تهريب التراب.. كابوس يتهدد بلاد الزعفران

A relative of a passenger on the Tupolev aircraft takes soil from the crash site 150 km (93 miles) west of Tehran July 16, 2009. Two badly damaged black box recorders have been recovered from a Tupolev aircraft that crashed in Iran on Wednesday, killing all 168 people on board, official media reported on Thursday. REUTERS/Raheb Homavandi (IRAN DISASTER TRANSPORT)
إيراني يضع تربة في قنينة قرب العاصمة طهران (رويترز)

الجزيرة نت-خاص

هي ثروة لا تقدر بثمن، كونها من رموز السيادة والدولة والتاريخ، وهي ضمن أهم العناصر الإستراتيجية في الأمن الغذائي. بهذا الوصف الممزوج بالحزن والغضب تتحدث أوساط مختلفة في إيران منذ خمس سنوات تقريبا عن تهريب التربة خارج بلاد الزعفران.

في اليوم العالمي للتربة الذي يصادف الخامس من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، يتزايد الحديث عن هذه الظاهرة في الأوساط الإعلامية والجامعية والرسمية في إيران، محذرة من آثارها الخطيرة على سلامة الأراضي الزراعية.

وكانت السلطات المعنية في إيران تشهر سلاح النفي أحيانا في مواجهة التقارير التي تتحدث عن تهريب التربة، وتقلل من أهميتها، لكنها اليوم باتت تعترف بالواقع تدريجيا، إلى أن تحدث الرئيس حسن روحاني بصراحة عن ذلك قبل عامين.

وقال روحاني إن بلاده تخطط لتحقيق تنمية زراعية مستدامة، فلا ينبغي السماح بتدمير تربتها التي تنقل عبر الزوارق إلى دول خليجية لاستخدامها في الزراعة.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أكد المدير العام لقسم المياه والتربة في منظمة البيئة الإيرانية علي مرندي أن تهريب التربة بدأ مع بداية الألفية الثالثة، وفي السنوات الأخيرة شهد تراجعا لردود الفعل الواسعة المنددة إضافة لانخفاض الطلب على التربة.

حظر قانوني
وتندرج التربة ضمن السلع الإيرانية المحظور تصديرها إلى دول أخرى بأي طريقة، ويتعرض من يقوم بذلك لعقوبات.

ويقول الدكتور مسعود منصوري مساعد رئيس منظمة الغابات والمراعي إن القوانين الإيرانية تحظر تصدير أي نوع من أتربة الغابات والمراعي والزراعة إلى الخارج، معتبرا ذلك جريمة يعاقب مرتكبوها، إلا أنها تسمح بتصدير الأتربة الصناعية وفق شروط محددة.

وينص قانون الخطة الرباعية للتنمية المقرة في البرلمان عام 2003 بحظر بيع جميع أشكال التربة الزراعية، ثم أقر البرلمان لائحة صيانة التربة الإيرانية صيف 2017 بعد تزايد الحديث عن التهريب.

وتؤكد المادة الـ 21 من اللائحة حظر نقل وبيع أي نوع من التربة إلى الخارج، محددة أن من فعل ذلك سيخضع لعقوبات تعزيرية بموجب قانون العقوبات الإسلامية.

دول المقصد
عند الحديث عن وجهة تهريب التربة، توجه مصادر رسمية إيرانية أصابع الاتهام إلى دول خليجية تستخدم في إنشاء جزر صناعية أو تجفيف البحر.

ووجهت تقارير صحفية أصابع الاتهام إلى السعودية بشراء التربة الإيرانية المهربة. وأشار تقرير نشر قبل عام إلى أن الرياض تعمل على بناء حديقة للنباتات في مساحة تتجاوز مليونين وخمسمئة ألف متر مربع، مستخدمة تربة إيرانية في ذلك.

