مجالات أمام حرية الإعلام والتعبير والتظاهر، واكتساب مزيد من الحقوق السياسية.

ثورة منقوصة
في المقابل، يرى جزء آخر من التونسيين أنّ البلاد تئن -خلال السنوات التسع التي تلت الثورة- تحت واقع اقتصادي مترد، فشلت في علاجه الحكومات المتتالية التي تعاقبت على الحكم، مع تصاعد التحركات الاجتماعية وارتفاع نسب البطالة والفقر وتراجع مؤشرات التنمية. 

ورفع محتجون أمام وزارة الداخلية في شارع الحبيب بورقيبة، شعارات تطالب بالاستحقاقات الاجتماعية على غرار التشغيل والتنمية الجهوية، وتذكّر بحقوق الشهداء والجرحى وضرورة استكمال تحقيق أهداف الثورة.

ومن بين هؤلاء المحتجين، ياسين بن بلقاسم الحاصل على شهادة دكتوراه في الفيزياء، والذي قال للجزيرة نت إن الحلول تكمن في الشباب العاطل عن العمل.

ويضيف بن بلقاسم أن أكثر من سبعة آلاف حامل لشهادة الدكتوراه معطلون عن العمل، وهو ما يبرر ظاهرة هجرة الأدمغة من البلاد، منددا بعدم استغلال الطاقات الشبابية المهدورة التي فجّرت الثورة، في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور.

بدوره، يقول الخبير والمحلل الاقتصادي الصادق جبنون للجزيرة نت، إن تونس عرفت انتكاسة اقتصادية، ولم تشهد أي تحول نوعي على المستوى الاقتصادي، بل عرفت البلاد أكبر أزمة اقتصادية، وهو ما تؤكده الأرقام والمؤشرات.

من جانبها، أشارت الدكتورة آمال السالمي المختصة بالكيمياء، في حديثها للجزيرة نت، إلى ضرورة رفع ميزانية البحث العلمي وإنشاء مراكز بحثية قوية بالمؤسسات العامة، ووضع إستراتيجية على المدى الطويل، مؤكدة أن الثورة تحتاج ثورة فكرية وعلمية لتكتمل.

المصدر : الجزيرة