زي موحد للمعلمين المصريين.. ترحيب وقلق واستياء وسخرية

ياسر سليم - تثير ألوان الأزياء ونوعية خاماتها استياء المعلمين خشية تعميمها بتنميط المعلمين ـ الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي للزي الجديد المفروض - زي موحد للمعلمين المصريين ..ترحيب وقلق واستياء وسخرية
ألوان زي المعلمين الموحد ونوعية خاماتها تثير استياء المعلمين (مواقع التواصل)

عبد الكريم سليم-القاهرة

أثار قرار محافظ الوادي الجديد جنوب غربي مصر توحيد الزي المدرسي للمعلمين في المحافظة، قلق معلمين في مختلف أنحاء البلاد خشية تعميم التجربة، مما يجعلهم موضع "سخرية الطلاب والمجتمع".

الطريف أن أولياء أمور في قرى صعيد مصر طالبوا بتعميم التجربة، إذ يذهب المعلمون إلى المدارس هناك بالجلابيب، وهو الزي الشعبي للفلاحين في الصعيد والدلتا، وهو ما يتناقض -برأي الأولياء- مع وقار المعلم.

وحاول وزير التعليم طارق شوقي مرارا وفي أكثر من لقاء تلفزيوني طمأنة المعلمين بالقول إن قرار الزي الموحد لم يصدر عن الوزارة، ولكنه مبادرة من محافظ الوادي الجديد.

غير أن معلمين استمروا في التعبير عن القلق، فالخبرات تؤكد أن الحكومة تحاول "تمرير" قراراتها المثيرة للاعتراض عبر تجارب على نطاق محدود لقياس ردود الفعل، قبل تعميمها.

محافظ الوادي الجديد اللواء محمد الزملوط دافع عن قراره بأنه ما زال في طور التجربة واستطلاع الآراء، لإضفاء "شكل جمالي ومتميز" للمعلمين، ولا يهدف إلى الربح مطلقاً.

وفي لقاء مذاع للمحافظ مع المعلمين، أبدى بعضهم ترحيبه بالتجربة، غير أن الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي للمعلمين وهم يرتدون معاطف بلون موحد (رصاصي) إزاء المحافظ بالمعطف الأنيق، استدعت مفارقة مثيرة للسخرية على مواقع التواصل؛ من فرق المستوى في اللون والخامات.

محافظ الوادي الجديد اللواء محمد الزملوط (يسار) قرر فرض زي موحد على المدرسين في المحافظة (مواقع التواصل)
محافظ الوادي الجديد اللواء محمد الزملوط (يسار) قرر فرض زي موحد على المدرسين في المحافظة (مواقع التواصل)

تجارب الزي
والمعاطف التي جرى توزيعها على المعلمين مصنوعة من خامات تفتقر إلى الجودة والأناقة، وتبلغ تكلفة الواحد قرابة 120 جنيهاً (نحو سبعة دولارات) تتحملها المحافظة مناصفة مع المعلم، ويجري تصنيعها في مدارس التعليم الفني من خلال مشروع رأس المال.

وسرت سخرية على مواقع التواصل من الزي الرصاصي لأنه يشبه زي محصلي التذاكر في المواصلات العامة، بينما أكد مراقبون أن لون الزي وطرازه تعبير عن "فقر الفكر العسكري" الحاكم، فهو يجعل المعلمين كالعساكر بتنميط الشكل، واللون الرصاصي يحيل الذهن إلى "لغة الرصاص".

ولا يرى معلمون بأساً في تحسين مظهرهم بشروط محددة للزي، وبشرط ألا يكون مسيئا لمكانتهم، وعدم إلزامهم بارتداء زي معين.

تقول شيماء -وهي معلمة بمدرسة دولية- إن الإدارات في مثل هذه المدارس تلزم المعلمين بضوابط محددة لزي رسمي، أهمها منع ارتداء البنطال الجينز للمعلمين، والتنورات الجينز للمعلمات، والصندل "الحذاء المفتوح" والأحذية الرياضية، مع التخفف من هذه الضوابط في الأيام الاحتفالية. أما الزي الموحد فهو فكرة غير واقعية وسخيفة، برأيها.

وفي المدارس ذات الطابع الإسلامي تلتزم المعلمات بارتداء العباءات الفضفاضة، وتقول زهراء -وهي معلمة بمدرسة إسلامية في القاهرة- إن استمارة التقديم للعمل بهذه المدارس تتضمن خانة للزي المطلوب، وهو عبارة عن عباءة داكنة اللون، مع ترك حرية اختيار الخامات، وحظر أي نوع من الزينة.

ويتلقى المعلمون المخالفون للضوابط -في المدارس التي تضع شروطاً للزي- تحذيرات بعدم تكرار المخالفة، وإلا فالخصم ثم الفصل في انتظارهم.

معلمون يرون أن استعادة هيبة المعلم لا تحتاج إلى زي موحد (الجزيرة)
معلمون يرون أن استعادة هيبة المعلم لا تحتاج إلى زي موحد (الجزيرة)

الطالب والمدرس
أما محمود -وهو طالب بإحدى المدارس الثانوية في الجيزة- فيقول إن الزي المحدد للمعلم مطلوب لأنه سيعيد الهيبة له داخل الفصول، فأكثر المدرسين هيبة هم أخصائيو الألعاب الرياضية، والطلاب يقيمون اعتباراً لهم، بينما لا يعيرون انتباهاً لمعلمين شباب يأتون إلى المدرسة بسراويل لا تميزهم عن الطلاب، كالسروال الساقط أو المقطوع عند الركبة والفخذ، كما هي الموضة الحالية لدى الشباب.

بدوره يبدي عز الدين -وهو معلم ثانوي- قلقاً بالغاً من تهور الوزير وإقدامه على هذه الخطوة "الفاشية"، قائلا "لقد اعتاد الوزير الحالي على القرارات الصادمة والغريبة، وقد يقدم على توحيد زي المعلمين إذا نجح في تطبيقها بمحافظة الوادي الجديد".

ووفقا لعز الدين فإن استعادة هيبة المعلم تحتاج إلى أكثر من مجرد زي، ومن ذلك رفع مستواه المادي، وتوفير الأدوات اللازمة لنهوضه بأعباء عمله.

ويفند معلمون على مواقع التواصل دعاوى المسؤولين القائلة بأن الزي الموحد ليس بدعة، فكثير من أصحاب المهن كالأطباء والمحامين والقضاة والضباط لهم زي موحد، بينما يؤكد المعلمون أن هذه المهن تتطلب الزي حماية لمرتديه، أو تمييزاً له بحسب ما تقتضيه المهنة، ولكن المعلم لا يحتاجه أصلا، إلا بفرض ضوابط تمنع ما تراه الوزارة من ملابس مخلة بقيمة واعتبار المعلم.

ويبدو أن قلق المعلمين من تعميم التجربة له ما يبرره، فالوزارة تعكف على إعداد كتاب دوري ينظم مسألة الزي الموحد، ضمن الإجراءات التنظيمية التي تستهدف بها الوزارة تحسين الصورة الذهنية عن المعلم لدى المجتمع، حسب تصريحات صحفية لمحمد عمر نائب وزير التربية والتعليم، الذي يؤكد قرب الإعلان عن تلك الخطة وآليات تنفيذها.

المصدر : الجزيرة