"وهم المصالحات".. شبان سوريون يفرون من وطنهم خوفا من التجنيد والاعتقال

طرق جبلية وعرة يسلكها الهاربون من سوريا وصولا الى لبنان.

جواد أبو حمزة-الحدود السورية اللبنانية

يوظب سعيد حاجياته جيدا، فلا متسع يكفي لحملها كلها، خصوصا أن الرحلة المرجوة قد لا تكون على ما يرام، فقد أوصاه السائق بأن يخفف حمولته قدر المستطاع فالطريق شاق وطويل، ويتخلله السير بضعة أميال على الأقدام.

و"سعيد" هو اسم مستعار اختاره صاحبه خوفا من ملاحقة مستقبلية له أو لأحد أفراد عائلته في الداخل، حيث نجح في الوصول للأراضي اللبنانية بعد عناء طويل لم يكن من ساعات السفر بل من لحظات الخوف التي تملكته طوال رحلته التي بدأت من درعا جنوب سوريا وصولا إلى مكان إقامته الجديد في لبنان.

يقول سعيد للجزيرة نت إنه ككثير من الشبان خدعوا بما سماها "كذبة المصالحات والتسويات" التي وقعتها فصائل المعارضة أواخر أغسطس/آب الماضي بين النظام السوري وروسيا من جهة وفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى.

وتابع "جميع وعود النظام والوسيط الروسي وتطمينات بعض قادة المعارضة كانت مجرد حبر على ورق وخداع لألوف الشبان من حاملي السلاح وغيرهم من المتخلفين عن الخدمة العسكرية والاحتياطية ممن جرى إبلاغهم أن عفوا شاملا سيصدر بحقهم ويمحو ما مر خلال أعوام الثورة بعد إجراء التسوية والتوقيع من أجل العودة إلى حضن الوطن".

سوريون في طريق عودتهم من لبنان إلى سوريا بعد رحلة نزوح استمرت سنوات(الجزيرة)
سوريون في طريق عودتهم من لبنان إلى سوريا بعد رحلة نزوح استمرت سنوات(الجزيرة)

دوافع الخروج والهرب
يقول سعيد إن النظام ما إن تمكن من السيطرة على درعا حتى بدأ بموجة اعتقالات طالت مئات الشبان ممن لم يكن لهم أي حراك ثوري، إضافة إلى وصول تبليغات الالتحاق بالخدمة العسكرية لهم.

ويشير إلى أن ذلك يخالف ورقة التسوية التي كان أهم بنودها تأجيل الخدمة حتى سريان مدة التسوية، إضافة إلى المخاوف الكبيرة لآلاف الشبان من أن يكون تجنيدهم هدفه زجهم في معركة إدلب ليوجه مقاتلي المعارضة السابقون بنادقهم إلى الشعب السوري الذي حملوا السلاح دفاعا عنه.

ويروي سعيد قصة خروجه من درعا، مشيرا إلى أن كان ينوي أولا التوجه نحو الشمال السوري، لكن ذلك تعذر كما يقول "بسبب الحواجز الكثيرة للنظام، وارتفاع بدل التهريب الذي يقدر بين ألفين وأربعة آلاف دولار، وبدون أي مسؤولية من قبل السائق، إضافة إلى بعض حالات الاعتقال لأشخاص سلكوا طريق الشمال".

ويلفت إلى أنه قرر أخيرا التوجه نحو لبنان ومحاولة السفر منه نحو أوروبا في حال توفرت الظروف مستقبلا، أو التحرك بحرية وتأمين العمل والعيش هناك، ولا سيما أنه وأمثاله لا يملكون أي أوراق تثبت دخولهم بشكل شرعي لهذا البلد.

مفاوضات مع عناصر النظام
ويستذكر رحلته مشيرا إلى التوتر الكبير الذي أصابه والإرهاق خلال عملية المرور من حواجز النظام، وكان يشاهد ويسمع عناصر القوات النظامية وهم يفاوضون السائق عليه، وطريقة إعطائهم المال من أجل المرور وعدم التفتيش، ولسان حال السائق "طمن بالك، ادفع بتمشي هون".

ويضيف "وصلنا إحدى القرى الحدودية، وكان بانتظارنا شاب لم يتجاوز العشرين من العمر، فبدأنا رحلة جديدة معه مشيا على الأقدام من مغيب الشمس حتى منتصف الليل في رحلة مليئة بالمخاطر وصعوبة بالغة في الطريق، ولا سيما أنها منطقة جبلية وعرة وباردة جدا".

وزاد "عند الوصول على مشارف الأضواء قال لي الشاب العشريني: أنت بأمان وصلنا، ثم جلسنا حتى وصول سيارة أقلتني للداخل، وبالفعل قاموا بتوصيلي".

ويروي مشهدا من مشاهد الخوف التي عاشها، ويقول "في منتصف الطريق وقفت السيارة، ومن باب الترهيب قال لي السائق لا علاقة لي بالشركاء في سوريا، وأنت ستدفع حسابي"، مضيفا "لم يكن لدي خيار، فأنا برفقته وكان يحمل سلاحا، كما أن دخولي غير شرعي، ما اضطرني لإعطائه المال لإيصالي".

