ميديا بارت: كيف عجزت السلطات المصرية عن طمس روح ميدان التحرير لدى الشباب؟
وذكرت مراسلة الموقع آريان لافريو أنها رأت الشرطة تطرد شابين من مقهى على بعد خطوات من ميدان التحرير بعد أن فحصت هواتفهما وبطاقات الهوية الخاصة بهما التي تشير إلى عنوان حي شعبي على الضفة المقابلة لنهر النيل.
وأوضحت أن الشارع الذي يقع عليه المقهى كانت قوات الأمن قد قتلت فيه بالرصاص 47 متظاهرا بعد أربعة أيام من اشتباكات عام 2011، ومحت عن الجدران الكتابات التي تكرم أولئك الشهداء، غير أن شبح تلك المعركة لا يزال يطارد الأجهزة الأمنية المروعة من فكرة تجدد الحركات الاحتجاجية.
وأشارت المراسلة إلى أن السلطات تراقب عن كثب، منذ استيلاء الجيش على السلطة صيف 2013، المقاهي القليلة المسموح بوجودها وسط العاصمة والمناطق المحيطة به، كما تلزم أصحابها بتثبيت كاميرات مراقبة.
وتقول لورا مونفلور (طالبة دكتوراه في الجغرافيا بجامعة تورز، تدرس التحولات الحضرية والاجتماعية وسط القاهرة) إن أصحاب هذه المقاهي "ملزمون أيضا بتقديم تقرير أسبوعي للشرطة، وإخبارها بكل ما ليس طبيعيا، وعن كل الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم سيئون، حسب رأيهم".
أما محمد (23 عاما) فيصرح بأن الشرطة "يمكنها في أي وقت النزول ومصادرة الكراسي، وبالتالي لم يعد الناس يجدون مكانا في المقاهي على جنبات الطرق، مما أدى إلى انتشار كثير من المقاهي في الشقق".
أماكن حرة
وبدوره يقول سامح العطار (24 عاما) وهو أحد مؤسسي معرض هيفاء حيث تنظم أيضا عروض سينمائية وورش عمل فنية "معظم عملائنا من أصحاب الأعمال الحرة وشباب الطبقة الوسطى، يتحدثون عن العمل والحب والصداقة ولكن ليس عن السياسة أبدا، اليوم نسعى جميعا لتطوير شخصيتنا والعمل من أجل العيش، السياسة انتهت بالنسبة لنا".
وترى المراسلة أنه ومع أن الثورة لم تعد سوى مجرد ذكرى بعيدة لأيام المراهقة، فإن أفق هذا الجيل يتميز بالبطالة الجماعية التي تصل إلى 34% من الخريجين وفقا لمنتدى البحوث الاقتصادية، في بلد 60% من سكانه أقل من ثلاثين سنة، وسوق العمل فيه غير قادرة على دمج مليون خريج جديد كل عام، وبالتالي بدأ المزيد والمزيد من الشباب في تنفيذ مشاريعهم الخاصة، حيث شاهد سامح عشرات المقاهي الداخلية التي تقلد فكرته، وإن كان معظمها لم يعمر أكثر من عدة أشهر.
وقالت أيضا إن مقهى الأستوديو -الذي أقامه الموسيقي المصري الإريتري أحمد عمر في أحد أزقة حي غاردن سيتي، بتحويل شقة قديمة عالية السقف إلى غرفة شاي وغرفة بروفة مجهزة بالأدوات الموسيقية- لا يزال هش الميزانية بعد تسعة أشهر من إنشائه، وتزوره مجموعات للتدرب مقابل ما يعادل يورو ونصف اليورو لكل موسيقي، وتتم دعوة الكوميديين الشباب ليلة في الأسبوع لاختبار نكاتهم أمام الجمهور الكبير.
وفي هذا المقهى لا توجد رقابة، إذ يقول عمر إن المسؤولين الحكوميين زاروا هذه الشقة التي تم تحويلها بعد فترة وجيزة من افتتاحها، ولكن "فقط لمعرفة ما كنا نفعله وللتأكد من أننا حصلنا على الأذونات اللازمة، وهذا هو الحال".
وتقول المراسلة إن الهدوء النسبي لهذه المقاهي الجديدة يمكن تفسيره تبعا لمواقعها وعملائها، وتقول مونفلور "هذه الأماكن الحرة مقصورة على فئة معينة وتساهم في تحسين الصورة بمركز المدينة الذي ترغب الحكومة في إظهاره، على العكس من المقاهي الشعبية التقليدية، بالإضافة إلى أنها تعتبر أقل تهديدا لأجهزة المخابرات لأن أصحابها لم يشاركوا في الثورة تقريبا".
تنمو باطراد
وأوضحت أن أكثر الكتب مبيعا ما يخص تنمية الشخصية وروايات الرعب التي تعتبر من وجهة نظر الرقابة الرسمية غير ضارة، إلا أن الروايات والمقالات السياسية تكتسب شعبية أيضا.
يقول عبد الله صقر رئيس دار النشر "المحروسة" إن معظم القراء تتراوح أعمارهم بين 13 وثلاثين عاما "وهم متعطشون للحصول على المعلومات بعيدا عن تأثير التلفاز" الذي يعتبره مثيرا للغثيان.
وأوضحت المراسلة أن هذا الناشر الذي لم يصدر سوى ثلاثين عنوانا سنويا عام 2010، أصبح لديه ما يقترب الآن من مئة عنوان، من بين أكثرها مبيعا فكاهي عن قنابل هيروشيما وناغازاكي ومقالات عن الفوضوية بالإضافة إلى آخر رواية لبسمة عبد العزيز تتحدث عن جنرال مجنون ومتظاهرين يخيمون بميدان للمطالبة بحقوقهم.
ومع أن قمع الكتاب والناشرين لم يتراجع -حسب المراسلة- فإن الإنتاج التحريري لم يكن غزيرا، حيث تم حظر العناوين التي تنتقد النظام بصراحة، مثل آخر رواية كتبها علاء الأسواني، كما حكم على مؤلف كتاب مثير للجدل حول جاسوس مصري في إسرائيل بالسجن خمس سنوات، وتتعرض المكتبات بانتظام لضغوط من أمن الدولة.
وقال رئيس اتحاد الناشرين سعيد عبده إن عدد دور النشر قفز من 605 إلى 1250 في عام واحد، إلا أن الإنترنت هو المفاجأة، حيث لا تملك بيروقراطية الرقابة سيطرة على التوسع في سوق الكتب الإلكترونية والكتب الرخيصة وربما المجانية.
أما ندى الشبراوي (24 عاما) التي أطلقت قناتها على موقع يوتيوب للنقد الأدبي فتقول "الكثير من الشباب اعتقدوا أنهم كانوا أول من قاد ثورة عام 2011، ثم بدؤوا في القراءة واكتشفوا أن (هناك) تجارب أخرى كانت ناجحة في مكان آخر".