ماليزيا.. انتخابات تكميلية تضع شعبية الحكومة على المحك
سامر علاوي-كوالالمبور
وكان واضحا الفرز العرقي للانتخابات التكميلية، حيث إن الخطاب الدعائي استهدف الملايويين المسلمين الذين يشكلون غالبية السكان، وكانت النتيجة مطابقة للفرز العرقي، حيث انتخب المسلمون مرشح المعارضة وانتخب غيرهم مرشح الحكومة، وقد يكون السبب برأي البعض هيمنة غير المسلمين على الكتلة البرلمانية للتحالف الحاكم.
أسباب الفوز
قدّم ليم كيت سيانغ الذي يعتبر المرشد الروحي لحزب العمل الديمقراطي أحد أركان التحالف الحاكم في ماليزيا، ثلاثة أسباب تدعو إلى انتخاب مرشح الحكومة في انتخابات سيمنيه التي أجريت في الثاني من مارس/آذار الجاري.
أولا، الرد على دعوات العنصرية التي أطلقها قادة في حزب "أمنو" الحاكم سابقا، حين انتقدوا تعيين رجل غير مسلم وغير ملايوي في منصب المدعي العام، ثم قطع الطريق على رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق الذي يسعى جاهدا إلى العودة للعمل السياسي، وأخيرا التأكيد على دعم برنامج "تحالف الأمل" الحاكم، بإقامة "ماليزيا الجديدة" والتحول من دولة فساد إلى دولة قانون وديمقراطية تحظى باحترام العالم.
في المقابل، نشرت صحيفة "مالاي ميل" تحليلا بعد إجراء الانتخابات، أوردت فيه ثلاثة أسباب تبرر فوز مرشح المعارضة، هي: رفع تحالف أمنو والحزب الإسلامي (باس) لواء الدفاع عن الملايو والإسلام، وإخفاق تحالف الأمل في الوفاء بوعوده التي قطعها على نفسه في الانتخابات العامة، وضعف مرشح الحكومة مقابل مرشح المعارضة المعروف بنشاطه الإنساني والديني.
وبالرغم من أن الانتخابات التكميلية معركة محدودة إلا أنها بدت بالغة الأهمية بالنسبة للحكومة والمعارضة على حد سواء، فتحالف الأمل يسعى إلى تأكيد الثقة الشعبية بحكومته، وذلك بعد نحو عشرة أشهر من الانتخابات العامة، ولذلك ألقى بكل قواه لدعم مرشحه.
وقد استند على بطاقة الخدمات وبناء البنية الأساسية، مثل إعلان وزير الصحة عن بناء مستشفى في الدائرة، ومخاطبة رئيس الوزراء الناخبين بالقول إن من العبث التصويت لانتخاب عضو معارض في البرلمان، لأن الحكومة هي التي تملك قرار تقديم التسهيلات والخدمات.
يضاف ذلك إلى الحملة المستمرة ضد المعارضة من خلال تحميلها مسؤولية فضائح الفساد، وإشراك الحزب الإسلامي مع "أمنو" في هذه التهم.
خلافات حزبية
أما المعارضة فتعمل جاهدة لاستعادة زمام المبادرة، مستفيدة من خلافات أحزاب التحالف الحاكم التي تظهر على السطح بين حين وآخر، وفشل الحكومة في الوفاء بوعودها، وهو ما بدا واضحا في أوساط الناخبين الذين يتساءلون عن وعود إلغاء أجرة الطرق وخفض الأسعار وإلغاء ديون الخريجين ومجانية التعليم الجامعي وغيرها.
ولم يجد الناخبون ردودا شافية على تساؤلاتهم بشأن الوعود التي وردت في البرنامج الانتخابي للانتخابات العامة في مايو/أيار الماضي، والذي ضم ستين تعهدا، حيث لم يعد مستساغ شعبيا إلقاء اللائمة على فساد الحكومة السابقة، ووراثة ميزانية مفلسة.
ويرى محللون أن حملة اتهامات الفساد الأخيرة من الحكومة ضد الحزب الإسلامي مع "أمنو" جاءت بردود عكسية، وجعلت الملايويين يشعرون بأن الهدف من الحملة هو الإسلام وعرق الملايو، وبدلا من تشتيت قواعد الحزبين جعلت أتباع الحزب الإسلامي يضمون صوتهم إلى "أمنو" للدفاع عن الدين والعرق.
وزاد من توافق قواعد "أمنو" و"باس" عدة حوادث أساءت للإسلام والملايويين، مثل رسم كرتوني يسخر من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ووضع أصنام هندوسية في مسجد، ومقتل رجل إطفاء ملايوي على أيدي من وصفوا بأنهم "عنصريون هنود".
وجرت الانتخابات التكميلية الأخيرة في دائرة يشكل المسلمون فيها غالبية (68%)، وكان التحالف الحاكم قد فاز فيها في الانتخابات العامة بفارق تسعة آلاف صوت، لكنه خسر في الانتخابات التكميلية -التي أجريت بسبب وفاة ممثله في البرلمان- بفارق ألفي صوت تقريبا.
رسالة للحكومة
ويرى كثيرون في نتائج الانتخابات التكميلية رسالة للحكومة عموما ولحزب أبناء الأرض الموحد (بارتي بريبومي برساتو) بشكل خاص، ولا سيما أن الحزب الذي يقوده مهاتير محمد يظهر من اسمه "بريِبومي" أنه يمثل الملايويين ومن معهم من السكان الأصليين.
وعند تحليل نتائج انتخابات العام الماضي التي خسر فيها تحالف الجبهة الوطنية، نجد أن 75% من الملايويين صوتوا لحزبي "أمنو" و"باس"، مما يعني أن تحالف الأمل لم يتمكن من استمالة الملايويين رغم سيطرته على الحكومة المركزية، إضافة إلى أن أحزابه تسيطر على حكومة سِلانغور منذ أكثر من عشر سنوات.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة السلطان إدريس التربوية قمر الدين بن موسى، أن الماليزيين لا يولون الوعود التي تنفذ على المدى البعيد اهتماما، عندما تتشابك هذه الوعود مع ما يمارسونه يوميا، مثل المشاعر الدينية والقومية والاقتصاد، وهذه العوامل كان لها أثر كبير في تغيير الرأي العام وبالتالي خيار الناخبين.