ويختم سعيد قصته بالقول "أعيش اليوم في إحدى قرى جنوب لبنان ضمن سكن شبابي يضم العشرات بلا عمل أو قدرة على التحرك بحرية، ولكن عندما أتذكر الوضع في الداخل السوري ومرارة الاعتقال ورعونة ضباط الجيش وتسلط عناصر الأمن وكذبة التسويات والمصالحة أقول في نفسي إنني سأكون بخير كحال آلاف السوريين في بلاد المهجر".

منازل بدائية يسكنها شبان سوريون رجعوا إلى لبنان بعد فترة قصيرة من العودة لسوريا(الجزيرة)
منازل بدائية يسكنها شبان سوريون رجعوا إلى لبنان بعد فترة قصيرة من العودة لسوريا(الجزيرة)

كذبة العفو ومصيدة الاحتياط
قصة أخرى يرويها أمجد، وهو شاب سوري قضى سنوات الحرب في لبنان بعد اعتقاله لأيام في درعا، وقرر العودة إلى سوريا طمعا في حياة جديدة بعد أن سمع أخبار العفو والمصالحات.

تحدثت الجزيرة نت إلى أمجد الموجود في سوريا حاليا فقال "بعد سماع قرار العفو من قبل النظام وإسقاط الملاحقات للمتخلفين عن الخدمة الاحتياطية قررت العودة إلى سوريا والاجتماع بأهلي بعد غياب دام سبع سنوات هاربا من الحرب".

ويتابع "تأكدت أن العفو يشملني حيث قمت بإصدار ورقة من شعبة التجنيد الخاصة بمنطقتي حول وضعي ليتبين أن خدمة الاحتياط قد سقطت عني بالفعل".
ويضيف "عدت لسوريا دون معوقات تذكر منذ بداية دخولي الحدود وحتى وصولي لقريتي في ريف درعا".

لكن المفاجأة -وفقا لأمجد- كانت طلبه للخدمة الاحتياطية، ويقول "ما هي إلا أيام لأتفاجأ بقرار جديد يعلن فيه عن تعميم عدد من الأسماء لصالح خدمة الاحتياط كان اسمي ضمنها، حيث وصلني تبليغ بضرورة تسليم نفسي لأحد المخافر".

الهروب.. بعد العودة لسوريا
وتحولت الحدود السورية مع لبنان إلى ما يشبه "سوقا للتهريب" لكن ليس للبضائع والممنوعات هذه المرة، بل لتأمين خروج مئات الشبان من سوريا إلى لبنان، وباتت هذه المهنة تجارة رابحة لدى شبكات المهربين.

أبو اليمان -وهو سائق من إحدى مدن ريف دمشق عاد للعمل بالتهريب بعد أن توقف بضعة أعوام- قال للجزيرة نت إنه نجح في تأمين هروب مئات الشبان، أغلبيتهم في سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية إلى لبنان.

وتحدث أبو اليمان عن الصعوبات التي باتت تواجه عمليات تهريب الشبان والمتمثلة بالتشديد الأمني الكبير على حواجز النظام التي باتت تدقق على أصحاب الهويات الذين يعودون من المدن التي وقعت تسويات ومصالحات مؤخرا مع قوات النظام.

ويشير إلى أن أغلبية الشبان يشكون من ارتفاع تسعيرة الخروج من سوريا بسبب عجزهم عن تأمين المبلغ الكافي للخروج الذي يبلغ ما يقارب ألفي دولار، مشيرا إلى أن معظم هذا المبلغ "يذهب لصالح حواجز النظام" وصولا للنقاط التي يتم فيها تسليم الأشخاص إلى المهربين داخل الأراضي اللبنانية الذين يتقاضون نصف المبلغ عادة.

بدوره، عبر الصحفي سمير السعدي في حديثه للجزيرة نت عن ارتفاع حالات الخروج والهرب من المناطق التي عقدت مصالحات وتسويات، متهما النظام السوري بعدم تطبيق بنود التسويات.

ويضيف السعدي أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن أعداد من تمكنوا من الخروج من مناطق النظام نحو الشمال السوري أو لبنان والأردن، كما أن أعدادا كبيرة من المغتربين عزفوا عن العودة لسوريا بعد تأكدهم من وهمية قرار العفو عن خدمة الاحتياط والفرق شاسع بين الأعداد التي تحاول الخروج بالذين عادوا مؤخرا.

ووسط موسم عودة العائلات التي فرت من الحرب إلى سوريا تطل أزمة هروب الشبان من المناطق التي عقدت مصالحات مع النظام خوفا من إلحاقهم بالخدمة العسكرية والاحتياطية لخوض حروب النظام التي يهدد بها لإعادة الشمال السوري إلى بيت طاعته.

المصدر : الجزيرة