حماس والانتخابات.. مناورة الرد على عباس وتجديد الشرعيات

أجواء إيجابية تسود اجتماع رئيس لجنة الانتخابات الفلسطينية مع حماس والفصائل
أجواء إيجابية سادت اجتماع رئيس لجنة الانتخابات الفلسطينية مع حماس والفصائل في غزة (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خصمه السياسي حركة حماس إلى انتخابات تشريعية، بل والذهاب إلى انتخابات رئاسية، لكنها المرة الأكثر اندفاعا من حركة حماس نحو الرد بإيجابية، مما ولد سؤالا كبيرا: لماذا الآن وما جدية الطرفين؟

في 26 سبتمبر/أيلول الماضي أعلن الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه سيدعو إلى انتخابات عامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة. وجاء ذلك بعد أيام من طرح مبادرة الفصائل الفلسطينية الثماني، ومنها فصائل في منظمة التحرير، لإنهاء الانقسام التي وافقت عليها حماس، في حين اعتبرتها حركة فتح "مضيعة للوقت".

وقال محللون في حينه إن حركة فتح وعبر دعوة الرئيس إلى انتخابات جديدة " أرادت ألا تبدو منعزلة، بل تسعى للاحتكام إلى الشعب وليس إلى الفصائل".

لكن في خطوة غير متوقعة، أعلنت حركة حماس وعلى لسان رئيسها إسماعيل هنية جاهزيتها للانتخابات عقب لقائه برئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر الاثنين الماضي. وقال هنية في مؤتمر صحفي "ليس لدينا أي تردد أو قلق أو تخوف من الدخول في عملية انتخابية عامة وشاملة".

واستمرت التصريحات الإيجابية المرافقة لزيارات ماراثونية يقودها رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر بين السلطة في رام الله وحركة حماس والفصائل في غزة. وأعلنت حماس موافقتها على إجراء انتخابات بصيغتها التشريعية أولا ثم الرئاسية يليها انتخابات المجلس الوطني، رغم مطالبتها بإجراء انتخابات عامة متزامنة سابقا.

تعلل حماس موافقتها بضرورة مواجهة التحديات المحيطة بالقضية الفلسطينية وأهمها "صفقة القرن"، والسعي "لتصويب المسارات السياسية الفلسطينية" كما قال مسؤولها في غزة يحيى السنوار.

عباس قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه سيدعو إلى انتخابات عامة (الجزيرة)
عباس قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه سيدعو إلى انتخابات عامة (الجزيرة)

ويقول المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم للجزيرة نت إن حماس حريصة على ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز الوحدة وبدء مرحلة جديدة من مواجهة التحديات، ووافقت على استثمار دعوة الرئيس لترجمة توجهاتها على أرض الواقع. مشددا على أن "توجه حماس للانتخابات صادق وإنه لم يأت نتيجة ضغوط دولية".

وحسب برهوم، فإن موافقة الرئيس عباس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في رسالة نقلها حنا ناصر، شجع الفصائل على دعمها لإجراء الانتخابات. لكن هذا برأي الحركة غير كاف، وجدد دعوة حركته إلى "لقاء قيادي وطني في أي مكان لمناقشة فرص نجاح الانتخابات ومتطلباتها واستحقاقاتها والتوافق على تفاصيل إجرائها".

وهي الدعوة التي رد عليها محمود العالول نائب رئيس حركة فتح بالقول إن "هذه الحوارات قد تؤدي لبروز نقاط خلافية تضرب فكرة إجراء الانتخابات"، ودعا إلى نقاشات معمقة بعد إصدار الرئيس مرسوما يحدد موعد الانتخابات.

‪هنية أكد جاهزية حركة حماس لخوض الانتخابات التشريعية‬  (الجزيرة)
‪هنية أكد جاهزية حركة حماس لخوض الانتخابات التشريعية‬  (الجزيرة)

حذر في الضفة
وفي حين تبدو القيادات في غزة أكثر إيجابية في حديثها عن الانتخابات، يسود الحذر رؤية الشارع والقيادات في الضفة الغربية حيال جدية إجراء الانتخابات ودوافعها.

