مهمة إسرائيلية خاصة.. الأداة منشار والهدف خط مياه

عوض الرجوب-الخليل

تنفس الحاج خليل يونس أبو عرام الصعداء عندما حصل قبل نحو شهرين على عداد إيذانا بالحصول على مياه من خط تم تمديده حديثا، لكن الفرح لم يدم سوى أسابيع قليلة، إذ كانت عين المحتل له بالمرصاد.

صباح الأربعاء الماضي كان الجنود الإسرائيليون على موعد مع مهمة مختلفة عن تلك التي يمارسونها باستمرار كالاعتقال أو هدم البيوت أو توزيع الإخطارات، فقد أخذوا وضعية الاستعداد وتأهبوا للمهمة.. حملوا أسلحتهم ومعداتهم وانطلق الموكب ترافقه جرافات وشاحنات وآليات حفر.. وصلت القوة إلى المكان وتوزعت المهمات لكن المهمة الرئيسية لصاحب المنشار.

باغتت تلك القوات التجمعات الفلسطينية جنوب الضفة الغربية لإتلاف واقتطاع أنابيب بلاستيكية مدفونة على جوانب الطرق الترابية والوعرة، ونشر ما تعجز الآليات عن الوصول إليه لهدف وحيد هو منع إيصال خط المياه الممول من جمعيات أوروبية لأكثر من 12 تجمعا سكنيا فلسطينيا.

‪أبو عرام تراجع عن توسيع مشاريعه الزراعية بعد انقطاع المياه‬  
‪أبو عرام تراجع عن توسيع مشاريعه الزراعية بعد انقطاع المياه‬  

قطيع بلا ماء
أفكار كثيرة أخذت تجول في خاطر المسن الفلسطيني، قُتلت اللحظة التي انتظرها طويلا، في وقت يحتاج فيه يوميا لكمية كبيرة من المياه لسقي قطيع أغنامه، وأكثر منها لشقيقه القريب منه في نفس التجمع.

يضطر أبو عرام -وهو من تجمع أبو الحلاوة- لنقل المياه بالصهريج مرتين يوميا من نقطة تبعد عنه نحو 15 كيلومترا عبر طرق جبلية غاية في الصعوبة، وهو ما يكلفه أكثر من مئة دولار يوميا، عدا خراب المعدات لسوء الطرق.

‪جيش الاحتلال دمر شبكة مياه تمد 12 تجمعا فلسطينيا‬ جيش الاحتلال دمر شبكة مياه تمد 12 تجمعا فلسطينيا (الجزيرة نت)
‪جيش الاحتلال دمر شبكة مياه تمد 12 تجمعا فلسطينيا‬ جيش الاحتلال دمر شبكة مياه تمد 12 تجمعا فلسطينيا (الجزيرة نت)

وعانى سكان المناطق المستهدفة -والمقدر عددهم بنحو 2500 فلسطيني على مدى سنوات طويلة- من شح المياه نظرا لسياسات الاحتلال القاسية بمنطقة بلا ينابيع، وتعاني أصلا من تراجع مناسيب مياه الأمطار.

ولا تسمح سلطات الاحتلال بأي مظهر يغير واقع الحياة الذي كان موجودا مع احتلال تلك المناطق عام 1967، فكان جل الاعتماد على نقل المياه بالصهاريج أو آبار تجميع مياه الشتاء.

وتتذرع سلطات الاحتلال لفرض إجراءاتها بمزاعم المصادرة أو تصنيف المنطقة على أنها مغلقة عسكريا، لكن الهدف الرئيسي استيطاني وتوسعي، حسب السكان.

ثروة مهددة
وتحتفظ المنطقة المستهدفة بثروة حيوانية هائلة تكفي احتياجات جزء كبير من السوق المحلي من لحوم الماشية، لكنها باتت اليوم مهددة، إذ تشير تقديرات المجلس المحلي إلى وجود 45 ألف رأس غنم تحتاج يوميا إلى ما لا يقل عن 225 ألف لتر مياه، وفق رئيس مجلس محلي قرية التواني محمد ربعي.

وحسب ربعي، يحتاج سكان التجمعات المذكورة لنحو 150 مترا مكعبا من المياه يوميا لأغراض الشرب فقط، واليوم هم مضطرون للعودة للصهاريج التي يكلف كل واحد منها (سعة 20 مترا مكعبا) 250 دولارا، مشيرا إلى مساعدة منظمات داعمة سابقا للسكان في تحمل جزء من هذا العبء.

‪سكان تجمعات جنوب الخليل يعيشون على تربية الأغنام المهددة بنقص المياه‬  سكان تجمعات جنوب الخليل يعيشون على تربية الأغنام المهددة بنقص المياه (الجزيرة)
‪سكان تجمعات جنوب الخليل يعيشون على تربية الأغنام المهددة بنقص المياه‬  سكان تجمعات جنوب الخليل يعيشون على تربية الأغنام المهددة بنقص المياه (الجزيرة)

ويوضح أن سلطات الاحتلال تمنع أي بناء في المنطقة، وسبق أن هدمت ووزعت إخطارات هدم لكل بناء جديد مهما كان صغيرا.

وسكان تجمعات التوانة والركيز والمفقرة وخلة الضبع والمجاز ومغاير العبيد ومقطعة عبيد الله والفخيت وغيرها يتبعون بلدة يطا جنوب الخليل، ولهذه التجمعات مجلس محلي يمثلها، وتكفلت منظمات دولية بتوفير الكهرباء لهم عن طرق مشاريع الطاقة الشمسية.

يقول رضوان ربعي من سكان التوانة إن بلدته كافحت طويلا حتى حصلت على خط مياه عام 2013، ومن هذه النقطة تم إمداد شبكة تصل إلى 20 كلم بالمياه وصولا للقرى النائية والمحرومة، لكن الاحتلال أفشل المشروع، مما يضطر سكان تلك التجمعات لمعاودة نقل المياه بالصهاريج وهذا يتطلب دعما ماديا لارتفاع تكلفة النقل.

المسكن كهف
في كهف قديم بتجمع خلة الضبع، يقيم موسى الدبابسة في ذات المكان الذي سكنه أبوه وأجداده، وفي محيط منزله يزرع بعض الأشجار ويضطر لريّها.

عوّل الدبابسة (مدرس) كثيرا على مشروع المياه لكن الخط دُمر دون أن تصله المياه، فعاد إلى حياته الأولى معتمدا على بئر مخصصة لجمع مياه الشتاء، ويخشى مع دخول الصيف أن يعجز عن توفير المياه أو شرائها لري أشجاره.

‪رضوان ربعي يحمل أنابيب مياه دمرها الاحتلال‬  رضوان ربعي يحمل أنابيب مياه دمرها الاحتلال (الجزيرة نت)
‪رضوان ربعي يحمل أنابيب مياه دمرها الاحتلال‬  رضوان ربعي يحمل أنابيب مياه دمرها الاحتلال (الجزيرة نت)

وبينما توصي منظمة الصحة العالمية بأن الحد الأدنى للفرد من المياه هو ما بين مئة و120 لترا يوميا، فإن حصة الفلسطيني عموما تقدر بنحو 45 لترا فقط، وفي بعض التجمعات بمحافظة الخليل 15 لترا، بينما يحصل الإسرائيلي على 250 لترا والمستوطن أربعمئة.

وأدى تعطل العمل في لجنة المياه المشتركة بين الطرفين طوال السنوات الماضية إلى تعطل العمل في 97 مشروعا للمياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة