بعد تهديدات ترامب.. ما سيناريوهات الرد التركي؟

US President Donald Trump and CNN International logo- - ANKARA, TURKEY - DECEMBER 9: Donald Trump's Twitter timeline is seen on a smartphone against a backdrop with the CNN TV channel logo, in Ankara, Turkey on December 9, 2018.
هاتف ذكي تظهر عليه صفحة ترامب على تويتر (الأناضول)

زاهر البيك-أنقرة

لا يكل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا يمل من استخدام حسابه في موقع "تويتر" لتوجيه رسائله لمختلف دول العالم، حتى اعتبر خبراء ذلك نموذجا مُستحدثا من نماذج العلاقات الدولية، إلا أن هذا الأسلوب لا يعجب الجمهورية التركية التي عبرت عن انزعاجها منه مرارا وتكرارا.

وهدد ترامب في تغريدة له اليوم "بتدمير تركيا اقتصاديا" في حال شنها هجوما على الأكراد في سوريا، مشيرا إلى اعتزام بلاده إقامة منطقة آمنة بمسافة عشرين ميلا في الأراضي السورية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ردا على تهديد ترامب، إن بلاده أبلغت الولايات المتحدة الأميركية بعدم خشيتها من أي تهديد، وإنه من غير الممكن لواشنطن بلوغ الغايات عبر التهديد بـ"تدمير" اقتصاد تركيا.

وخلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية لوكسمبورغ، قال جاويش أوغلو غاضبا "الشركاء الإستراتيجيون لا يتحدثون عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

‪جاويش أوغلو: تركيا أكبر مدافع عن حقوق الأكراد‬ (الأناضول)
‪جاويش أوغلو: تركيا أكبر مدافع عن حقوق الأكراد‬ (الأناضول)

وجدد تأكيده أن تركيا هي أكبر مدافع عن حقوق الأكراد في المنطقة، وأنه من الخطأ المساواة بين الأكراد والتنظيمات الإرهابية، مضيفا "لو خيرونا بين الصعوبات الاقتصادية والتهديدات الإرهابية، فإن شعبنا سيقول إنني أرضى بـالجوع والعطش، لكنني لا أقبل الخنوع".

من جهته، علق الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن "الإرهابيون لا يمكن أن يكونوا شركاء وحلفاء للولايات المتحدة، وتركيا تتوقع من الولايات المتحدة احترام الشراكة الإستراتيجية معها التي يجب ألا تتأثر بدعاية إرهابية".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم خصيصا للرد على ترامب "لا فرق بين داعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، كلهم شيء واحد، وتركيا ستكافحهم جميعا".

أما رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألتن فغرّد على حسابه في "تويتر" قائلا إن تركيا حامية الأكراد وليست عدوتهم، مشيرا إلى أنه مهما كان مصدر الإرهاب، سواء كان عقائديا أو دينيا أو اثنيا، هذا لا يغير شيئا بالنسبة لتركيا.

وأعاد ألتن تغريدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعود إلى 26 يونيو/حزيران 2015، قال فيها "أوجه ندائي للعالم أجمع: لن نسمح بإنشاء دولة على حدود تركيا الجنوبية، شمالي سوريا مهما كان الثمن".

تصريحات مضطربة
وفي السياق قال القيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم والنائب السابق في البرلمان التركي رسول توسون "بطبيعة الحال كون ترامب رئيس أكبر دولة في العالم فإن تصريحاته وتغريداته العشوائية تؤثر على الاقتصاد التركي حينما يستهدفها، ولكن رغم ذلك فإن الحكومة التركية عازمة مهما كلفها الثمن على القضاء على الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي في بلادنا وكذلك وحدة الأراضي السورية".

‪رسول توسون: أنقرة لن تلجأ للتصعيد مع أميركا‬ (الجزيرة)
‪رسول توسون: أنقرة لن تلجأ للتصعيد مع أميركا‬ (الجزيرة)

وأكد توسون للجزيرة نت أن أنقرة لن تلجأ للتصعيد مع أميركا وستحتوي هذه الأزمة، لكنها لن تتراجع عن مواقفها ولن تركع لمثل هذه التهديدات حتى وإن كان ذلك على حساب اقتصادها.

واستنكر توجيه ترامب رسائل لتركيا عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، واصفا تغريداته في هذا الشأن بأنها لا تليق برئيس دولة أو حتى بمختار قرية، كون خطوط التواصل المباشرة مفتوحة بين أنقرة وواشنطن.

وأضاف توسون "عدم وجود تصور لدى الرئيس ترامب لِما بعد الانسحاب من سوريا وتعرضه لضغوط من أجهزته الأمنية جعلاه يتخبط في تصريحاته، وتركيا تدرك بأن تصريحاته الأخيرة موجهة للداخل الأميركي".

