مقال بمجلة فورين بوليسي: رؤى توراتية تطبع السياسة الخارجية الأميركية

U.S. Secretary of State Mike Pompeo attends a news conference with Hungarian Foreign Minister Peter Szijjarto in Budapest, Hungary, February 11, 2019. REUTERS/Tamas Kaszas
بومبيو أبدى دعمه للآراء المفعمة بالخوف من الإسلام (رويترز)

جاء في مقال بمجلة "فورين بوليسي" أن السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، تتسم بطابع مسيحي أصولي معاد للتعددية الديمقراطية، وذلك على خلاف كل عهود الرؤساء السابقين في الولايات المتحدة.

وقال الباحث في الأديان والأستاذ بجامعة ساوث فلوريدا كريستوفر ستروب في مقاله إن من يرسمون السياسة الخارجية الأميركية الآن هم من الأصوليين المسيحيين الذين يضمرون حقدا دفينا على الإسلام والمسلمين.

وبحسب المقال، لا تقتصر القاعدة الشعبية المؤيدة للرئيس ترامب على الإنجيليين البيض وحدهم، بل تشمل أيضا الشريحة السكانية المتحاملة على المهاجرين والمنادية بحماية مصالح مواطني البلاد.

إسلاموفوبيا
ويرى ستروب أن ظاهرة الخوف من الإسلام (المعروفة اصطلاحا بالإسلاموفوبيا) التي يروج لها في منابر الوعظ الديني الكنسي في الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، والأوهام القائمة على رؤى تنذر بنهاية العالم، هي التي تقود السياسة الخارجية الأميركية اليوم.

روى الكاتب كيف أن كبير الكهنة في الكنيسة التي درج على ارتيادها في شبابه، كان يزرع فيهم كراهية الإسلام والمسلمين، ويقول لهم إن المسلم الحقيقي هو الذي يريد قتل المسيحيين واليهود

ويضيف عاملا آخر يزعم أنه يستحوذ على اهتمام إدارة ترامب، ألا وهو "الخوف من اضمحلال سلطتها ونفوذها وسط المحافظين من المسيحيين البروتستانت البيض".

وروى الكاتب كيف أن كبير الكهنة في الكنيسة التي درج على ارتيادها في شبابه بمدينته كارميل في ولاية كاليفورنيا، كان يزرع فيهم كراهية الإسلام والمسلمين.
وذكر أن الكاهن -واسمه ماركوس وارنر- كان يقول لهم إن "المسلم الحقيقي هو الذي يريد قتل المسيحيين واليهود"، وكان يشدد على أن هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي خلص إليه من قراءة متعمقة للقرآن الكريم.

ويؤكد ستروب أن الإسلام الذي نشأ وترعرع على الخوف منه، هو الذي يشكل حاليا سياسة واشنطن الخارجية، حتى إن التصريحات والبيانات التي تشي بالعداء لهذا الدين تمر دون انتقاد في الحياة العامة.

معاداة السامية
ويضرب كاتب المقال مثلا على كراهية الإسلام المتغلغلة في الولايات المتحدة، بالحملة الشعواء التي تتعرض لها عضوة الكونغرس المسلمة إلهان عمر بسبب تصريحاتها التي قيل إنها مشحونة بعبارات مجازية معادية للسامية، عندما اعترضت في إحدى المناسبات على نفوذ لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) التي تضغط على السياسيين لإسكات الجدل الدائر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ودافعت إلهان عمر عن نفسها ضد الانتقادات التي وُجّهت لها، ورفضها لما اعتبرته "ولاء مزدوجا"، بقولها إنها لا تحتاج إلى أن "يكون لديها ولاء [أو] تتعهد بدعم" إسرائيل لتؤدي مهامها في الكونغرس الأميركي.

ويقر كريستوفر ستروب في مقاله بأنه حتى وقت قريب كان البروتستانت الأميركيون يستخدمون عبارة "الولاء المزدوج" للطعن في وطنية اليهود والكاثوليك على حد سواء، لا سيما إبان انتخابات عام 1960 التي أسفرت عن فوز جون كينيدي الذي يعد أول كاثوليكي يصل إلى منصب الرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة.

واليوم، فإن نفس هذا المفهوم يتجلى في ما يسميها ستروب "متاجرة" المحافظين -وهم في الغالب مسيحيون إنجيليون، إلى جانب مجموعة صغيرة من الأميركيين اليهود- بنظريات المؤامرة التي تزعم تغلغل حركة الإخوان المسلمين في الحكومة الأميركية، وادعاءهم أن المسلمين يسعون إلى فرض الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة.

هذا الفكر الإنجيلي يتجسد في بومبيو الذي أبدى دعمه للآراء المفعمة بالخوف من الإسلام، وتعهد بالنضال ضد الشر حتى قيام الساعة

على أن الأثر الأفدح ضررا الناجم عن الإسلاموفوبيا -وفق الكاتب- قد يتمثل في السياسة الخارجية، ويتضح ذلك من اتساع نفوذ الكارهين للإسلام في إدارة ترامب من شاكلة وزير الخارجية مايك بومبيو.

مفاهيم دينية
وينتقل ستروب في مقاله إلى الحديث عن نفوذ الإنجيليين وتسرب معتقداتهم عن نهاية العالم إلى السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، ويصفها بأنها مدعاة لقلق جدي.

ويعتقد أن هذا الفكر الإنجيلي يتجسد في بومبيو الذي أبدى دعمه للآراء المفعمة بالخوف من الإسلام، وتعهد "بالنضال ضد الشر حتى قيام الساعة".

ونقل كاتب المقال عن بومبيو قوله مؤخرا "كلنا أبناء (النبي) إبراهيم"، لكن عندما يعرف المرء أن الإنجيليين يتم تلقينهم أن اليهود ينحدرون من صلب إسحاق والعرب من إسماعيل، وأنه لن يقوم سلام بينهم أبدا، فإن مثل هذا المفهوم يتخذ معنى خفيا ومختلفا.

إن أفعال وتصرفات الإنجيليين الأميركيين على الساحتين السياسية والجيوسياسية لا تهدف في الأساس إلى التسريع بنهاية العالم، لكنهم لا يحاولون بكل تأكيد الحيلولة دون حدوث تلك النهاية، بحسب كريستوفر ستروب.

ويسعى الإنجيليون -كما يقول الكاتب- إلى اتباع إرادة الله حسب فهمهم الشائع لها والمتمثل في النبوءة التوراتية التي تدعو إسرائيل إلى التوسع، لتتوافق حدودها مع ما كانت عليه مملكة التوراة القديمة التي وعد الرب بها نسل الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وتدعو تلك النبوءة إسرائيل أيضا إلى إعادة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى قبل حلول موعد نهاية العالم.

ويختم ستروب مقاله بأن تلك هي الأسباب التي حدت بالمسيحيين الإنجيليين منذ أمد بعيد إلى الدفع نحو الاعتراف بالقدس "عاصمة موحدة للدولة اليهودية".

المصدر : فورين بوليسي