كنيسة روسيا المستأجرة في الخليل.. لماذا تجدد النزاع عليها؟

فلسطين-الخليل-عوض الرجوب-1 كانون أول 2019: كنيسة المسكوبية أو دير الثالوث المقدس
كنيسة المسكوبية مقامة على أرض مؤجرة للكنيسة الروسية منذ عام 1871 (الجزيرة)

عوض الرجوب-الخليل

إلى الغرب من مسجد خليل الله إبراهيم بنحو أربعة كيلومترات، ووسط صخب البناء المعاصر؛ تقع على قمة جبل سبتى كنيسة وحيدة بخمسة رهبان، وسط ما يزيد على سبعمئة ألف مسلم بمدينة الخليل.

أقيمت الكنيسة على شكل قاعة رئيسية مستطيلة وقاعات أخرى مستديرة تعلوها قبتان، بمساحة نحو ستمئة متر مربع، ويحيط بها 71 دونما (الدونم في بلاد الشام يساوي ألف متر مربع) من الأراضي المتنازع عليها قضائيا، والمزروعة بأشجار الزيتون والعنب والبلوط المعمرة، وبين الأخيرة بقايا شجرة يطلق عليها بلوطة إبراهيم؛ نسبة لأبي الأنبياء عليه السلام، ويؤمها زوار من أنحاء العالم.

على يمين البوابة الرئيسية للكنيسة المعروفة باسم "المسكوبية" تستقبل الزوار لافتة مثبتة بالاسم الرسمي للمكان "بطريرك موسكو.. بعثة الكنيسة الأرثوذوكسية.. دير الثالث المقدس ومجمع الآباء المقدسيين إبراهيم وسارة"، وإلى اليسار لافتة مؤقتة يبدو أنها ثبتت على عجل تنفي فيها الكنيسة ما أشيع عن بيع أرضها للمستوطنين.

معركة التملك
بعد البوابة الرئيسية لجبل سبتى (بمحاذاة شارع رئيسي يربط الخليل ببلدة تفوح غربا) يصعد الزائر شمالا في طريق بطول مئتي متر ينتهي إلى الكنيسة والدير، وعلى يمين الطريق ويساره أشجار تغطي بظلها أغلب الأرض المحيطة بالكنيسة.

‪لافتة علقتها البعثة الروسية أمام مدخل الكنيسة تنفي بيعها أراضيها‬ (الجزيرة)
‪لافتة علقتها البعثة الروسية أمام مدخل الكنيسة تنفي بيعها أراضيها‬ (الجزيرة)

إلى الشرق من مبنى كنيسة المسكوبية تقع مقبرة صغيرة مخصصة لمن يتوفى من الرهبان، وإلى الشمال منها عدة قبور تعود إلى العصر العثماني، تعرضت قبل سنوات للعبث من بعض القائمين على الكنيسة، لكن بتدخل السكان الفلسطينيين أعيد إغلاقها ودفن العظام المستخرجة، أما شمالا فيوجد برج خصص سابقا للمراقبة.

في ظل شجرة بلوط يقدر عمرها بنحو 150 عاما؛ يتكئ حارس الكنيسة المسن أنور زبلح، ولا يبدد هدوء المكان سوى بعض حافلات السياح القادمين من روسيا بين الفينة والأخرى. وبينما يفتح نجله البوابة يتولى هو تقديم شرح عن بلوطة إبراهيم، ويبيع للزوار شيئا من الزيت وحبات البلوط، قبل الانطلاق إلى مبنى الكنيسة.

لا يذكر حارس الكنيسة أن زاد عدد الرهبان فيها على خمسة في أحسن الأحوال، كما لا يذكر أن تعرض أي منهم أو من أملاك الكنيسة لأذى، بل عاشوا في أمن وأمان إلى جانب السكان الفلسطينيين على مدى عقود طويلة، وبحراسة عائلته منذ استئجار الأرض قبل 160 عاما.

شكوك البيع
لم يعكر الأجواء مؤخرا سوى محاولات الكنيسة بكل الوسائل تملك الأرض المستأجرة، وهو ما يقابل برفض فلسطيني عبر عنه السكان بكل الوسائل السلمية دون المساس بالكنيسة؛ مما جعل القائمين عليها أقل ترحابا بالزوار المحليين داخل المبنى.

