رفقاء انقلاب السيسي.. الأصابع المبتورة لبيان 3 يوليو

بيان انقلاب السيسي 3 يوليو 2013
لم يكن السيسي وحده الذي تحدث يوم إعلان الانقلاب 3 يوليو فماذا قال الآخرون (مواقع التواصل)

أحمد حسن-القاهرة

لكل منهم آمال خاصة علقها أتباعه على تأييد الانقلاب والإطاحة بأول تجربة ديمقراطية حرة تشهدها مصر، في مشهد حمل دلالات على اتفاقات خالفت ما تم من إجراءات لاحقة، فمنهم من دخل المنطقة الدافئة ومنهم من ينتظر وآخرون انزووا عن المشهد أو أُبعدوا عنه بفعل فاعل.

في هذا اليوم 3 يوليو/تموز 2013، تصدرت المشهد ستة وجوه خلف وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي على رأسهم شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الكنيسة الأرثوذكسية تواضروس الثاني، والسياسي البارز محمد البرادعي وممثل حزب النور السلفي جلال مرة.

وعند مغيب شمس ذلك اليوم غربت الديمقراطية عن مصر بإعلان الجيش أن "رموزا وطنية" تجتمع استعدادا لإعلان خارطة جديدة للبلاد، آنذاك وقف السيسي معلنا عزل الرئيس المنتخب (الراحل) محمد مرسي بعد عام واحد قضاه في الحكم الذي تولاه بعد انتخابات ديمقراطية لم يسبق لها نظير في تاريخ مصر الحديث.

اعتمد السيسي في خطته على تجييش المشهد ضد الرئيس، فاتخذ من كل قبيلة رجلا، لكنّ من ظنّوا في الرجل خيرا وأنهم أذكي وأزكى وأحق ممن كان يحكم، تجاهلوا تلاعب العسكريين بالجماهير فأهدوا السيسي في النهاية الحكم على طبق من ذهب.

في ذاك اليوم تحدث كثيرون لكن الجميع لم يستمع إلا للكلمة الأهم لوزير الدفاع وهو يعلن الانقلاب، فماذا قال الآخرون وقتها، وهل كانت كلماتهم تشي باتفاقات على مستقبل لم يتحقق منه شيء؟

الإمام أتعب الرئيس
لم يكن شيخ الأزهر أحمد الطيب مؤيدا لثورة يناير/كانون الثاني 2011، وكان يعتبرها "دعوة للفوضى وحراما شرعا". وقد تبدل موقفه مع مرسي بعد أن أعطى "الضوء الشرعي الأخضر" للانقلاب.

أيّد الطيب عزل مرسي وشارك في بيان الانقلاب قائلا إن ذلك يأتي "عملا بقاعدة شرعية إسلامية تقول إن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي، وخروج من المأزق السياسي الذي وقع فيه الشعب، بين مؤيد ومعارض، فإنني أؤيد قرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".

لكن مع سقوط ضحايا بعد أيام من الانقلاب، أكد الطيب -في بيان صوتي أذيع مرة واحدة فقط- أنه لم يعلم بقرار فض اعتصام رابعة الذي أسقط آلاف القتلى والجرحى، معلنا اعتكافه في بيته "منعا لجر البلاد إلى حرب أهلية، وحتى يعرف الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم".

لاحقا خاض الشيخ صراعات فكرية وسياسية بارزة مع السيسي ومؤيديه، مما دفع مؤيدين للسيسي إلى المطالبة بإصدار تشريع يسمح له بعزل شيخ الأزهر، لكنها لم تحدث اختراقا ذا شأن.

كان الخلاف الأبرز بينهما يتعلق برفض الطيب مقترحات رئاسية تتعلق بنصوص شرعية وفقهية، فضلا عن "تجديد الخطاب الديني" في مشهد تكرر أكثر من مرة، حتى خاطب السيسي في أحد اللقاءات الطيب قائلا "تعبتني يا فضيلة الإمام".

هل تبدد قلق الأقباط؟
على الجانب الآخر حملت مشاركة البابا تواضروس رغبة في تبديد "قلق الأقباط" مشيرا في بيان 3 يوليو/تموز إلى أن مصر في "بداية عهد جديد ودستور جديد وتبديد لقلق الأٌقباط".

لم تضمن مشاركة البابا في الانقلاب الأمان للمسيحيين، إذ لم يكن يمر وقت إلا وتشهد كنيسة تفجيرا، بخلاف حوادث القتل المتفرقة من آن لآخر، حتى أن مسيحيي سيناء تعرضوا للتهجير القسري قبل نحو عامين إثر أعمال العنف التي تشهدها تلك المنطقة الملتهبة في السنوات الأخيرة.

ورغم ذلك لا يفوت البابا فرصة دون إعلان تأييد الأقباط والكنيسة المطلق لحكم السيسي، إذ يراه "بطلا لثورة 30 يونيو" وفق تعبيره.

السيسي من جانبه لا يفوت فرصة إلا ويداعب مشاعر المسيحيين سواء بالكلمات العاطفية، أو بتكرار زيارة الكنيسة خلال الأعياد الدينية.

تكبدنا الثمن غاليا
"كان المأمول أن تفضي 30 يونيو إلى تحقيق مبادئ الثورة، وهذا ما دعاني لقبول دعوة القوى الوطنية للمشاركة في الحكم، إلا أن الأمور سارت في اتجاه مخالف، ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن تجنبه".

