تذمر يهدد التطويع.. هل تقوض الاحتياجات المالية هدوء السلطة القضائية بمصر؟

دار القضاء العالي بوسط القاهرة حيث يوجد مكتب النائب العام
(الجزيرة)

كريم عادل-القاهرة

"المصلحة العامة تقتضي الزيادة" بهذه العبارة حاول يائسا ممثل وزارة العدل المصرية إقناع ممثل وزارة المالية بالموافقة على الزيادات المطلوبة في موازنة العام المالي الجديد 2019-2020، وذلك خلال اجتماع لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب الأربعاء الماضي.

حرص العدل على تمرير الزيادة يأتي في ظل ما ذكرته تقارير إعلامية عن وجود تذمر بين القضاة بسبب المخصصات المالية، وهو ما عززه تحذير رئيس اللجنة التشريعية النائب بهاء الدين أبو شقة من أن تكون "موازنة قضاة مصر رهن مسار المساومات المالية".

وهو ما يفتح المجال للوقوف على مدى واقع الضغط الاقتصادي على القضاة هذه الفترة، وسيناريوهات عدم تجاوب المالية مع العدل، وتأثير ذلك على السلطة القضائية. 

المصلحة العامة
كثيرا ما تحاول السلطة القضائية التستر على تفاصيل موازنتها، ونفي أي زيادة للرواتب، ولكن السر يمكن دائما في زيادة البدلات والحوافز والمكافآت تحت لافتة المصلحة العامة.

وفي موازنة 2019-2020 تكشف مخصصات ديوان عام العدل بلوغ الرواتب مليار جنيه و850 مليونا (الدولار نحو 17 جنيها) و225 مليونا مخصصة للمنح والخدمات، منها مئتا مليون لدعم صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المنشأ بالقانون رقم 36 لسنة 1975، وهو الباب الواسع للعطايا الحكومية للقضاة.

ووافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في جلسة الأربعاء الماضي على زيادة 15% لجميع الهيئات والجهات القضائية، مؤكدة ضرورة العمل على توفير الفوارق بين مقترحي المالية والعدل كونها "تمس الحرية والعدالة التي لا يمكن المساومة فيها".

العدل طالبت -في الباب الثاني من موازنتها المتعلق بالسلع والخدمات- بزيادة 15 مليون جنيه، كما طالبت بزيادة في الباب الرابع بشأن المنح والخدمات ليصل إلى 805 ملايين جنيه.

وأوضح ممثل الوزارة هاني حنا في جلسة البرلمان أن الباب الرابع المتعلق بالخدمات إطار مهم لوزارته كونه على اتصال مباشر بصندوق دعم الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة، وهو أمر لا يمكن التنازل عنه من أجل المصلحة العامة.

في المقابل، أعلن ممثل المالية إيهاب مدبولي صعوبة تحقيق ذلك موضحا أن توفير إجمالي المبلغ المطلوب والمقدر بمليار وثلاثين مليون جنيه سيواجه صعوبة.

رواتب جيدة
المستشار محمد سليمان أحد قيادات تيار الاستقلال القضائي الذين فصلوا تعسفيا لرفضه الانقلاب العسكري، يوضح للجزيرة نت أن الزيادات الاستثنائية بعد الانقلاب تمثلت في زيادة مبلغ المكافأة الذي يصرف في المناسبات الموسمية، حيث ارتفع المبلغ من أربعة آلاف إلى ستة آلاف جنيه.

وأكد سليمان، وهو نجل وزير العدل الأسبق المحبوس حاليا بتهم سياسية، أن الغلاء وتعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) انتقص من القيمة الشرائية لرواتب القضاة، لكنها ما زالت بحسب معلوماته تغطي احتياجاتهم إلى حد كبير، مضيفا "لكن يبدو أن منهم من تذمر طمعا في مزيد من المكاسب مقابل دعم القضاء للنظام".

أما وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق عز الدين الكومي فيؤكد أن القضاة منذ الانقلاب العسكري صيف 2013 تلقوا العديد من المكافآت والعلاوات والبدلات والمخصصات الشهرية والسنوية.