وعزز اقتحام عشرات المستوطنين الكنيسة الأسبوع الماضي برفقة ضباط في جيش الاحتلال؛ مخاوف الفلسطينيين من احتمال بيعها للمستوطنين، بعد قرار الرئيس الفلسطيني تمليك الأرض للكنيسة، لكن مصادر فلسطينية تقول إن الاقتحام يتم وفق آليات متفق عليها سياسيا وفي أوقات محددة، وإن القضية ما زالت بين يدي القضاء.

‪أحمد مجاهد يتابع قضية جبل سبتى أمام القضاء الفلسطيني‬ (الجزيرة)
‪أحمد مجاهد يتابع قضية جبل سبتى أمام القضاء الفلسطيني‬ (الجزيرة)

ويتبنى وجهاء من مدينة الخليل -على رأسهم عائلة التميمي- الحراك الرافض للقرار الرئاسي بتمليك الأرض للكنيسة، الذي صدر العام التالي لتملكها من قبل حكومة رامي الحمد الله سنة 2016، في حين تواصل عائلة مجاهد معركتها القضائية ضد الكنيسة لإخراجها من الأرض بعد تخلفها عن دفع أجرة المكان من جهة، وضد قرار تملكها من جهة ثانية.

وتعود قصة الأرض ليوم 21 رجب عام 1288 هجرية، الموافق الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1871، حيث أبرم عقد إيجار أرض الكنيسة للبعثة الروسية، فكان الطرف الأول في العقد هو الخليلي صالح مجاهد، متولي وقف الصحابي الجليل تميم الداري، أما الطرف الثاني فهو الأرشمندريت بن أنطوان ممثل الكنيسة الروسية في القدس. وينص العقد على تأجير أرض جبل سبتى في الخليل للكنيسة الروسية بسبعة قروش ونصف القرش سنويا.

‪صورة عن عقد إيجار أرض جبل سبتى للبعثة الروسية‬ (الجزيرة)
‪صورة عن عقد إيجار أرض جبل سبتى للبعثة الروسية‬ (الجزيرة)

وقف الصحابي
وأوقف النبي صلى الله عليه وسلم أغلب أرض الخليل للصحابي الجليل تميم بن أوس الداري وأحفاده، ضمن وثيقة عرفت في السيرة النبوية باسم "إنطاء تميم" يستند إليها الحراك الرافض لتمليك الكنيسة.

وتخلفت الكنيسة عن دفع الأجرة عام 1953، لكن محاميها عاد ودفع الأجرة عام 1960، ومنذ ذلك الحين لم يتم دفع أي فلس بدل أجرة أرض الكنيسة معلومة الحدود والمساحة، فلجأ الحاج أحمد مجاهد، وجيه عائلة مجاهد وجار الأرض إلى القضاء، على اعتبار أن الكنيسة أخلّت بأهم بنود عقد الإيجار، وهو الاستمرار في دفع الأجرة السنوية، وهذا ما يؤكده نص القانون.

‪جبل سبتى حيث تقع كنيسة المسكوبية الروسية‬ (الجزيرة)
‪جبل سبتى حيث تقع كنيسة المسكوبية الروسية‬ (الجزيرة)

يواصل الحاج أحمد مجاهد معركة قضائية منفصلة لإبطال قرار تمليك الأرض للكنيسة الصادر عام 2017، على اعتبار أن الرئيس الفلسطيني غير مخول بتمليك أرض الدولة لأي كان.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن عائلة مجاهد توافقت على منح أرض الكنيسة للحكومة في عهد رامي الحمد الله عام 2016 لاستغلالها في مصلحة عامة، لكن الرئيس سرعان ما طلب تسجيلها باسم الكنيسة.

ومع اندلاع الثورة الاشتراكية عام 1917 انقسمت الكنائس الروسية إلى "حمراء" موالية للثورة، وأخرى "بيضاء" منشقة عنها، وظلت كنيسة المسكوبية في الخليل تتبع الكنيسة البيضاء حتى قدوم السلطة الفلسطينية إلى المدينة وإعادتها إلى الكنيسة الحمراء عام 1998.

المصدر : الجزيرة