الفتى التونسي أمير الفهري.. براءة الأطفال وعبقرية العظماء

جانب من لقاء الفهري مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيه القطري
جانب من لقاء الفهري مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيه القطري (الجزيرة نت)

محمد السيد-الدوحة

"من رحم المعاناة يولد الإبداع"، مقولة تجسد حياة الطفل النابغة التونسي أمير الفهري الذي لا يزال يصنع الحدث، ليس في الأوساط الأدبية والعلمية فقط التي اهتمت بكتاباته وتفوقه الدراسي، وإنما في الأوساط العالمية بدعواته وجهوده التي تهدف لإتاحة التعليم لكل الأطفال اللاجئين في العالم.

ترك الطفل التونسي بلده وهاجر إلى فرنسا رفقة والديه في الثانية عشرة من عمره للبحث عن التحصيل العلمي بعد تراكم الذكريات السيئة التي عاشها، حيث كان واحدا من بين التلاميذ الذين تعرضوا للعنف الجسدي بعصا من شجرة الزيتون أسماها "مسعودة".

الفهري الذي قست عليه مدارس بلاده، عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ممثلا للفرنكفونية، واستطاع ببراءة وذكاء الأطفال تطويع التنمر الذي عاشه صغيرا بالمدارس العمومية في كتابه الجديد "التنمر.. أيام صعبة عاشها تلميذ" الصادر باللغة الفرنسية، وقد حمل رسالة إلى العالم بضرورة حماية الأطفال من الاضطهاد المدرسي وقسوة المدرسين.

قصة الكتاب تتحدث عن تلميذ اسمه "أليكس" لغته الأم ليست كلغة بقية التلاميذ الذين يعيش معهم، ولديه وجهة نظر مختلفة عن الحياة التي يعيش فيها، ويود أن يعبر عن رأيه ولا يصمت، ويقف ضد التنمر حتى لا يتعرض أي طفل للإيذاء.

عاش الفهري 12 عاما في تونس، أخفق خلالها في نشر أول كتبه "قصص مير"، لكن حياته اختلفت تماما بعد ذهابه إلى فرنسا التي أنصفته وساهمت في نشر كتابه وظهوره إلى النور، لينشر بعد ذلك في تونس.

ويسرد الفهري للجزيرة نت بداية كتابته للقصص في عمر السابعة، والذي لا يعرف كيف كانت، حيث يرى أن الأمر كان مفاجئا، فعندما كتب أول جملة امتلكه شعور جميل دفعه إلى المواصلة، لذلك يعتبر أن الهواية شعور جميل يكتشفه الإنسان في الوقت المناسب.

ويضيف أن البداية تكون دائما صعبة في كل المجالات، وأصعب شيء ليس كتابة القصة، لأن الكتابة تأتي بسهولة وسلاسة عندما نود أن نكتب، لكن الصعوبة تكمن في عدم معرفتنا كيف ننشر الكتابة رغم ثقتنا في تحقيق النجاح.

الفهري مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي(الجزيرة نت)
الفهري مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي(الجزيرة نت)

قصص مير
الطفل التونسي (15 عاما) الذي حصل على 25 جائزة دولية في الأدب عن مجموعة كتبه باللغة الفرنسية "قصص مير"، عشر منها في المرحلة الابتدائية و15 في الثانوية، يرى أن حلم كل شخص أن يحصل على جائزة، لكن الحلم الأكبر أن يواصل بعد ذلك، فالجائزة ليست لها قيمة بالنسبة له، خاصة أن حلمه هو أن يتاح التعليم للأطفال اللاجئين في العالم.

ومن أبرز الجوائز التي حصل عليها الفهري حتى الآن جائزة الرواية الشبابية، والريشة الذهبية، وجائزة فنون وأحرف، وجائزة الطفل المبدع في فرنسا، وجائزة الیونسكو والألكسو، وجائزة الأديب الصغیر.

وفي رصيد الفهري الذي يعشق السفر والترحال لتعلم مختلف الثقافات، كتابان أشهرهما "قصص مير"، لكنه الآن بصدد العمل على نشر أربعة كتب جديدة بلغات متنوعة، أبرزها كتابه الذي سينشر باللغة العربية من 160 صفحة تحت عنوان "ولكن دائما في السلام".

وعند رؤية الفهري تلتمس فيه براءة وذكاء الأطفال معا، إذ يتقن سبع لغات، فإلى جانب العربية يتحدث الكردية والفرنسية والإنجليزية والصينية واللاتينية والألمانية، وذلك عن طريق المحاكاة والإنترنت وكذلك معرفة القواعد من متخصصين.

