في الجزائر.. الحفاظ على السلمية بوابة نحو الجمهورية الثانية

Student take part in a protest to denounce an offer by President Abdelaziz Bouteflika to run in elections next month but not to serve a full term if re-elected, in Algiers, Algeria March 5, 2019. REUTERS/Zohra Bensemra
طلبة يحتجون في الجزائر العاصمة ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة (رويترز)

تشهد الجزائر حراكا شعبيا كبيرا رافضا لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. ورغم تأكيد الرئيس المنتهية ولايته على عزمه إحداث تغييرات في النظام والإعداد لانتخابات مسبقة لن يترشح فيها إن انتُخب هذا العام، لا تزال المطالب برحيله تتصدر المشهد.

وتعهّد بوتفليقة في حال انتخابه مجددا رئيسا في 18 أبريل/نيسان المقبل بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة يحدد تاريخها إثر "مؤتمر وطني".

وجاء في رسالة قرأها نيابة عنه مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان، وتضمنت ستة إجراءات تعهد بوتفليقة بالقيام بها بعد انتخابه، أنه سيجري "تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وفقا للجدول الزمني الذي تحدده الندوة الوطنية"، وتعهّد بألا يكون مرشحا لهذه الانتخابات المبكرة التي قال إنها ستجري في ظروف من الصفاء والحرية والشفافية، والتي سيحدد موعدها من قبل الندوة الوطنية.

كيف تلقت الساحة السياسية الوعود الجديدة لبوتفليقة؟ يقول الباحث والناشط السياسي مُحند أرزقي فرّاد إن "رسالة السيد الرئيس استجابة مشوهة لتطلعات الشعب الذي لا يرفض عهدة الإهانة والاستخفاف والاستفزاز فقط، بل يريد أيضا القطيعة مع هذا النظام الشمولي الذي أنجب الفساد وعطل قدرات الشباب ونهب المال العمومي الوفير".

وأضاف فرّاد في تصريحات للجزيرة نت "لماذا لم يحقق الرئيس هذه الإصلاحات السياسية طيلة عشرين سنة؟ رسالة الرئيس هي مجرد مغالطة ومخاتلة ومخادعة.. أكيد أنها لن تنطلي على الشعب".

خطر العنف
لكن هل من شأن مناورة السلطة أن توقف مد الحراك الرافض لولاية خامسة أم ستلهبه لأنها ترفض الرضوخ لمطالب الشارع؟ في هذا السياق يقول فرّاد "أنا على يقين أن وثبة الشعب ليست زوبعة في كأس، انتفاضة الشعب جاءت نتيجة لتراكم جهود نضال أجيال عديدة، هذه الانتفاضة السلمية استفادت من إخفاقات الماضي، وقد أدرك الشعب أن السلاح الأقوى هو النضال السلمي والمسيرات والوقفات والإضرابات".

‪الباحث والناشط السياسي محند أرزقي فراد‬ (الجزيرة)
‪الباحث والناشط السياسي محند أرزقي فراد‬ (الجزيرة)


وتابع "الشعب أدرك أن التحول نحو الجمهورية الثانية يقتضي مواصلة الضغط عن طريق الشارع من أجل تغيير موازين القوى لصالحه".

قد تحمل المراهنة على خيار الشارع للضغط في طياتها خطر الانزلاق نحو العنف، لاسيما أن للجزائر تاريخا مؤلما في العشرية الحمراء (التسعينيات)، وهو أمر يعتبر فرّاد أنه "وارد"، لأن "أخشى ما يخشاه المستبد هو النضال السلمي، وعليه أتوقع أن تسعى السلطة إلى جر الحراك السلمي إلى العنف، مثلما فعلت مع مسيرة العروش المليونية سنة 2001، حينما دست منحرفين لتشويهها، وقد نجحت في ذلك".

لكنه يستدرك بالقول "الوضع يختلف الآن، هناك شبكة التواصل الاجتماعي، وهي سلاح قوي لفرض النظام والتصدي لأساليب السلطة الشيطانية".

هذا التجاذب بين السلطة ومعارضيها يصل في هذه الأيام إلى ذروته، فما الخطوة التالية في حال تمسك النظام بترشيح بوتفليقة؟

هنا يقول فرّاد، البرلماني السابق، إنه "سيكون هناك تصعيد في اتجاه إعلان العصيان المدني.. إضرابات شاملة.. لكنها دائما في إطار الضغط السلمي البعيد عن العنف والفوضى".

وإذا كانت جميع الأطياف المعارضة تلتقي على مبدأ رفض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، بدأت معالم الخلافات الأيديولوجية والسياسية تبرز للعلن، وتجلى ذلك في تحديد مرجعيات تتولى الحديث باسم الحراك الشعبي وناطقين باسمه.

وفي هذا الموضوع يرى فرّاد أن "الحراك الشعبي متميز بالعلاقة الأفقية بين المشاركين، خلافا للماضي. وإذا كان من الطبيعي أن يسعى المشاركون في الحراك للاحتفاظ باستقلاليتهم، فإن المنطق يقتضي بناء جسور التواصل مع الطبقة السياسية لأن بناء مشروع الجمهورية الثانية أمر يشارك فيه الجميع".

وأضاف "هناك تكامل بين الشارع الذي نجح في خلخلة الأوضاع وفي تغيير موازين القوة، وبين الطبقة السياسية ذات التجربة وخلايا التفكير التي تؤهلها لترجمة انشغالات الشارع إلى مشروع مجتمع جديد، وبعبارة أوضح يجب أن تبنى العلاقة بين الطرفين على أساس الاحترام المتبادل والتكامل في المساعي الهادفة إلى التحول نحو نظام سياسي جديد أساسه الديمقراطية".

المصدر : الجزيرة