عبد الله نمير.. بنادقه التقليدية أصبحت تحفا في بيوت أمراء المغرب

عبد الغني بلوط-مراكش

تنبعث موسيقى زجل مغربي تتغنى ببطولة الفرسان من مذياع صغير، في حين يقوم عبد الله نمير بوضع فتائل فضة بلمسته الإبداعية على بندقية تقليدية.

في ركن قصي من محله بقرية تمصلوحت التاريخية بضواحي مدينة مراكش، يفضل هذا الصانع التقليدي أن يركن إلى خياله مستمتعا بالأغاني التراثية ليصنع تحفا فنية نالت شهرة واسعة.

يقول عبد الله للجزيرة نت وهو يسوي زناد آخر بندقية صنعتها يداه "تغمرني الغبطة كلما أنهيت عملا، وأشعر بأن جزءا مني استقر في كل قطعة منحتها قلبي وعقلي".

مهارة
يطلق اسم "المكاحلي" على صانع البندقية التقليدية (المكحلة)، ويعرف عن عبد الله أنه من أمهر هؤلاء الصناع، مهارته قادته إلى أن يطور صنعته لتصبح محل إعجاب من مسؤولين كبار.

يحكي عبد الله -وهو يشعر بفخر واعتزاز- "في كل مناسبة يتم استدعائي من قبل منظمي مسابقات التبوريدة (الفروسية التقليدية) على الصعيد الوطني لمواكبة الفرسان خلال عروضهم".

ويضيف "آخر ما صنعته يداي بندقية تقليدية متطورة، أكثر سلامة وأمنا، وهي نموذج موضوع الآن لدى الوزارة من أجل النظر فيه قبل اعتماده وتعميمه".

‪اسم المكاحلي‬ يطلق (الجزيرة)
‪اسم المكاحلي‬ يطلق (الجزيرة)

إتقان
يختار عبد الله أفضل الخشب، ويتففن في صنع الزناد أو القرص، ويستعمل مهارته لتزيين البندقية بخيوط معدنية.

يستجيب عبد الله لرغبات زبائنه؛ فمنهم من يفضل النحاس، ومنهم من يفضل الفضة أو العاج والعظم، ومنهم من يريدها بقطع زجاجية مختلفة الألوان وبأصداف وأحجار، ومنهم من يطلب نقشا بعينه.

لكنه لا يتوانى أبدا في اختيار "جعبة" البندقية أو ما يطلق عليها الماسورة المكونة من حديد مستورد خاص مجرب ذي جودة عالية.

يستشعر ثقل المسؤولية، لأن حوادث انفجار البنادق وإصابة الفرسان باتت تؤرق الجميع.

‪منتجات عبارة عن تحف فنية لعبد الله نمير في معرض وطني للصناعة التقليدية‬ (الجزيرة)
‪منتجات عبارة عن تحف فنية لعبد الله نمير في معرض وطني للصناعة التقليدية‬ (الجزيرة)

"مول المكاحل"
في جو البادية الهادئ، يدخل عبد الله في صمت طويل وهو يعمل على بندقية جديدة بمطرقة ومبرد، يعتبر أن أصوله القروية وعالمه الصغير يمنحانه الهدوء والتركيز اللازمين لإتقان حرفته.

يصفه المقدم محمد أيت الشيكر رئيس فرقة للفروسية التقليدية في حديث للجزيرة نت بـ"مول المكاحل" (صاحب البنادق) الذي يطمئن له "الخاطر"، ويرتاح له البال، ولا يعتبره مجرد صانع تقليدي فقط، بل هو فنان بالمعنى التام.

ويضيف "بنادقه قابلة للاستعمال الآمن، لكنها تحف فنية نزين بها منازلنا ونفتخر بها أمام ضيوفنا".

أما حنان تليد، وهي قائدة فرقة نسائية من مدينة مراكش، فتبرز أن "بندقية نمير" تزيد جمال عروض التبوريدة؛ فالفارس يشعر بالأمان وهو يؤدي بها العروض الفنية.

عبد الله يرأس جمعية مهنية لتجهيز الخيالة وممارسي التبوريدة (الجزيرة)يرأس
عبد الله يرأس جمعية مهنية لتجهيز الخيالة وممارسي التبوريدة (الجزيرة)يرأس

بيت الأمير
يتذكر عبد الله بفرحة عارمة عندما التقى الأمير مولاي رشيد، وأعجب أيما إعجاب بصنعته، ووافق على صنع بندقية نموذجية طولها ثلاثة أمتار ونصف المتر، وجدت طريقها في ما بعد إلى القصر الملكي، حسب تعبيره.

ويقول إن الأمر تطلب عشرين يوما من العمل المتواصل، وهي ثلاثة أضعاف الوقت اللازم لصنع بندقية من الحجم العادي، وتجند لها بعقله وروحه.  

قبل ذلك يروي أنه صنع بندقية عبارة عن تحفة فنية أدخلت متحف مركب الفروسية "دار السلام" بعدما أعجبت بها الأميرة للا أمينة رحمها الله.

عبد الله انخرط مبكرا في برامج التدريب التي تشرف عليها وزارة الصناعة (الجزيرة)انخرط
عبد الله انخرط مبكرا في برامج التدريب التي تشرف عليها وزارة الصناعة (الجزيرة)انخرط

سر المهنة
يعمل عبد الله في محله، وتحيط به صور المعارض التي شارك فيها والشهادات التقديرية والجوائز التي نالها.

وعندما تسأله عن سر إتقان جودته، لا يخفيك سرا أن الممارسة العادية غير كافية، لذلك انخرط مبكرا في كل برامج التدريب التي تشرف عليها وزارة الصناعة التقليدية.

عبد الله يرأس جمعية مهنية لتجهيز الخيالة وممارسي التبوريدة، حسّه يجعله يقدم كل ما يملك من معارف للصناع.

ويبرز أن مزجه بين مهارته وخبرته جعله صانعا نموذجيا، حاز به ثقة مسؤولي الوزارة من أجل الإشراف على تدريب الصناع ضمن برنامج التدرج المهني.

‪عبد الله‬ يطمح إلى (الجزيرة)
‪عبد الله‬ يطمح إلى (الجزيرة)

تراث
ورث عبد الله هذه الصنعة من جده ثم أبيه، فالأجواء المرتبطة بمواسم الفروسية التي تتميز بها قريته جعلته مولعا بالخيل والبنادق، وحكايات الجدات حول بطولة الفرسان ملهمة بالنسبة له.

لا يرى في صنعته مجرد وسيلة لكسب قوت يومه، ولكنه شعور بمسؤولية الحفاظ على تراث يؤرق باله، وذلك ما يتركه في حالة من التركيز الشديد كلما حمل "عودا" من أجل بدء صنع بندقية.

ما يصنعه هو جزء منه، ولا يمر معرض دون أن يشارك فيه، فهو يتنقل عبر السنة من مراكش إلى فاس ومكناس والرباط والقنيطرة والجديدة وغيرها، وهو مدعو إلى معارض أخرى خارج الوطن، طامحا أن يصبح سفيرا للمملكة في مجاله.

المصدر : الجزيرة