بعد التحذير الإثيوبي.. هل تستخدم مصر القوة للدفاع عن "شريان الحياة"؟

French-made Rafale fighter jets (top) fly over central Cairo, Egypt, July 21, 2015. Dassault Aviation is raising Rafale fighter jet production in anticipation of further export orders, Chief Executive Eric Trappier said on Monday, as Egypt became the first country outside France to take delivery of the plane. REUTERS/Stringer
الجيش المصري يمتلك أسرابا من الطائرات العسكرية المتطورة (رويترز)

وصلت المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي بين مصر وإثيوبيا إلى طريق مسدود، وسط تصعيد من الطرفين، حيث رفع الإعلام المصري الموالي للنظام من وتيرة تهديداته وتلميحاته بالخيار العسكري لمنع أديس أبابا من الإضرار بحصة مصر من مياه النيل، لترد إثيوبيا بتحذير شديد اللهجة مؤكدة أنه لا توجد قوة يمكنها منعها من إكمال السد.

التحذير الإثيوبي جاء على لسان رئيس الوزراء آبي أحمد في وقت حرج، حيث ينتظر أن يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في روسيا، وبالطبع فإن ملف السد هو الموضوع الأبرز للنقاش بين إثيوبيا ومصر التي يبدو أنها تنشد وساطة روسية لحلحلة المفاوضات.

وكان واضحا من اللهجة التي تحدث بها رئيس الوزراء الإثيوبي أمام برلمان بلاده أمس الثلاثاء، أنه أراد توجيه رسالة لمصر دون أن يذكرها صراحة. ورغم حالة الود التي يظهر بها مع الرئيس المصري أمام الكاميرات، فإن هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها من أديس أبابا تصريحات تتحدث عن الحرب والاستعداد لاستخدام القوة وحشد ملايين الجنود للدفاع عن السد.

‪السيسي وآبي أحمد أثناء لقائهما بأديس أبابا في فبراير/شباط الماضي (الأناضول)‬ السيسي وآبي أحمد أثناء لقائهما بأديس أبابا في فبراير/شباط الماضي (الأناضول)
‪السيسي وآبي أحمد أثناء لقائهما بأديس أبابا في فبراير/شباط الماضي (الأناضول)‬ السيسي وآبي أحمد أثناء لقائهما بأديس أبابا في فبراير/شباط الماضي (الأناضول)

واقترحت مصر -التي تعتبر النيل شريان الحياة- على إثيوبيا إطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق مزيد من المياه إذا انخفض منسوب المياه خلف السد العالي جنوبي مصر إلى حدود 165 مترا، لكن إثيوبيا رفضت الاقتراح دون نقاش وقالت إنه ينتهك سيادتها، كما ينتهك الاتفاقية الموقّعة مع مصر والسودان حول الاستخدام العادل والمعقول لمياه نهر النيل.

وتقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء في الأساس. أما مصر -التي تحصل على نحو 90% من احتياجاتها من المياه العذبة عبر نهر النيل- فتتخوف من التأثير السلبي لملء خزان السد على تدفق حصتها السنوية من المياه، وتسعى إلى تدخل دولي عبر طرف رابع (إلى جانب كل من إثيوبيا والسودان) لاستئناف المفاوضات، وهو ما ترفضه أديس أبابا أيضا، وتعتبر أن لا مبرر له.

وفي هذا الإطار، ورد في بيان للخارجية المصرية ردا على التصريحات الإثيوبية، أنها تلقت دعوة من الإدارة الأميركية إلى اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن، وأعربت القاهرة عن قبولها الدعوة في مسعى منها "لكسر الجمود الذي يكتنف المفاوضات".

وبغض النظر عما يمكن أن تسفر عنه محادثات السيسي وآبي أحمد في روسيا بشأن السد، أو هذا اللقاء المتوقع في واشنطن، فإن الحديث عن خيارات مصر فيما لو فشلت الوساطة والدبلوماسية يتجه نحو الخيار العسكري، باعتبار أن السد بالطريقة التي يريد الإثيوبيون ملأه بها، يشكل خطرا داهما على الأمن القومي المصري. ولكن هل تستطيع مصر فعليا اللجوء إلى هذا الخيار؟


معوقات
ثمة معطيات وحقائق ستؤثر بشكل كبير على أي قرار مصري يتعلق بالخيار العسكري، منها ما يتعلق بالجغرافيا والسياسة، وما يتعلق أيضا بالقدرات العسكرية وتشابك العلاقات الإقليمية والمشاكل الداخلية لدى كل من مصر وإثيوبيا.

أبرز هذه المعوقات بُعد المسافة بين مصر وإثيوبيا التي تتجاوز 2500 كلم، وهو ما ينعكس بالتالي على اختيار الطريقة التي ستتم بها مهاجمة السد، فرغم تفوق مصر على إثيوبيا عسكريا كما ونوعا، فإن الطائرات المقاتلة التي تمتلكها مصر لا يمكنها الطيران كل هذه المسافة دون التزود بالوقود.