هذه الكلمات وردت في نص استقالة نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعي احتجاجا على فض اعتصام أنصار مرسي، بعد نحو شهر ونصف الشهر من مشاركته في بيان الانقلاب.

بعثت مشاركة البرادعي في بيان الانقلاب كممثل للتيار المدني رسالة طمأنة للداخل والخارج حول بنود خارطة الطريق، بخلاف كونه مطلبا لتولي منصب الرئيس، قبل أن يتولي منصب نائب الرئيس المؤقت للعلاقات الخارجية ليصبح جزءا من النظام.

لاحقا وضعته استقالته من منصبه تحت سهام التخوين والمطالبة بسحب جنسيته، وبات البرادعي المقيم بالخارج وجبة شبه يومية لهجوم إعلام النظام.

وأواخر 2016، اعتبر البرادعي السيسي منقلبا على بيان 3 يوليو، مشيرا إلى أن "ما حدث جاء مخالفا لما تم الاتفاق عليه بين القوى السياسية".

وأشار إلى أن القوى المجتمعة وقت الانقلاب اتفقت على "إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وخروج كريم لمرسي، ونظام حكم يشمل الجميع بمن فيهم الإخوان والإسلاميون، إضافة إلى بدء عملية مصالحة وطنية وحوار وطني وحل سلمي للاعتصامات".

وكأن البرادعي يتحدث عن مخالفة اتفاقات ما قبل بيان 3 يوليو، فالاعتصامات فٌضت بالقوة الغاشمة، ولا خروج كريما لمرسي تحقق، بل سجن واتهامات بالخيانة وتشويه إعلامي، وإهمال طبي أفضى إلى موته داخل قاعة المحكمة، في وقت سيطر على مصر نظام حكم شمولي، وتم تعديل الدستور لاحقا لتمديد ولاية الرئيس وهيمنة الجيش على الدولة، وخرج السيسي ليؤكد رفض المصالحة طالما وجد هو على عرش مصر.

منبوذ بالمنطقة الدافئة
لاح حلم وراثة الإخوان في أفق حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، فأيد الانقلاب على الرئيس المنتخب، أو ولي الأمر الواجب طاعته بحسب أدبيات الحزب السلفي.

في كلمته يوم الانقلاب قال الأمين العام للحزب إن دعم الإطاحة بمرسي جاء "حقنا للدماء، وحتى لا يفتح باب الحرب الأهلية، ودافعا من ديننا وشرعنا، ولعدم التجاوب مع مجهودات المصالحة".

احتل حزب النور المركز الثاني في برلمان 2012، قبل أن يتراجع كثيرا ويتم تحجيمه في برلمان ما بعد الانقلاب، كما لم يسلم قادته من سهام النقد الجارح، والمطالبة بحل الحزب باعتباره "حزبا دينيا".

ورغم بقائه في المنطقة الدافئة كذراع دينية للسيسي، وتحميل الإخوان مسؤولية أحداث العنف والدماء التي سالت عقب الانقلاب، لم يتغير موضع حزب النور ومرجعيته السلفية كـ "منبوذ" في إعلام النظام الذي ما فتئ يهاجم الحزب ورموزه بوصفه صاحب أفكار "ظلامية".

تمرد.. رابح وحيد
لعبت حركة "تمرد" على وتر أوجاع المصريين في سنة مرسي بالحكم، مطلقة حملة توقيعات لسحب الثقة منه، لأسباب بينها الغلاء وغياب الأمن وتدهور الاقتصاد.

تصدر مؤسس الحركة محمود بدر مشهد بيان يوليو/تموز، قائلا "إن إرادة الشعب انتصرت" داعيا إلى "الحفاظ على مكتسبات الثورة وبدء صفحة جديدة تقوم على المشاركة دون إقصاء لأحد بمن في ذلك الإسلاميون".

ورغم دعوته لمشاركة الجميع في الحياة السياسية بمن فيهم التيار الإسلامي، لا يفوت بدر فرصة إلا ويدعو إلى إقصاء من يصفهم بالإرهابيين، فضلا عن "الخونة والطابور الخامس" قاصدا القوى المدنية المعارضة للسيسي.

لم يترك قادة تمرد فرصة دون تأييد السيسي ونالوا بذلك من الحب جانبا، فبدر أصبح برلمانيا ورجل أعمال يستعرض سيارته الفارهة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح الرابح الوحيد من حركة تمرد، وصديقه محمد عبد العزيز بات عضوا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، قبل أن تختفي الحركة التي قادت الحراك ضد مرسي من الشارع تماما، رغم تضاعف الأزمات التي لعبت على أوتارها.

أما حسن شاهين ثالث الثلاثة الذين قادوا الحركة إعلاميا، فقد انضم لحملة حمدين صباحي للانتخابات الرئاسية وبعد خسارته اختفى تماما، لاعتبارات "عدم تحقيق الثورة مطالبها بالكامل" كما أعلن بعض نشطاء الحركة ندمهم على المشاركة في الانقلاب، وتحدث آخرون عن تمويلات مشبوهة كان قادة الحركة يتلقونها لتفعيل حركتهم ضد مرسي، وهو ما كشفته تسريبات أذاعتها قنوات معارضة حول حساب بنكي لحركة تمرد يتحكم فيه الجيش.

المصدر : الجزيرة