ويوضح الفهري أن تعلمه للغات المختلفة كان جزءا من تحقيق أحلامه وإيصالها لكل الناس، حيث تعلم اللغة الكردية من أمه التي ولدت في شمالي العراق، والفرنسية من والده التونسي، والعربية من المناخ الذي نشأ فيه، والإنجليزية من خلال السفر والتجوال، والصينية عبر الفترة التي قضاها بالصين، واللاتينية حتى يتعلم الأصول الأوروبية، والألمانية من العيش لمدة عامين بمدينة ستراسبورغ على الحدود الألمانية.

ولد الفهري بمدينة سوسة عام 2003، وهو ابن لطبيب صيدلي تونسي الجنسية ولمهندسة كهرباء عراقية الأصل، ويقيم حاليا في فرنسا، طلب منه مدرسوه ومدير مدرسته الثانوية اجتياز شهادة البكالوريا في عمر الـ15 عاما، وقد وافق الفهري على تخطي السنوات كما فعل في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، واختار دخول امتحان البكالوريا في مجال الطب خلال سبتمبر/أيلول المقبل.

ولا يرى الفهري وجود تعارض بين كتابة القصص والطب، بل يعتبر أن هناك تشابها بينهما، فالطب يحمي حياة الناس ويعالجهم جسديا، والكتابة تعالج آلامهم نفسيا. كما يرى أنه لا توجد مهنة حقيقية في الحياة، الأمر المهم جدا هو الفكرة والهدف.

الفهري حصل على 25 جائزة على مجموعة كتبه وقصص مير(الجزيرة نت)
الفهري حصل على 25 جائزة على مجموعة كتبه وقصص مير(الجزيرة نت)

يهوى الفهري السباحة ويمارسها يوميا لمدة ثلاث ساعات، على أن طموحه الشخصي يركز على الاستمرار سواء في الطب أو الكتابة، وألا يتوقف بغض النظر عما سيصل إليه مستقبلا، خاصة وأن طموحه لا يتعلق بمنصب دولي، بل بتحقيق الهدف، لأن المنصب يذهب والهدف يبقى.

قطر الرمز
ورغم صغر سنه، اختاره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكون سفير الفرنكفونية في العالم بسبب نبوغه، واصطحبه معه على الطائرة الرئاسية لحضور قمة الفرنكفونية في أرمينيا، لكن الطفل التونسي الذي يغلبه الحنين لوطنه الأم، يعتبر أن هذا الموقف هو الأصعب في حياته، حيث يرى أن مكانه الطبيعي كان على متن الطائرة الرئاسية التونسية.

وقدم الفهري خلال لقائه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مشروعه بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) للتبرع بعائدات كتبه بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، لبناء مدارس في المناطق النائية التي حرم أبناؤها من التعليم سواء في تونس أو مختلف بلدان العالم.

يصاب الفهري بالحزن الشديد، وربما يبكي في كل مرة يقرأ فيها حادثة عن طفل كان يمكن أن ينجز المستحيل ولم يتمكن من ذلك، لذا يعتبر أن مشكلة العالم الحقيقية تكمن في حرمان الأطفال من التعليم وعدم معرفتهم لمستقبلهم بسبب الحروب.

وينظر الطفل التونسي الذي يشعر بالأمان عند قراءة القرآن الكريم، للحياة بإيجابية ويهدف لمساعدة الأطفال حول العالم وحل قضاياهم، حيث يرجع النجاح الذي حققه إلى كل من اختلط بهم في حياته، حتى الأطفال الذين كانوا يعتدون عليه جسديا يرى أنهم ساعدوه في الوصول إلى هذه المكانة، فلولاهم لم يكن ليكتب كتابا عن التنمر إذا لم يعش هذه التجربة الصعبة.

الفهري الذي يزور الدوحة حاليا والتقى بعدد من المسؤولين المهمين في إطار سياسة دولة قطر وحرصها على دعم وتشجيع النوابغ، يقول إن هدفه من هذه الزيارة هو أن تحقق قطر حلمه المتمثل في إتاحة التعليم لكل الأطفال اللاجئين في العالم خاصة في الدول العربية.

ويتمنى أن تنفذ كل مشاريعه ولا تبقى مجرد أمنيات تنشر عبر الإعلام، خاصة أن دولة قطر تستطيع أن تكون الرمز للآخرين، وأن تكون الدولة الراعية للأطفال اللاجئين والنوابغ، وأن توجه هذه الرسالة إلى العالم أجمع للاقتداء بها.

المصدر : الجزيرة