من طهران إلى بنغازي.. أحداث بغداد تستدعي ذكريات مؤلمة في واشنطن

Protesters and militia fighters gather to condemn air strikes on bases belonging to Hashd al-Shaabi (paramilitary forces), outside the main gate of the U.S. Embassy in Baghdad, Iraq December 31, 2019. REUTERS/Wissm al-Okili
محتجون عراقيون في محيط السفارة الأميركية (رويترز)

محمد المنشاوي-واشنطن

 
 

"لا أعرف أيهما أقرب لما تشهده بغداد اليوم من أحداث في محيط السفارة الأميركية، هل تتكرر أحداث قنصليتنا في مدينة بنغازي الليبية عام 2012 أم أحداث سفاراتنا في طهران 1979″، بهذه الكلمات عبر دبلوماسي أميركي سابق للجزيرة نت عن القلق الذي انتاب الكثير من الأميركيين فور اطلاعهم على تطورات الأحداث المتسارعة في بغداد.

وعرفت الولايات المتحدة خبرات أليمة في الحالتين، إذ قُتل السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة أميركيين في حادثة اقتحام القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012، إذ هاجمت مجموعة مسلحة القنصلية احتجاجا على نشر فيلم مسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وقبل أربعين عاما اقتحم طلاب من الثوار الإيرانيين الموالين للإمام آية الله الخميني السفارة الأميركية في طهران. وخلال ثلاث ساعات سيطر ما يقرب من خمسمئة طالب على السفارة. واحتفظ الطلاب بموظفي السفارة -عددهم 52 شخصا- رهائن، وهو ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة في علاقات واشنطن بطهران ونظامها الإسلامي الجديد.

وبعد فشل محاولات واشنطن المباشرة أو غير المباشرة عبر وسطاء دوليين للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن قامت قوات أميركية بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 أبريل/نيسان 1980.

فشلت المحاولة ودُمرت طائرتا هليوكوبتر وقتل ثمانية جنود أميركيين. وقبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسا جديدا في العشرين من يناير/كانون الثاني 1981، أفرجت طهران عن الرهائن وتم توقيع اتفاقية الجزائر.

‪ترامب حمل طهران المسؤولية المباشرة عن تدبير الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد‬ (رويترز)
‪ترامب حمل طهران المسؤولية المباشرة عن تدبير الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد‬ (رويترز)

ترامب يتوعد
وحمّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران المسؤولية المباشرة عن تدبير الاعتداء على السفارة الأميركية في بغداد أمس الثلاثاء.

وقال ترامب في تغريدة إن "إيران قتلت مقاولا أميركيا، وأصابت العديد. نحن رددنا بقوة، وسنقوم بذلك دائما. الآن إيران تدبر الهجوم على السفارة الأميركية في العراق، وسيتحملون المسؤولية الكاملة، ونحن نتوقع من العراق استخدام قواته لحماية السفارة. وقد أبلغناهم بذلك".

ويعتقد ديفيد ماك، السفير الأميركي السابق الباحث حاليا بمعهد الشرق الأوسط أن "المفاجآت لا يرحب بها الأصدقاء والحلفاء، كان يمكن قبول الهجمات الأميركية إذا كانت جزءا من إستراتيجية واضحة تخدم مصالح واشنطن وحلفائها".

وأشار ماك إلى أن كبار المسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية لا يعرفون ماذا يريد الرئيس الأميركي ترامب.

يقول ماك تعليقا على غياب إستراتيجية واضحة تجاه التطورات في العراق، "يترك ترامب في النهاية الجميع يتساءل فيما يريده الرئيس وكيف سيتحرك، حلفاؤنا والمسؤولون الأميركيون لا يعرفون".

من ناحيته، اعتبر الباحث أليكس فانتاكا من معهد الشرق الأوسط في حديث مع الجزيرة نت أن تطورات الأحداث المتسارعة في العراق تعكس رغبة "إيران في أن يؤدي التصعيد بالعراق إلى سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق، وهو ما سيمثل خسارة كبيرة لواشنطن وحلفائها في منطقة الخليج".

‪مقر القنصلية الأميركية في بنغازي حيث تم اقتحامها عام 2012‬ (الجزيرة)
‪مقر القنصلية الأميركية في بنغازي حيث تم اقتحامها عام 2012‬ (الجزيرة)

شبح انتخابات 2020
يعتقد الكثير من الخبراء الأميركيين أن الأزمة كانت سببا أساسيا في هزيمة الرئيس الأميركي جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية 1980.

وفي محيط السفارة الأميركية ببغداد، مثل ارتداء المهاجمين الزي الرسمي لقوات الحشد المؤلفة من فصائل موالية لإيران، من أبرزها كتائب حزب الله، إشارة واضحة لإصرار الملشيات الشيعية وعدم التسامح مع الهجمات التي شنتها القوات الأميركية وأوقعت 25 قتيلا.

ودفع شروع بعض المهاجمين في نصب خيام أمام السفارة التي تقع داخل المنطقة الخضراء إلى تشبيه البعض ما يجري بأزمة الرهائن التي جاءت موازية لعام انتخابات 1980.

ويعتقد الدبلوماسي السابق أن "عام 2020 عام انتخابات مهمة للرئيس الأميركي. وعلى ترامب الحذر من أي خطوات قد تؤدي لتصعيد غير مرغوب من جانبه أو من جانب طهران".

وما لبث أن تراجع ترامب عن لهجة التصعيد وقال إنه لا يريد حربا مع إيران، أما الأخيرة فاقتصرت على التنديد بوقاحة واشنطن مطالبة إياها بإعادة النظر بسياساتها في المنطقة.

 

المصدر : الجزيرة