وشدد على أنه سواء انسحبت القوات الأميركية أم لم تنسحب من الشمال السوري، فإن الجيش التركي سينفذ عملية عسكرية شرق الفرات وسيطهر المنطقة من العناصر الكردية الإرهابية وسيلقن الولايات المتحدة درسا لدعمها الإرهاب في مواجهة حليف قوي مثل تركيا، على حد قوله.

تخبط أميركي
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية علي باكير إن التخبط في تصريحات المسؤولين الأميركيين هو سمة بارزة في إدارة ترامب، لكن المشكلة أن مثل هذا التخبط يفقد الإدارة الأميركية مصداقيتها ويثير حالة من الإرباك والشك وعدم الثقة بها لدى حلفائها وشركائها في المنطقة.

وأضاف باكير للجزيرة نت أن "المسؤولين الأتراك يأخذون تصريحات الرئيس ترامب -رغم تناقضاتها- على محمل الجد، لأنه من المفترض بهم أن يبنوا خطوتهم التالية في سوريا استنادا إليها".

‪علي باكير: التخبط في تصريحات المسؤولين الأميركيين سمة بارزة في إدارة ترامب‬ (الجزيرة)
‪علي باكير: التخبط في تصريحات المسؤولين الأميركيين سمة بارزة في إدارة ترامب‬ (الجزيرة)

ولفت إلى أن ما يزعج الجانب التركي هو تمسك إدارة ترامب بتحالفها مع المليشيات الكردية التي تعتبر فرعا في سوريا لـحزب العمال الكردستاني، مبينا أن "واشنطن تتعمد التعميم في حديثها عن نصرة أكراد سوريا، والواقع أنها تدعم وتتحالف مع جماعات إرهابية لا تمثل الأكراد في سوريا والمنطقة".

يشار إلى أن الإعلام التركي ذكر اليوم أن 80 ألف جندي تركي في أتم الجاهزية ينتظرون إشارة من القيادة للبدء بعملية شرق الفرات ومنبج التي لوحت بها تركيا خلال الأسابيع الأخيرة. وهذا الرقم هو ضعف عدد الجنود الذين شاركوا في عملية "تحرير قبرص" عام 1974 البالغ 40 ألفا.

المنطقة الآمنة
ولم يوضح الرئيس الأميركي في حديثه عن المنطقة الآمنة في سوريا، من الذي سينشئها أو يدفع تكاليفها، كما لم يحدد المكان الذي ستقام فيه.

وإزاء ذلك، قال رسول توسون إن أنقرة منذ البداية اقترحت فكرة المنطقة الآمنة، لكن تصريحات ترامب المفاجئة ودون توضيح أي مخطط بخصوصها، جاء لتشويش تركيا والعالم بهدف كسب الوقت من أجل تأخير أنقرة عمليتها العسكرية في منطقة شرق الفرات.

أما علي باكير فاعتبر أن تصريحات ترامب بخصوص إقامة منطقة آمنة بعمق 20 كيلومترا غير واضحة، وهل يقصد منها إنشاء الطرفين لها بشكل مشترك؟ متسائلا "ما مصير المليشيات الكردية المتحالفة مع أميركا في حال طلبت واشنطن من أنقرة إنشاء هذه المنطقة؟ وهل ستقبل أن تكون المليشيات الكردية داخلها أو خارجها؟

وأشار باكير إلى أنه ربما يكون لدى واشنطن نية حقيقية لإنشاء المنطقة الآمنة، وربما يكون الهدف إضاعة المزيد من الوقت لمنع عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، مبينا أنه من الصعب الوقوف على أي منهما في ظل إدارة شديدة التخبط والتناقض كإدارة ترامب.

‪من لقاء سابق العام الماضي بين أردوغان‬ (يمين)(رويترز)
‪من لقاء سابق العام الماضي بين أردوغان‬ (يمين)(رويترز)

والجدير بالذكر أن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو صرح بخصوص المنطقة الآمنة قائلا "قبل يومين التقيت مع نظيري مايك بومبيو هاتفيا، وخلال الاجتماعات الثنائية التي جرت بين البلدين، ناقشنا تفاصيل القرار وكيفية التنسيق، وفكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري لمسافة 20 كيلومترا، ليست فكرة واشنطن، بل هي فكرة الرئيس أردوغان".

ولفت إلى أن أردوغان لم يقترح فكرة المنطقة الآمنة على الولايات المتحدة فحسب، بل عرض الاقتراح على كافة الدول الأوروبية وروسيا وكل من يهتم بتطورات الأوضاع في سوريا.

وختم بالقول "نحن لسنا معارضين لإقامة منطقة آمنة، هدفنا هو محاربة الإرهاب، ففي الشمال السوري يوجد ممر إرهابي يهدد أمننا القومي ويريد تقسيم سوريا، ونحن نريد إزالة هذا الممر".

المصدر : الجزيرة