وإذا حُلت مشكلة التزود بالوقود بتوفير طائرات لهذا الخصوص، فإن الطيران المصري عليه أن يجتاز الأجواء السودانية، وهي مشكلة ثانية، إذ لم يبلور السودان موقفا واضحا من الأزمة، وثمة فوائد ستعود عليه من بناء السد، مثل ضبط منسوب الفيضان والاستفادة من الكهرباء، وهو أمر ضروري للسودانيين والحاجة إليه دفعت بعضهم للخروج في مظاهرات، فضلا عن أن الظروف السياسية الحالية في السودان ربما تجعل الخرطوم تفضل عدم التورط في مشكلة من هذا النوع مع جارتها إثيوبيا.

أما إذا اختارت القاهرة مهاجمة السد عبر قوات خاصة، فإنها أيضا ستحتاج إلى السودان، وهو ما ظهر جليا في بدايات الأزمة، حيث نشر مركز ستراتفور للدراسات الأمنية رسائل إلكترونية تعود إلى عام 2010، ذكرت تفاصيل محادثة بين رئيس المخابرات العامة آنذاك عمر سليمان ورئيس الجمهورية حينها محمد حسني مبارك.

وبحسب هذه الرسائل، حصلت مصر على موافقة السودان على بناء قاعدة عسكرية مصرية في منطقة كوستي لاستيعاب قوات مصرية خاصة "قد ترسل إلى إثيوبيا لتدمير مرافق المياه على النيل الأزرق".

وإذا اختارت مصر أن تمر مقاتلاتها المهاجمة للسد عبر دول أخرى من دول جوار إثيوبيا مثل إريتريا وجيبوتي والصومال، فإن ذلك أيضا سيواجه عوائق، أبرزها أن هذه الدول ربما تخشى رد الفعل الإثيوبي، فضلا عن أن أديس أبابا حسنت في الفترة الأخيرة علاقاتها بجيرانها سياسيا واقتصاديا.

‪أعمال البناء في سد النهضة مستمرة رغم تعثر المفاوضات (رويترز)‬ أعمال البناء في سد النهضة مستمرة رغم تعثر المفاوضات (رويترز)
‪أعمال البناء في سد النهضة مستمرة رغم تعثر المفاوضات (رويترز)‬ أعمال البناء في سد النهضة مستمرة رغم تعثر المفاوضات (رويترز)

القوة البحرية
يبقى أن تستخدم مصر قواتها البحرية التي تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تمتلك غواصات ألمانية، وحاملتي طائرات مروحية فرنسية، وفرقاطة فرنسية، و4 فرقاطات أميركية. لكن بالنظر إلى أن إثيوبيا دولة حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات، فلن تستطيع مصر مهاجمتها عبر البحر، غير أنه يمكنها استخدام هذا الأسطول لإرسال قوات ومعدات إلى إريتريا، وهو ما سبقت الإشارة إلى العوائق التي تصعّب حدوثه.

عامل آخر سيحدد طبيعة الرد المصري، يتمثل في التوقيت الأنسب لضرب السد، وبحسب خبراء فإن ضربه بعد ملء خزانه ستكون له آثار كارثية على دول جوار إثيوبيا ومن بينها السودان الذي قد يتعرض للفيضان الناجم عن انهيار السد، الذي قد يصل إلى مصر، لذلك فإن الأنسب هو ضرب السد في مراحل بنائه الأخيرة وقبل ملء الخزان، بحيث تصبح إعادة بنائه شبه مستحيلة.

إثيوبيا بدورها دولة لا يستهان بها، ناهيك عن شبكة علاقاتها الدولية والاقتصادية التي كان للسد نفسه دور كبير فيها، حيث أصبحت لدول كبرى ومؤثرة -كالصين وفرنسا- مصالح مشتركة، وربما يشكل توجيه مصر ضربة عسكرية لسد النهضة رد فعل غاضبا من هذه الدول.

أضف إلى ذلك مشكلات مصر الداخلية، إذ تعاني من وضع اقتصادي صعب، فضلا عن الوضع السياسي المتأزم لنظام السيسي الذي ربما يستبعد فكرة الدخول في حرب قد تشكل تهديدا لبقائه، لا سيما إذا فشلت العملية أو لم تسفر عن حل للأزمة.

تدويل الأزمة
لهذه الأسباب، يستبعد مراقبون أن تقدم مصر على أي خطوة عسكرية في الوضع الراهن، وربما تلجأ إلى تدويل القضية باعتبار أن الأزمة تهدد الاستقرار الإقليمي بما ينعكس سلبا على الأمن الدولي.

وفي هذا الإطار، ربما تلجأ مصر إلى جهات دولية عديدة -من بينها الولايات المتحدة والبنك الدولي- تعرف المشكلة جيدًا، ويهمها أن يكون هناك اتفاق بين دول حوض النيل. أما إذا رفضت إثيوبيا فيبقى أمام مصر الشكوى لمجلس الأمن، باعتبار أن إثيوبيا تتعدى على الحقوق المائية، وهو ما يهدد الأمن والسلم الدوليين.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية