تغنى بها المصريون قديما.. البوسطجي مهنة تكافح للبقاء

صناديق بريد اعتاد المصريين على استخدامها في استقبال الجوابات المرلة إليهم - فليكر.
صناديق البريد كانت من العلامات المميزة للشارع المصري، قبل أن تندثر مهنة البوسطجي أو توشك (مواقع التواصل)

حسن المصري-القاهرة

"يحمل أثقالا كبيرة ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته توقعا لما قد يصيبه من الوحوش"، هكذا تحدث قدماء المصريين عن مهنة ساعي البريد أو "البوسطجي" في العامية المصرية، وذلك في رسالة منقوشة على ورق البردي باللغة الهيروغليفية.

اعتاد المصريون القدماء نقل الرسائل داخل وخارج البلاد بواسطة سعاة البريد، الذين كانوا ينقلونها سيرا على الأقدام عبر اجتياز البحار والطرق التي تسلكها القوافل والجيوش، وهي المهنة التي توارثتها الأجيال وباتت تمثل ركيزة أساسية في الثقافة الشعبية.

في العصر الحديث، كان لساعي البريد زي مميز يجوب الشوارع بحقيبته ودراجته أو سيرا على قدميه، لتوزيع الخطابات (أو الجوابات باللهجة المحلية) بين الأفراد أو المؤسسات الحكومية، وذلك منذ قرار الخديوي إسماعيل إنشاء هيئة البريد المصري في 2 يناير/كانون الثاني عام 1865.

لكن المهنة التي تغنى بها المصريون، أصبحت على وشك الاندثار تحت وقع تكنولوجيا الاتصال الحديثة.

البوسطجي في الفن
"البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" ربما تكون هذه الأغنية هي الأشهر التي تحدثت عن مهنة ساعي البريد، وصدرت عام 1945 في فيلم الحب الأول، وهي للمطربة رجاء عبده، وألحان محمد عبد الوهاب، وتعكس تردد صدى المهنة في الأوساط الفنية والثقافية.
 
كذلك خرج من رحم المهنة فيلم البوسطجي المصنف ضمن أفضل مئة فيلم مصري، ويعود تاريخه إلى عام 1968، وهو عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الراحل يحيى حقي، وتتلخص قصته في المشاكل والصعوبات التي تعترض طريق عباس ساعي البريد الذي انتقل لإحدى محافظات الجنوب، وقام بالبطولة الممثل شكري سرحان والإخراج لحسين كمال.
 
وهناك أيضا فيلم موزع البريد 1994 الذي يتناول في سياق كوميدي مواقف يتعرض لها ساعي البريد خلال عمله، بجانب أعمال فنية أخرى ارتبطت بصندوق البريد وتناولته من زوايا متنوعة، مثل أفلام النهر الخالد والأبواب المفتوحة.
 
كما تناولت أعمال روائية مهنة ساعي البريد، مثل رواية "وردية ليل" المنشورة عام 1991 للكاتب إبراهيم أصلان، وتدور حول سليمان موزع البريد الليلي الذي تصادفه الأحداث والوقائع المتشابكة.
علاقات رومانسية
وكانت كتابة الخطابات تستحوذ على اهتمام فئات كثيرة من المجتمع المصري، لكن لم يعد له وجود في ظل زخم وسائل الاتصال الحديثة، وهو ما تراه الخمسينية نهلة أحمد، في حديثها للجزيرة نت.
 
وتستطرد نهلة "كانت الجوابات وسيلة أساسية من وسائل التواصل بين الأقارب والأهل، وكان لها طابع خاص خلال العلاقات الرومانسية، حيث كانت إحدى وسائل الرجال لخطبة الفتيات، فكان بعض الشباب المقبل على الزواج يراسل الفتاة وأهلها لمعرفة رأيهم واستمالتهم، وهو ما حدث مع خالتي التي راسل زوجها والدها لطلب يدها".
 
وأشارت نهلة إلى أنها تعاملت بالبريد السريع المحلي والدولي خلال الثمانينيات، وكانت تحتاج وقتا طويلا لتصلها الخطابات من ذويها، وهو ما كان يستغرق نحو أسبوع للبريد الداخلي، وما يقرب من ثلاثة أسابيع للبريد الدولي.
طوابع بريد مصر (مواقع التواصل الاجتماعي)
طوابع بريد مصر (مواقع التواصل الاجتماعي)

وظائف جديدة
"برغم انحسار أهمية هيئة البريد نتيجة تطور وسائل الاتصال الحديثة، فإن بعض الفئات تستخدم البريد لإرسال العقود المختلفة أو الوثائق مثل جوازات السفر"، هكذا يشرح محمود قطب، مدير بهيئة البريد المصري، طبيعة عمل الهيئة حاليا.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار قطب إلى أنه يوجد العديد من أنواع البريد، مثل الطرود الداخلية والخارجية، والبريد العادي، والبريد المسجل، بجانب البريد السريع والبريد الدولي، وهما الأكثر استخداما، حيث يستغرق البريد السريع نحو 48 ساعة داخل مصر، بينما البريد الدولي يستغرق من ثلاثة أيام إلى أسبوع.

وأوضح أن هناك حظرا على إرسال بعض الأشياء مثل العملات النقدية أو الأدوات المعدنية، مشيرا إلى أن البريد له معايير تختلف حسب كل دولة، ففي مصر يجب أن لا يتعدى وزن البريد من عشرة غرامات وحتى كيلوغرامين في المعتاد.

شكرا لساعي البريد
لقد اختفى زمن "شكرا لساعي البريد"، هكذا يقول محمد حسانين، الذي يعمل موزعا بهيئة البريد المصري، موضحا أن تلك العبارة الشهيرة كان يتم كتابتها من مرسل الخطاب على الظرف الخارجي، كنوع من التقدير والتحية لساعي البريد.
 
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد حسانين أن البوسطجي بات حضوره على نطاق ضيق بعد ميكنة الخدمات البريدية والحكومية، حيث بات عمله يقتصر على توصيل الخطابات بين بعض الجهات الحكومية والبنوك والأشخاص، بجانب حضوره بالقرى والمحافظات الريفية والنائية بالقرى والنجوع.
 
وعن الصعوبات التي تواجه ساعي البريد، قال حسانين إنها تتمثل في العمل في الطقس السيئ، لكنه لفت إلى أن العمل بات أسهل حاليا، بسبب التكنولوجيا الحديثة التي تمكنه من الوصول سريعا للعناوين سواء عبر الاتصال أو خرائط غوغل، حيث لا مجال للخطأ على عكس الماضي، حيث كان الخطأ يكلف الكثير من الوقت والجهد.
الخطابات وسيلة تقليدية للتواصل نسفتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة (مواقع التواصل الاجتماعي)
الخطابات وسيلة تقليدية للتواصل نسفتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة (مواقع التواصل الاجتماعي)
المصدر : الجزيرة