وطبقا لمعلوماته يؤكد الكومي للجزيرة نت أنه على سبيل المثال لا الحصر في يونيو/حزيران 2018، حصل قضاة الاستئناف على زيادة برواتبهم خمسة آلاف جنيه بأثر رجعي لمدة عام، مع مساواتهم بقضاة محكمة النقض، إلى جانب العلاوة السنوية.

وسبق ذلك -والكلام للكومي- في أبريل/نيسان 2016 أن زادت رواتب القضاة الأساسية حتى وصلت خمسة وسبعة آلاف جنيه شهريا، بعد أن زادت منتصف 2015 بنسبة 30%، أما منتصف 2017 فقد قرر مجلس القضاء الأعلى زيادة رواتب القضاة الأساسية قدرها ما بين 2600 و4200 جنيه.

وأضاف الكومي أن حوافز القضاة التي يحصلون عليها بشكل رسمي تعادل ضعف رواتبهم في فصول الصيف الثلاثة، إلى جانب مكافآت الأعياد ورمضان وبداية العام الدراسي، بالإضافة لما يحصلون عليه من مكافآت أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي تزيد على 54190 جنيها في الشهر الواحد.

ولم يتسن الحصول على رد فوري من وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء، وهما عادة يرفضان الحديث عن تفاصيل ميزانية القضاء.

لا قلق حتى الآن
ويرى مراقبون أنه لا قلق حتى الآن في دوائر السلطة التنفيذية، حتى لو رفضت المالية تمرير متطلبات العدل.

ويؤكد المستشار سليمان أنه لن يكون هناك تأثير كبير حيث إن القضاء بعد الانقلاب قد "جرى تطويعه وتدجينه تماما" وهو عادة ما تنفيه الحكومة مؤكدة استقلال السلطة القضائية.

ويتوقع أن تذمر القضاة بسبب الغلاء لن يخرج عن حدود الغرف المغلقة وصفحات التواصل الاجتماعي، ولن يشكل غضبهم أي قلق للسلطة.

ويتفق معه الكومي مبررا ذلك بأن السلطة القضائية الحالية هي "أحد أضلاع الثورة المضادة وعصا النظام الغليظة التي يؤدب بها كل من يعارض" وبالتالي فإن القضاة لن يثوروا ولن يستطيعوا أن يتكلموا في ظل التهديد الحالي الذي يطول الجميع، بحسب رأيه.

ورغم ذلك يؤكد الكومي طبقا لمعلوماته وجود حالة من التذمر المكتوم بين القضاة بسبب التمييز والأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى أن رئيس نادى القضاء حذر من بوادر أزمة واستياء وفتنة داخلية تهدد وحدة القضاة وحسن سير العدالة في يناير/كانون الثاني 2019.

تتهم المعارضة والمنظمات الحقوقية القضاة بالخضوع للسلطة التنفيذية وإصدار أحكام جائرة بحق المعارضين (الجزيرة)
تتهم المعارضة والمنظمات الحقوقية القضاة بالخضوع للسلطة التنفيذية وإصدار أحكام جائرة بحق المعارضين (الجزيرة)

موقف ثابت
بدورها ترى سلمى أشرف الناشطة الحقوقية ومسؤولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور أنه سواء تمت الموافقة على الزيادات أو رفضها، فإن هذا الأمر لن يؤثر كثيرا على حالة حقوق الإنسان المنهارة بالأساس في ظل الدوائر الانتقائية الانتقامية التي يختارها النظام بالمخالفة للقانون واستقلال القضاء.

وتوقعت في حديثها للجزيرة نت استمرار ثبات أوضاع القضاء المصري كما هو دون اعتراض في حال عدم تمرير طلبات القضاة المالية.

وأوضحت أن النظام يركز على دوائر القضاة الذين يحاكمون المعارضين والناشطين ويصدرون أحكاما تتنافى مع القانون والعدالة، مختتمة بالقول "هؤلاء فقط من سيتم ترضيتهم".

ويرفض قضاة اتهامهم بالخضوع للسلطة التنفيذية وتسيس الأحكام مؤكدين أن من يقوم بذلك فئة محدودة عبر تخصيص دوائر بعينها للقضايا السياسية، وهو الإجراء المتبع من سنوات طويلة لكنه بات أكثر وضوحا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ابتدع فكرة دوائر الإرهاب وخصص لها عدة قضاة أصبحوا معروفين بالاسم ومحل انتقاد المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.

المصدر : الجزيرة