الجزائر.. ماذا بعد الاستقالة؟

Algerian President Abdelaziz Bouteflika resigns- - ALGIERS, ALGERIA - APRIL 02: Hundreds of people celebrate during a demonstration after the resignation of Algerian President Abdelaziz Bouteflika, on April 02, 2019 in Algiers, Algeria.
محتفلون باستقالة بوتفليقة رفعوا لافتة تقول "الحرب مفتوحة، ليس هناك ضربات الجزاء" (الأناضول)

فاطمة حمدي-الجزائر

"نحن لا نشبه غيرنا".. "لا تقارنونا بغيرنا لأن تجربتنا أقسى".. بهذه العبارة صرخ أحد الطلبة وهو يحمل العلم الجزائري ويلوح به في سماء ساحة البريد المركزي التي أصبحت رمزا للحراك الشعبي.

ويتساءل مراقبون للمشهد السياسي عن أبرز المخاوف التي يعيشها نشطاء الحراك الذين خرجوا بالآلاف في الجمعة الأولى، ثم تضاعف عددهم إلى ملايين في أقل من أسبوع.

ولا يستدعي الرد على هذا التساؤل أكثر من النزول إلى الساحات الكبرى في العاصمة ساعات قليلة بعد إعلان المجلس الدستوري رسميا عن ثبوت شغور منصب الرئيس، حيث لا حديث إلا عن الانتصار.

ثبوت للشغور شبّهه جزائريون بثبوت "هلال العيد، هذه المرة هو عيد وطني شعبي تمتزج فيه نشوة الانتصار بالحذر من سرقة ما تحقق إلى اليوم بكد وجد الملايين الذين اتّخذوا من الميادين صفحات كتبوا عليها مطالبهم".

وليست استقالة عبد العزيز بوتفليقة هي الأولى، فقد سبقه الرّاحل الشاذلي بن جديد وبعده اليمين زروال، ولكن كل وأسبابه. ويستذكر الجيل السّابق تفاصيل إنهاء بن جديد لعهده الرئاسي، وكيف ألقى زروال خطبة الوداع. وها هي الجزائر اليوم تعيش منعرجا آخر، حيث كتب الشعب استقالة رئيس عمّر عشرين سنة في حكم البلاد.

‪من احتفالات الجزائريين باستقالة بوتفليقة‬ (الأناضول)
‪من احتفالات الجزائريين باستقالة بوتفليقة‬ (الأناضول)

 

لا خوف على الجزائر
يرى المحلل السياسي عبد الرزاق بوصاغور أن خارطة الطريق واضحة للجزائريين الآن، "لأن الشعب اختار الحكم الرشيد والفصل بين السلطات، وهو يطمح إلى بناء دولة جديدة تختلف عن الأنظمة التي حكمته سابقا".

ويقول صاغور في حديثه للجزيرة نت إن "الجزائريين لديهم مشروع حققوا جزأه الأول الذي يتمثل في إلغاء حقبة والبدء في مرحلة جديدة تنطلق من مفهوم الدولة العصري نحو دولة مسؤولة بجميع المقاييس".

من جهته، يرى الدكتور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد خوجة أن "أهم العوامل التي ستضمن الخروج الحقيقي من الأزمة الجزائرية، هو قوة المؤسسات".

ويشير خوجه في حديثه للجزيرة نت إلى أن المرحلة الأخيرة أثبتت أن المؤسسات بقيت قوية رغم صعوبة حلقات الأزمة والتشنج، وتدخل الجيش الحكيم الذي حرص على عدم تجاوز الدستور واحد من الأدلة على ذلك.

واعتبر وجود المجلس الدستوري والبرلمان ومجلس الأمة مؤشرا على القدرة على تفعيل مواد الدستور والمساعدة في المرحلة الانتقالية.

‪محتفلون في العاصمة الجزائرية مساء الثلاثاء‬  (الأناضول)
‪محتفلون في العاصمة الجزائرية مساء الثلاثاء‬  (الأناضول)

الربيع العربي
وقد شكّلت المآسي التي مرت بها أغلب شعوب دول الربيع العربي هاجسا لدى باقي الدول العربية، حيث ارتبطت حرية التعبير ومطالب الشعوب بالتغيير؛ بالدم والشتات والجوع والتشريد.

ولم ينس الجزائريون ما مرت به البلاد في تسعينيات القرن الماضي أو ما يعرف بالعشرية السوداء، حين كان يستيقظ الجزائري على مذبحة، ويغلق باب بيته ليلا على أمل ألا يكون رقما جديدا في سجل "ضحايا الإرهاب".

"يتعلم الجزائري اليوم من درس عاشه في الماضي".. هكذا يردد محمد عجمي (36 عاما)، مضيفا "لا يحتاج المتظاهرون اليوم إلى النظر في مآلات الربيع العربي كي يفهموا أن الانزلاق نحو الفوضى لن يكون في مصلحة الوطن ولا الشعب".

ويتابع عجمي في حديثه للجزيرة نت بساحة "أودان" في قلب العاصمة حيث كان يحتفل باستقالة بوتفليقة، أن "الجزائريين أخذوا درسهم من تجربتهم الأليمة.. لم يكن وقتها فيسبوك ولا إعلام".

‪مسنة جزائرية تحتفل باستقالة بوتفليقة‬  (الجزيرة)
‪مسنة جزائرية تحتفل باستقالة بوتفليقة‬  (الجزيرة)

ويرى الدكتور خوجة أن "الاحتجاج الشعبي في الجزائر له مرجعية تاريخية، وأن الجزائريين استفادوا من مأساتهم الوطنية قبل أن يتعلموا من الربيع العربي".

ويضيف أن "رياح التغيير في المنطقة انتشرت إلى كل ربوع الشرق الأوسط، إلا أن لكل منطقة خصوصيتها، ولعل أهم عامل أثر على الحراك الشعبي في الجزائر وكرّس سلميته هو التراكم التاريخي الذي يمتد إلى أكثر من ثلاثين سنة".

من جهته يعتبر المحلل السياسي بوصاغور أن بلاده لديها بنية تحتية مهمة ستمكنها من الوقوف مجددا بمجرد إعادة ترشيد الاقتصاد الوطني.

المصدر : الجزيرة