ميديابارت: الهجوم التركي يكشف كيف أعاد الصراع السوري كتابة خطوط النفوذ بالشرق الأوسط
هكذا لخص الكاتب توماس كانتالوب في موقع ميديابارت الفرنسي ما وصفها بــ"الفوضى الجيوسياسية لما بعد سوريا"، مؤكدا أن الهجوم التركي على الأكراد شمالي سوريا وما وُوجه به من ردات فعل مؤشرٌ واضح على هذا التغيير.
انحسار الدور الأميركي
في البداية لاحظ الكاتب التراجع الأميركي المضطرد في المنطقة، موردا بعض تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن أسباب انسحاب بلاده من سوريا ورفضها مساعدة الأكراد، ليؤكد بعد ذلك أن هذا التوجه لم يأت مع ترامب وإنما كان سياسة ممنهجة لسلفه باراك أوباما.
ولخص الكاتب ذلك في قوله إن واشنطن لم تعد ترغب في لعب دور الحكم العسكري بالشرق الأوسط، ولا المشاركة في حروب بعيدة من أجل قضايا لا تؤثر عليها إلا بشكل هامشي.
ولفت كانتالوب إلى أن العديد من الخبراء الأميركيين أبرزوا مدى تشابه سياسات أوباما وترامب بشأن الأزمة السورية بغض النظر عن اختلاف الأساليب والحجج المستخدمة لتبريرها.
وأورد الكاتب كمثال على ذلك ردة فعل أوباما عندما تجاوز النظام السوري خطوطه الحمراء بشأن السلاح الكيميائي، إذ لم يحرك ساكنا ولا حرك ساكنا عندما قررت روسيا في العام 2015 التدخل مباشرة لقلب موازين القوى في سوريا لصالح النظام.
وأضاف أنه حتى وإن حاول ترامب التأكيد على اختلاف سياسته في هذا الشأن عن أوباما، فإنه بانسحابه من سوريا غسل يديه من كل ما يتعلق بمصير هذا البلد وقوض احتمال استمرار حلفائه الأكراد.
وفي مقابل انحسار الدور الأميركي في المنطقة، يقول كانتالوب إن الدور التركي ما فتئ يتعاظم، ولم يخف الرئيس رجب طيب أردوغان نيته في إنشاء منطقة آمنة على طول حدود بلاده مع سوريا، يُبعد من خلالها القوات الكردية ويستخدمها لإعادة تطوين ملايين اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا.
ولفت الكاتب إلى أن أردوغان تجاهل في الواقع الانصياع لحليفه الأميركي خلال الأشهر الأخيرة، وأعطى كمثال على ذلك موقفه بشأن شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي واستمرار أنقرة في شراء النفط والغاز الإيرانيين في تحد واضع للعقوبات الأميركية.
غياب أوروبي
أما الأوروبيون -بحسب المقال- فقد غابوا منذ بداية الحرب الأهلية السورية عن المشهد، إذ فضل الاتحاد الأوروبي دفع مئات الملايين من الدولارات لتركيا مقابل منعها للاجئين من التدفق إلى حدوده.
وباستثناء ألمانيا، يقول الكاتب، تهربت كل دول الاتحاد من مسؤولياتها، حتى إنها رفضت مجرد التضامن الإنساني باستقبال جزء من هؤلاء اللاجئين.
وكما هي الحال في العديد من الأزمات الأخرى حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، فإن أوروبا تراقب قطار الهجوم التركي في شمالي سوريا يمر رغم أنفها دون أن يكون بإمكانها فعل أي شيء أو التأثير في مجريات الأحداث، وفقا للكاتب.
ولفت كانتالوب إلى أن حلفاء واشنطن في المنطقة وخاصة السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ينتابهم القلق إذ يخشون إن هم احتاجوا لواشنطن أن تعاملهم كما عاملت حلفاءها الأكراد.
روسيا وإيران
أما روسيا وإيران فإنهما الرابحتان الأساسيتان من الصراع السوري، إذ تمكنت طهران من تحقيق هدف مهم عندها يتمثل في إنشاء "هلال شيعي" ممتد من بحر العرب إلى البحر الأبيض المتوسط، وفق الكاتب.
أما روسيا فإنها تركت لتركيا الحبل على الغارب في هذا الهجوم ليمثل مقدمة لسيطرة قوات النظام السوري على آخر معقل للمعارضة في محافظة إدلب بحيث تستقبل تركيا في منطقتها الآمنة فلول مقاتلي المعارضة النازحين من إدلب.
وهذا ما سيمثل، حسب الكاتب، جزءا من صفقة يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يبرمها بين سوريا وتركيا والأكراد ليعيد بذلك السلام إلى هذه المنطقة ويكرس بذلك عودة بلاده إلى المشهد الشرق أوسطي، وفقا للكاتب.