شباب تونس يتساءلون: هل يحكم البلاد رئيس دون سن الخمسين؟

انطلقت مساء السبت، بتونس مناظرات تلفزيونيّة رئاسية بعنوان "الطريق إلى قرطاج"، تقام لأول مرّة في تاريخ البلاد. ومطلع أغسطس/آب الماضي، أعلن التلفزيون التّونسي، أنه سيخوض لأول مرة تجربة المناظرات التلفزيونية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية، وأنه ستخصص حصة مباشرة عنوانها "الطريق إلى قرطاج"، يجري خلالها استدعاء كل المترشحين للاستحقاق الرئاسي للتناظر حول برامجهم الانتخابية. وجرت الحصة الأولى من المناظرات بين مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، والمرشح المستقل عمر منصور، والمرشح عن التيار الديمقراطي محمد عبو، وعن الحزب الدستوري الحر عبير موسي، والمستقل ناجي جلول، وعن حزب البديل مهدي جمعة، وقلب تونس نبيل القروي، وحراك تونس الإرادة منصف المرزوقي، وعن حركة تونس إلى الأمام عْبيد البريكي. ( Yassine Gaidi - وكالة الأناضول )
عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية خلال مشاركتهم في مناظرة تلفزيونية (الأناضول)

في ثاني انتخابات رئاسية بطريقة ديمقراطية منذ ثورة يناير/كانون الأول 2011، يطمح التونسيون أن يتولى منصب رئيس البلاد مرشح دون سن الخمسين، خاصة أن هذا المنصب قد اعتلاه خمسة رؤساء منذ الاستقلال تجاوزت أعمارهم الستين عاما أو حكموا البلاد بمنطق الرئاسة مدى الحياة.

ويشارك في هذا "العرس الانتخابي"، المقرر إجراؤه يوم 15 سبتمبر/أيلول الحالي، خمسة مرشحين دون سن الخمسين بينهم امرأة، وهم رئيس الحكومة الحالي زعيم حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد (44 عاما)، ومرشحة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسى (44 عاما)، ومرشح "حركة الوطن الجديد" رجل الأعمال سليم الرياحي (47 عاما).

كما تضم القائمة مرشح "حزب التكتل" إلياس الفخفاخ (47 عاما)، والمرشح المستقل حاتم بولبيار (48 عاما)، والمرشح عن "ائتلاف الكرامة" المحامي سيف الدين مخلوف (44 عاما).

ويسجل أعلى معدل أعمار للمرشحين الذين يوصفون بالمرشحين من العيار الثقيل، لدى كل من المرشح المستقل وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي (69 عاما)، والمرشح المستقل ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي (70 عاما)، ورئيس البلاد السابق منصف المرزوقي (74 عاما)، ومرشح عن ائتلاف الجبهة الشعبية حمة الهمامي (67 عاما)، ورئيس مجلس النواب بالنيابة ومرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو (71 عاما).

أما أعمار باقي المرشحين في السباق الرئاسي التونسي المبكر، النادر عربيا، فتنحصر بين الخمسين والستين عاما. 

‪يشارك في الانتخابات المقرر إجراؤه يوم 15 سبتمبر/أيلول الجاري خمسة مرشحين دون سن الخمسين من بينهم امرأتان‬ (الجزيرة)
‪يشارك في الانتخابات المقرر إجراؤه يوم 15 سبتمبر/أيلول الجاري خمسة مرشحين دون سن الخمسين من بينهم امرأتان‬ (الجزيرة)

آمال معلقة
وفي هذا المشهد، يعيش الشباب التونسي الذي فجر ثورة الياسمين وقاد التحركات الاحتجاجية، حالة إقصاء من المشهد السياسي، وخيبة أمل في الطبقة السياسية، بعد تسع سنوات من الثورة، حيث يعتبر أن الثورة التي صنعها انقلب عليها "شيوخ" البلاد.

وفي هذا السياق، يقول هشام صماري (39 عاما)، الحاصل على شهادة عليا والمعطل عن العمل، إنه ضحية للنظام السابق والحكومات المتلاحقة نتيجة البطالة المستمرة التي يعيشها منذ 14 عاما، شأنه شأن 500 ألف عاطل عن العمل بحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وتساءل خالد التواتي (27 عاما) تقني سامٍ، في حديثه للجزيرة نت عن السبب الذي يجعل الأميركيين أو الفرنسيين يختارون رؤساء في مقتبل العمر مثل باراك أوباما وإيمانويل ماكرون، في حين يتمسك التونسيون بالشيوخ في الحكم.

