سوق عزرا اليهودي في سوريا.. زبائنه من كل الأديان

حركة الزبائن في السوق
عبق التاريخ ينبعث من أزقة السوق (الجزيرة)

 شفان إبراهيم-القامشلي

هل سوق اليهود أو سوق عزرا كما يُكنى لدى أهالي القامشلي شمالي شرقي سوريا مخصص لليهود فقط؟ ربما لا يتلاءم مع تنوع مكونات مدينة تضم الكرد والعرب والمسيحيين واستوعبت آلاف الناجين الفارين من جحيم الحرب في عموم سوريا.

"غالبا ما أقتني كل حاجياتي للطهي والطبخ من توابل ومنكهات ومكسرات من هذا السوق".. هكذا تقول كُلستان رسول (43 عاما) محملة بأكياس الفستق واللوز والزعفران وحبة البركة والزعتر البري، وتضيف "أراحنا هذا السوق كثيرا، رُبع ساعة فقط ونقتني ما نريده، لا أعرف من بناه لكن شكرا له".

أنشأ عزرا اليهودي السوق وأطلق عليه اسمه، وساعدته عوائل يهودية أخرى منها عائلة ناحوم وعائلة مخلوف، ويعدّ من الأسواق التاريخية القديمة في المدنية، ويرجح أن بناءه يعود إلى عشرينيات القرن العشرين.

عائلات مسيحية
يقول حسن فرحوا (73 عاما) صاحب محل في السوق "حين أنشأ الفرنسيون مدينة القامشلي جاؤوا باليهود إليها وبعض العوائل المسيحية، وأسكنوهم بالقرب من ثكنتهم العسكرية التي سُميت بالحجاج بن يوسف الثقفي".

ويضيف "تميز اليهود بالتعامل التجاري الجيد وساعدهم في ذلك أموالهم التي جلبوها معهم.. يتوفر لدينا كل ما يحتاجه المنزل من عطارة ومواد معطرة وأعشاب برية وطبيعية وتجارة السمن البلدي والعسل، ويزور السوق جميع الأعمار والمكونات".

منتوجات متنوعة داخل السوق وإقبال كبير من الزبائن عليها (الجزيرة)
منتوجات متنوعة داخل السوق وإقبال كبير من الزبائن عليها (الجزيرة)

كحال كل شيء، فقد طرأت تغييرات على شكل محلات البيع والشراء، وتبدل منظر السوق أيضا حيث بدأ بسوق صغير للعطارة، ثم انتقل لمجموعة محلات صغيرة مبنية من الطين والحجارة والأبواب الخشبية، لكنه اليوم أصبح معمرا بالإسمنت والحديد وأبوابه حديثة ومحكمة الإغلاق.

ويضيف فرحوا "كانت البضائع تصل إلى هذا السوق محملة على الجمال من جميع أنحاء العالم، واستفاد الجميع من هذا السوق وانخرطوا فيه، لكن اليوم هناك تجارة مع المنتجات السورية.. المتجول في السوق يدرك حجم التغيرات التي طرأت على مضمون ونوعية البضائع".

محلات متنوعة
كان السوق خليطا بين محلات العطارة وبيع القماش والعطور، لكنه يقتصر اليوم على محلات العطارة والصرافة والخردة، في حين انتقلت محلات الأقمشة والأثواب إلى السوق المجاور.

ويتحسر فرحوا على جيرانه وأصدقائه في السوق الذين هجروا المدينة بسبب الحرب، وقال "غادرنا العديد من المعارف والأصدقاء وحتى ابني الذي كان يساعدني هجر المحل إلى ألمانيا.. هناك بعض المحلات تدار من قبل أهالي حلب النازحين".

ويقول صبري حتو (69 عاما) "متى تنتهي هذه الحرب ويعود الأهل والأصدقاء والبهجة إلى السوق مجددا.. لقد حصل تغيير في موازين الاقتصاد بعد دخول باقي المكونات إلى ميدان التجارة والعطارة وأصبح السوق خليطا متوازنا من الكرد والمسيحيين واليهود حتى عام 1999 تاريخ هجرة اليهود من المدينة".

ويضيف "كان أبو البير آخر اليهود المهاجرين ثم استلم الكرد السوق بشرائهم المحلات أو استئجارها، وعمل غالبية أفراد الأسرة مع بعضهم إلى جانب بعض محلات للتجار المسيحيين".

ويتابع أنه يعمل في السوق منذ أكثر من 45 عاما عتالاً وبائع مواد مختلفة على بسطة خاصة وعاملاً في الدكاكين والمحلات، وأنه تنقل بين مختلف الحرف. ويقول "كان السوق خليطاً بين الكرد والمسيحيين بعد أن كانت الغلبة لليهود قبل أن يُهاجروا".

وأثرت ظروف المعيشة والعقلية التجارية ثم الحرب في سوريا على الموازين والكثافة البشرية وأصبحت ملكية غالبية المحلات في السوق تعود إلى تجار ورساميل كردية، ولعدد قليل من المسيحيين الذين هاجروا بكثافة.

محلات متنوعة داخل السوق (الجزيرة)
محلات متنوعة داخل السوق (الجزيرة)

مصدر رزق
يحمل لازكين أبا إياز (51 عاما) سلة كبيرة تحتوي على مساطر لما يرغب في بيعه ويتجول بين المحلات ويتحدث إلى أصحابها والزبائن، ويقول "أصنع السمن البلدي وأحصل على العسل الطبيعي من المناحل في مزرعتي وبعض الأدوية من الأعشاب الطبيعية التي تساعد على تخسيس الوزن وتقوية الشعر".

ويضيف أنه يبيعها في السوق، وأن نشاطه يمثل مصدر رزقه الوحيد، ويشتري بثمنها حاجيات بيته وأطفاله.

ويتردد لازكين إلى السوق كل بضعة أيام ليمد المحلات بما يلزمها، وبات مؤخرا بعض الزبائن يتواصلون معه ويرغبون في الشراء مباشرة من المنتج، ويقول "أنا سعيدٌ جدا بمهنتي وأسعى لأن أحصل على تقدير الزبائن واحترام تجار السوق".

لقد تغير كل شيء في السوق، نوعية البضائع وشكل السوق وحجم ومساحة المحلات التي بلغ عددها نحو 25 دكاناً ومحلاً، لكن بقي السوق حتى اليوم يُعرف باسم سوق عزرا الذي ترك أبناؤه وأحفاده المدينة بعد وفاته، وهاجر غالبيتهم إلى السويد.

المصدر : الجزيرة