‪في مزارع للأرز شمال غرب إيران‬ (غيتي)
‪في مزارع للأرز شمال غرب إيران‬ (غيتي)

وتقول وكالة تسنيم للأنباء إن غالبية عمليات التهريب تجري بطريقتين، إما عن طريق المعابر غير الرسمية وبسفن صغيرة، أو من خلال التصدير في المعابر الرسمية على شكل صادرات النباتات والورود والإسمنت.

نوع التربة
وتقول المصادر الإيرانية إن الأتربة المهربة هي أخصب أنواع التربة الزراعية وأعلاها جودة، حيث جاء في تقرير لوكالة فارس للأنباء نشرته في مارس/آذار 2017 أن "بيت" هي التربة الإيرانية الأكثر تهريبا كونها تحتوي على مادة "بيتموس" المخصبة.

ويضيف التقرير أن هناك نوعا آخر من التربة يجري تهريبه تحت غطاء "الصادرات غير النفطية"، هي "بنتونيت" التي تعتبر من أجود الأتربة المعدنية في العالم، وتستخدم في بناء السدود والأعمال الصناعية بسبب ميزاتها الخاصة مثل القدرة على اجتذاب المياه واللصق.

وتشير مصادر أخرى إلى تهريب التربة الطينية أيضا بسبب حاجة دول الخليج إليها والطلبات المتزايدة لها في هذه الدول. وحسب تقرير لوكالة تسنيم للأنباء يتم سنويا تهريب ملايين أطنان من الأتربة البنية الغابية وأتربة المراعي التي تحتوي على العناصر العضوية النباتية والحيوانية.

وتؤكد التقارير الإعلامية أن عمليات التهريب غالبا ما تحدث في المحافظات الجنوبية في إيران، لا سيما بوشهر وفارس، لقربها من المياه الخليجية، مما يخفض تكاليف النقل. إلا أن محافظات غربية مثل أردبيل وشرقية مثل جنوب خراسان أيضا لم تكن بأمن منها.

خسائر جمة
ويتحدث الإعلام الإيراني عن نوعين من الخسائر لتهريب التربة، خسائر اقتصادية وأخرى بيئية. وبالنظر إلى أن تلك العمليات لا تتم عبر المعابر الرسمية، لا توجد إحصائيات رسمية حول الكميات المهربة، لذلك لا يمكن حصر الخسائر الاقتصادية بشكل دقيق.

زراعة الزعفران المنتشرة في إيران تتطلب تربة شديدة الخصوبة (غيتي)
زراعة الزعفران المنتشرة في إيران تتطلب تربة شديدة الخصوبة (غيتي)

وبينما تقدر تلك المصادر الكميات المهربة بملايين الأطنان، يؤكد مراقبون أن طنا واحدا منها يباع بـ35 دولارا في الدول الخليجية.

ولا تتوقف الأضرار عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى خسائر غير مباشرة تنتج عن دور كبير في تلك العمليات في استنزاف التربة الإيرانية، الذي يقدره رئيس جمعية العلوم الترابية في إيران بـ56 مليار دولار سنويا.

ويوكد رئيس الجمعية منوجر غرجي أن ملياري طن من التربة الإيرانية تستنزف سنويا، متجاوزا المعدل العالمي بثلاثة أضعاف، ما ينذر بخطورة الظاهرة.

ويصف عضو مؤسسة دراسات التربة والمياه الإيرانية حسين بشارتي انعكاسات الظاهرة بالكارثية، مشيرا إلى أنها لا تظهر اليوم لكن ستعاني منها الأجيال القادمة لآلاف السنين.

ويقول عليمراد أكبري مساعد وزير الجهاد الزراعي أن التربة ثروة غير متجددة أو تتجدد بعد مئات السنين، لأن إنتاج سنتيمتر واحد من التراب يستغرق من مئة إلى ألف عام، ما يحمل الدولة خسائر إستراتيجية لا تعوض إلا بعد قرون طويلة.

المصدر : الجزيرة