ويتطلع الشباب في مقابلاتهم للجزيرة نت أن يستوعب التونسيون الدرس من المأزق الدستوري الذي سببه موت الرئيس الراحل الباجي القايد السبسي (92 عاما)، الأمر الذي دفع البلاد إلى إجراء هذه الانتخابات الاستثنائية الرئاسية قبل موعدها الأصلي المقرر في أكتوبر/تشرين الثاني من العام الحالي.

‪الصماري: نأمل أن ينتخب التونسيون رئيسا لا يتجاوز الخمسين سنة يحمل هموم بني جيله من الشباب العاطل عن العمل‬ (الجزيرة)
‪الصماري: نأمل أن ينتخب التونسيون رئيسا لا يتجاوز الخمسين سنة يحمل هموم بني جيله من الشباب العاطل عن العمل‬ (الجزيرة)

مطلب ثوري
ويتوقع خبراء أن يتنامى دور الشباب في أفق الانتخابات المقبلة، في حين يذهب آخرون إلى اعتبار أن شباب ثورة الياسمين يبدو محبطا اليوم بسبب ما يصفونه بالإقصاء المتعمد لهم من الحياة السياسية ومحاولة بعض الجهات الاستفادة من ثورة لم يساهموا في صنعها.

ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن تشبيب الطبقة السياسية هو مطلب ثوري مشروع يعكس روح الثورة، مشيرا إلى أن المشكلة ليست في الدعوة إلى اختيار من هو أقل سنا بقدر ارتباطها بضرورة القدرة على إدارة المرحلة والبحث عن رئيس يوحد التونسيين، ويكون قادرا على إعادة الأمل وإيجاد حلول اقتصادية.

ويضيف الجورشي أن صفات الرئيس القادم لم تتضح ملامحها بعد بسبب عدم إجماع التونسيين عليه، وهو ما خلق تذبذبا في مواقف الناخبين، متوقعا أن يفوز الشباب في المحطات الانتخابية القادمة.

من جهته، أفاد المختص في علم الاجتماع سامي نصر في حديث للجزيرة نت بأن خيبة أمل الشباب في الطبقة السياسية بعد الثورة ولّدت حالة من الإحباط واليأس وولدت نزعة انتقامية وصلت حد الإقدام على الانتحار.

وصنف نصر الانتخابات إلى ثلاثة أنماط: انتخابات عقلانية قابلة للتطبيق وهذا التمشي يتقيد ببرنامج ومعايير تصويت يحددها العقل، وانتخابات انتقامية تقوم على أساس شيطنة الآخر، وهذا الأمر هو السائد في تونس بعد الثورة، وانتخابات عاطفية تستعمل لغة خشبية وشعبية.

لمحة تاريخية
وكان الحبيب بورقيبة أول رئيس يحكم الجمهورية التونسية بعد الاستقلال 1957، وهو يبلغ من العمر 54 سنة، حيث بقي في سدة الحكم ثلاثين سنة (1957-1987)، ونصّب نفسه في وقت لاحق رئيسا مدى الحياة ولم يترك الحكم إلا عن عمر يناهز 84 سنة بعد الإطاحة به في انقلاب 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 من قبل رئيس وزرائه زين العابدين بن علي، قبل أن يعين نفسه رئيسا للجمهورية.

وحكم بن علي عن عمر يناهز 51 سنة لفترة حكم امتدت 24 سنة قبل أن يتم إسقاط نظامه في سن 73 عاما يوم 14 يناير/كانون الأول 2011 خلال الثورة التونسية التي بدأت يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، كُلف حينها محمد الغنوشي رئيس الوزراء بمنصب القائم بأعمال الرئيس بشكل مؤقت عن عمر يناهز 69 سنة.

وعُيّن الرئيس فؤاد المبزع (78 عاما) من قبل المجلس الدستوري ليُمثل الرئيس يوم 15 يناير/كانون الثاني 2011. وتم انتخاب الرئيس السابق منصف المرزوقي (66 عاما آنذاك) رئيسا للبلاد من قبل المجلس الوطني التأسيسي يوم 12 ديسمبر/كانون الثاني 2011، مما يجعل منه أول رئيس لا يكون عضوًا في الحزب الحاكم.

ويعد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي (92 سنة) أول رئيس منتخب عن طريق الاقتراع العمومي بعد الثورة يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 حتى وفاته في 25 يوليو/تموز 2019.

المصدر : الجزيرة