ويقول النائب عن حركة حماس نايف الرجوب للجزيرة نت "إن إصدار مرسوم رئاسي بشأن الانتخابات لا يبدو جديا". مشيرا إلى تصريحات لحركة فتح تناولت صعوبة إجراء الانتخابات في القدس بسبب واقع الاحتلال وفي غزة بسبب سيطرة حماس. وأضاف أن "فتح في حالة مزرية لا تسمح لها بالذهاب إلى الانتخابات".

لكن الرجوب تحدث أيضا عن "وضع مأساوي تواجهه حركة حماس في الضفة الغربية في ظل الاعتقالات السياسية والتضييق الأمني وتكميم الحريات وملاحقة المعارضين".

لماذا توافق حماس على انتخابات تحت هذا الواقع إذا؟ يُقر الرجوب مجيبا أن "الرئيس لم يكن جادا في دعوته للانتخابات، وأعتقد أنه قد ألقى الكرة في ملعب المعارضة وراهن على رفض حماس لها، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن".

وقال الرجوب إن حماس ردت الكرة إلى ملعب الرئيس وجعلته مطالبا بإصدار مرسوم يحدد موعد الانتخابات، وهو ما يستبعد حدوثه، لكنه يعتقد أيضا أن "إجراء انتخابات نزيهة كما حدث عام 2006 أمر لن يتكرر".

رغم ذلك، يضيف دون مواربة "نحن لا نستطيع رفض دعوة الانتخابات الآن خاصة مع مطالبة الحركة للسلطة منذ سنوات بتجديد شرعيات النظام الفلسطيني بما فيه الرئيس والمجلس التشريعي والمجلس الوطني".

من جانبه، يقول الناطق باسم حماس في الضفة وصفي قبها "إن الأجدر بكل الفصائل الذهاب إلى مصالحة وطنية تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة توفر الأجواء الديمقراطية لانتخابات نزيهة ويتم فيها التوافق على قانون الانتخابات وآليات إجرائها".

ورغم تقديراته بفوز حماس في الانتخابات التشريعية القادمة بالضفة الغربية، يرى قبها أن إجراء الانتخابات في أجواء الانقسام "وصفة للاقتتال الداخلي خاصة مع وجود فلتان أمني وانتشار للسلاح في الضفة، ودفع غزة للانفصال".

ويعتقد قبها أن فتح غير جاهزة للانتخابات بل أرادت المناورة وذر الرماد في العيون بسبب انقساماتها الداخلية، لكنها اصطدمت "بسحب البساط من تحتها عبر موافقة حماس على انتخابات تشريعية ورئاسية على مراحل".

وفي الوقت نفسه ينتقد قبها التصريحات الإيجابية عن الانتخابات وتجاهل "ملاحقة الطلبة الجامعيين من أجهزة السلطة واستمرار اعتصام أسرى سابقين لقطع رواتبهم وسط رام الله"، ما يناقض أي توجه ديمقراطي باعتقاده.

ويقدّر أن التنسيق الأمني في الضفة ورفض الأجهزة الأمنية لأية عملية ديمقراطية سيفجر الانتخابات، إلى جانب وجود ألغام كإجرائها في القدس فعلا وتوفر ضمانات دولية بذلك.

يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل إن حماس لا تريد أن تبدو كمَن يعطل التغيير في الوضع الفلسطيني، رغم أنها الرابح الأكيد في الانتخابات القادمة، لأنها ستعود لتجديد شرعيتها في الحكم، فإذا حصلت على التصويت الأكبر ستكون صاحبة القرار وإذا حصلت على نسب أقل فستصبح شريكا في الحكم دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير سيطرتها في غزة والمس بسلاح المقاومة.

ويعتقد عوكل أن التوجه لإجراء الانتخابات في الواقع الحالي غير جدي، ويشكك في إمكانية عقد لقاء وطني لبحث مرجعية إجراء الانتخابات وقانونها. وقال إن الأجواء غير جاهزة لقبول هذا الطرح بدليل تصريحات حركة فتح التي دعت للحوار بعد إصدار مرسوم الرئيس بخصوص الانتخابات.

ويرى عوكل أن الطرفين، حماس وفتح، يراهنان على أن يُفشل الطرف الآخر الانتخابات "في تكتيك سياسي يحللهم من تحمل مسؤولية رفضها علنا".

المصدر : الجزيرة