يضطر بعضهم للعمل باعة جائلين.. إلقاء خطبة الجمعة في مصر مقابل دولارين

رغم تأديتهم اختبارات الوزارة خطباء المكافأة غاضبون لعدم تحسين أوضاعهم
رغم اجتيازهم اختبارات الوزارة فإن خطباء المكافأة غاضبون لعدم تحسين أوضاعهم (مواقع التواصل)

حسن المصري-القاهرة

"أعمل نقاشا كمهنة إضافية مع عملي إماما وخطيبا بالمكافأة، ونتعرض للظلم في وزارة الأوقاف"، هكذا يشرح الثلاثيني عادل المفارقة التي يتعرض لها المئات من الخطباء المصريين من خريجي الأزهر الشريف.

والمقصود بخطباء المكافأة دعاة من خريجي الكليات الدينية تعاقدت معهم وزارة الأوقاف نظير مكافأة شهرية مقابل أداء خطبة الجمعة بعد حصولهم على تصريح والتأكد من أهليتهم للعمل الدعوي، وبعضهم مستمر بالعمل دون تثبيت في الوظيفة منذ نحو 10 سنوات، وهو ما يعني رواتب زهيدة وافتقادا للأمان الوظيفي، الأمر الذي دفعهم للتهديد بالإضراب للاستجابة لمطالبهم.

الشيخ عادل واحد من هؤلاء، بدأ حياته العملية بعد أن أنهى دراسته الجامعية بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ليقرر العمل بالدعوة الإسلامية، وهو الطريق الذي لطالما أراد أن يسلك دربه نظرا لحبه للخطابة ورغبته في الدعوة إلى الدين، دون أن يعلم أن حلمه سيتحطم على صخرة الروتين.

في حديثه للجزيرة نت، يقول الداعية الشاب "رغم الاختبارات التي اجتزتها والتي أعلنت عنها وزارة الأوقاف خلال الفترة الماضية لتحسين أوضاعنا المادية والوظيفية، فإننا لم نحصل على شيء، فما زال الوضع كما هو، مما يجعلني أمتهن وظائف أخرى لتعويض ضآلة المقابل المادي". 

ويتابع "المقابل المادي الذي أحصل عليه 140 جنيها شهريا (الدولار يساوي نحو 16 جنيها) رغم أني متزوج ولدي بنت واحدة ومطالب بالإنفاق على أسرتي، فما الذي يفعله هذا المبلغ المحدود لي ولأسرتي، في وقت تتضاعف فيه أسعار كل شيء منذ تعويم الجنيه، إلا رواتبنا التي لا تصل للحد الأدنى للأجور حتى".

وعن نظرة المجتمع له في ظل عمله نقاشا (عامل طلاء) وداعية، لا يكترث عادل بهذا، إلا أنه استنكر غياب دور الوزارة قائلا "حينما أنجح في مجال دراستي وهو الدعوة واضطر للعمل بمهنة غير مهنتي لكفاية أسرتي وسد حاجاتها، فهذا أمر مؤسف خاصة في ظل حاجة المساجد للدعاة والأئمة".


عجز في الأئمة والخطباء
يبلغ عدد خطباء المكافأة غير المعينين قرابة 3000 خطيب على مستوى الجمهورية، بينما يصل عدد الخطباء المعينين قرابة 52 ألفا، في حين يبلغ عدد المساجد والزوايا التابعة للأوقاف نحو 133 ألفا، مما يوضح العجز الكبير في عدد الأئمة والخطباء، وذلك بحسب إحصائيات رسمية صادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء.

وعلى مدار الأعوام الماضية بررت وزارة الأوقاف موقفها بأن التعاقد مع الخطباء تم بنظام المكافأة على أساس أنهم مقيمو شعائر (مؤذنون) أي من دون راتب، ولهذا لم يكن هناك بند أجور أو أموال لهم في ميزانية الوزارة، إلا أنها أكدت بعد ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أن تحسين الأوضاع المادية للأئمة من حملة المؤهلات الأزهرية مشروط بالتقدم لاختبارات تحسين المستوى المالي.

لكن الشيخ محمود أحمد، خريج كلية الشريعة بالأزهر وخطيب مكافأة، يرى أن تبرير الوزارة هو عذر أسوأ من ذنب ونوع من التسويف، متسائلا "كيف يشكك وزير الأوقاف بمؤسسة الأزهر التي درسنا بها طوال 16 عاما دون الرسوب في المواد الشرعية والعلمية المقررة من الشريعة والقرآن واللغة العربية بل والمواد الثقافية الأخرى؟ ألم نحصل على مؤهلات موقعة من الدولة عبر أساتذة الأزهر الشريف؟".

ولفت الشيخ محمود إلى أن الوزارة أجرت دورات تدريبية واختبارات إجبارية للتأكد من أهليتهم للعمل الدعوي تحت اسم اختبار تحسين المستوى المالي لخطباء المكافأة، وأنهم نجحوا فيها خلال مطلع ومنتصف العام الجاري، لكن لم يتم البت في قضيتهم رغم ذلك.

وفي سبيل مواجهة ظروف الحياة، يعمل الشيخ محمود محفظا للقرآن الكريم، كما يقرأ القرآن في الجنائز وفي المناسبات والاحتفالات الدينية، ويرى أن ما يتعرض له خطباء المكافأة عبارة عن تعنت وظلم، قائلا "ماذا تفعل 140 جنيها في ظل غلاء الأسعار؟ علما بأن منا من يلقي خطبة الجمعة في محافظة غير محافظته حسب توزيع الخطباء الذي يأتي من الوزارة لسد العجز في عدد الأئمة والخطباء".

كما انتقد عدم وفاء وزير الأوقاف بوعده أمام البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بشأن زيادة المكافأة إلى 100 جنيه للخطبة الواحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.


تهديد بالإضراب
وتعد قضية الخطباء والأئمة أزمة ممتدة منذ أعوام حتى إن وزير الأوقاف الحالي مختار جمعة سبق له التصريح في مؤتمر صحفي عام 2015 بالاستغناء عن خطباء المكافأة، معتبرا أن الأصل في العمل بالخطابة للأئمة المعينين.

وأعلن بعض خطباء الأئمة في بيان لهم أخيرا توقفهم عن الخطابة بداية من العام المقبل بسبب ضعف المقابل المادي وإنكار أحقيتهم بالتثبيت على درجات مالية أسوة بباقي المؤسسات الدينية.

وقال الخطباء مناشدين الرئيس عبد الفتاح السيسي "نحن خطباء المكافأة خريجي جامعة الأزهر حملة مؤهلات عليا تخصصات شرعية وعربية ولا نعمل بأي قطاع حكومي أو خاص، يصل عددنا إلى 3000، ونعمل بالخطابة مقابل مكافأة شهرية، بعد أن اجتزنا اختبارات وتحريات أمنية، لكن منا من يعمل فرانا أو حدادا أو ميكانيكيا أو بائع عرق سوس، فكيف نواجه الإرهاب ونحن نضطر للعمل في مهن أخرى لكسب الرزق ولم نتفرغ للدعوة؟".

وقبل شهرين أعلن وزير الأوقاف عن بعض العمولات المالية للخطباء تمثلت في زيادة بدل صعود المنبر للأئمة المعينين رسميا بقيمة 600 جنيه تزيد إلى 800 جنيه للأئمة الحاصلين على درجة الماجستير، وإلى ألف جنيه للحاصلين على درجة الدكتوراه، كما قرر الوزير صرف 100 جنيه شهريا بدل زي.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة